كي لا يتحوّل الباحث إلى خادم للسلطان

14 فبراير 2018
لا بدّ من ارتياد الطلاب للمكتبات (شارلي تريبالو/فرانس برس)
+ الخط -

من اللافت أنّ باحثين كثيرين ينتمون إلى مراكز أبحاث ودراسات ويطلّون من على شاشات التلفزة وغيرها من وسائط الإعلام، يتقمّصون السياسات والمواقف الرسمية، حتى إنّ بعضهم يصبح عبارة عن ناطق حكومي. وبذلك يفقد الباحثون استقلاليتهم، وبالتالي القدرة على التأثير في الرأي العام. في المقابل، نجد عدداً من الباحثين الجادين والجديين الذين يقدّمون مساهمات فكرية وثقافية تضيف وتضيء على موضوع البحث أو الحدث. لا نقصد من هذا التقديم دعوة الباحثين إلى تشكيل قوة معارضة، فهذه مهمة الأحزاب السياسية والنقابات، لكنّ المطلوب هنا هو تغليب صفة الباحث على ما عداها، وإيجاد مسافة تتيح له قول ما توصّل إليه نتيجة جهوده.

وعليه، فإن مراكز الأبحاث والدراسات مطالبة بما يأتي:

- عدم المساومة في دراساتها على المعايير الأساسية، ألا وهي العلمية والدقة والنزاهة والموضوعية. ينطبق ذلك على علاقاتها مع القطاع العام كما القطاع الخاص. ومن شأن التمسك بهذه المعايير أن يكرّس الثقة بين هذه المراكز والقطاعَين العام والخاص، وكذلك مع المواطن المتلقي. وهذه الاستقلالية تمهّد الطريق تباعاً للمراكز نحو تكريس نفسها كمرجعية وصاحبة سلطة معنوية، وبالتالي تجري الإفادة منها وربطها بالتخطيط الاستراتيجي للدولة وبحث مشكلات وقضايا المجتمع المختلفة. أمّا التماهي مع موقف المسؤول، فهو أقصر الطرق نحو الالتحاق والتبعية وبالتأكيد الفشل، خصوصاً متى تذكرنا أنّ القرار في الدولة هو محصّلة بُنية وتعقيدات وتشابكات ومصالح فئوية، ليس الباحث ملزماً بأخذها في عين الاعتبار.

- مَنْح مراكز الأبحاث حيّزاً من الحرية والاستقلالية والرؤية الخاصة وتمكينها من الحصول على المعلومات، بما فيها تلك التي تتكتّم دوائر الدولة عليها وتضعها في الأدراج المقفلة للمسؤولين. يُضاف إلى ذلك تسهيل وصول الباحثين إلى الإنتاج العلمي والمعرفي لمؤسسات بحثية أخرى. وليس من الممكن الوصول إلى ذلك بمحض الصدفة أو بكرم أو مِنّة المسؤول، بل هو نتيجة عمل وموقف تراكمي من جهة مراكز الأبحاث.

- وحتى تتمكّن المراكز البحثية من القيام بمثل هذا الدور، لا بدّ لها من أن تعمل على جذب أصحاب الكفاءات من الباحثين وذوي الخبرة مهما كانت توجهاتهم السياسية، سواء أكانت متطابقة مع رؤية المسؤولين أو لم تكن. فتقديمها الدعم المادي والمعنوي لهم وبذل الجهود الدائبة من أجل رفع مستواهم العلمي والمعرفي وتطوير قدراتهم التحليلية والإبداعية، مسألة حاسمة في خلق وتنمية قدراتهم على الوصول إلى أفضل النتائج.

- استقطاب الكفاءات الشابة من مختلف المدارس والاتجاهات الأكاديمية، وكذلك الطلب إليهم إعداد دراسات وأبحاث نظرية وعملية، يعزّزان من موقع المراكز ويكرّسان دورها، خصوصاً إذا كانت هذه الدراسات والأبحاث في صميم مشكلات المجتمع وقضاياه الملحّة.


- ونظراً إلى إلحاح المشكلات لا بدّ من تحقيق تواصل مكين بين المؤسسات البحثية والمؤسسات الحكومية المعنية والجامعات. وهو الأمر الذي يتطلب خروج الطلاب الجامعيين من الصفوف وقاعات المحاضرات وانخراطهم في الإدارات والمجالات الاختبارية المعنية وميادين العمل والبحث، مثل ارتيادهم المكتبات والمختبرات العلمية.

*أستاذ جامعي
دلالات
المساهمون