كيلي كرافت تخلف نيكي هيلي: دبلوماسية تفتقر للكفاءة والطموح

12 سبتمبر 2019
كرافت قليلة الخبرة في مجال السياسة (ستيفاني راينولدز/Getty)
+ الخط -
من المنتظر أن تقدّم السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، كيلي كرافت، اليوم الخميس، أوراق اعتمادها للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، في مقر المنظمة الرئيسي في نيويورك، لتتقلّد منصبها وتبدأ مزاولة عملها رسمياً، بعد أن بقي كرسي بلادها في الأمم المتحدة شاغراً من مندوب أميركي دائم لقرابة تسعة أشهر. وكانت تلك الأشهر كفيلة بإفراغ المنصب الأميركي من قوته الرمزية والفعلية، فيما يتوقع أن لا يبدل تعيين كرافت الوضع، نظراً لنقص الكفاءة لديها في مجال السياسة، والانتقادات التي تعرضت لها بعد تجربتها في العمل كسفيرة لبلادها في كندا قبل توليها المنصب الجديد.

وستخلف كرافت نيكي هيلي، التي وإن عرفت بقلة خبرتها في السياسة الخارجية قبل تعيينها كسفيرة للأمم المتحدة وتوليها منصبها لقرابة السنتين حتى استقالتها في ديسمبر/كانون الأول الماضي، إلا أنّها تركت بصمتها في الأمم المتحدة وكانت صاحبة خبرة لا يستهان بها في عالم السياسة الداخلية الأميركية. وسبق أن انتخبت هيلي كحاكمة لولاية ساوث كارولاينا لأكثر من فترة. وعلى عكس كرافت، لم تعيّن هيلي كمندوبة أميركية في الأمم المتحدة بسبب نفوذ عائلتها المالي، وهو حال عدد من التعيينات رفيعة المستوى في حكومة ترامب.

وعلى الرغم من أن هيلي عُرفت بعدم دبلوماسيتها في تعاملها مع زملائها السفراء وتصريحاتها عنهم، كما أثارت استياء عدد كبير من الدبلوماسيين جراء استراتيجيتها وسياسة حكومتها تجاه الأمم المتحدة وفشلها في أكثر من مناسبة في فرض سياسة أميركا على الآخرين، خصوصاً في ما يتعلّق بالقضية الفلسطينية ومناصرة إسرائيل العمياء، وعدم العمل بروح التعددية الدولية، إلا أنّ جميع الدبلوماسيين الذين تحدّث إليهم "العربي الجديد" في نيويورك، توقعوا ألا تتمكّن كرافت من ملء الفراغ الذي تركته هيلي، وأنّ مهامها ستكون مجرّد تسيير أمور وتنفيذ سياسات ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو، من دون أن يكون لها خطها أو تأثيرها الخاص.

وكرافت قليلة الخبرة في مجال السياسة، وتعيينها لا يأتي لامتلاكها أي كفاءة، بل لنفوذ عائلتها، وعلى رأسها زوجها الملياردير، جو كرافت، الذي يعمل في مجال تعدين الفحم. وهي أيضاً "قليلة الطموح" كما وصفها أحد الدبلوماسيين الغربيين، الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، في حديث مع "العربي الجديد"، مضيفاً "إذا نظرنا لملفها كسفيرة لكندا، فإنّ أقلّ ما يمكن أن يقال عنه هو أنه غير مشجع".

ومن بين الانتقادات التي وجهت لكرافت من قبل سياسيين في الحزب الديمقراطي وعدد من وسائل الإعلام الأميركية أنها غابت قرابة 356 يوماً، خلال قرابة 20 شهراً تقلّدت فيها منصبها في السفارة الأميركية في كندا، وأمضت معظم هذه الفترة في بيوتها المتعددة في الولايات المتحدة. وفي ردها على تلك الانتقادات، قالت كرافت إنّها كانت منغمسة في العمل والتفاوض حول الاتفاقية التجارية بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا لتحلّ مكان اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية. لكن التقارير الرسمية تشير إلى أنها، وعلى عكس ادعائها، عملت لأربعين يوماً فقط على أمور متعلقة بالاتفاقية من أصل 356 يوماً قضتها خارج كندا. وأشار دبلوماسيون كنديون في تصريحات لوسائل إعلام أميركية حول فترة عمل كرافت كسفيرة، إلى أنها غابت عن عدد من اللقاءات الدبلوماسية المهمة بسبب وجودها الدائم خارج كندا، كما أنها حرصت على أن تكون قليلة الظهور والحضور مقارنةً بسفراء أميركيين آخرين.

وفي توليها منصبها الجديد، ستكون صلاحيات كرافت أقلّ من صلاحيات سابقتها، نيكي هيلي، التي كان لديها مقعد وكلمة على طاولة وفي ملفات فريق الأمن القومي الاستشاري للرئيس الأميركي. وأحد تلك الملفات الأساسية والساخنة بالنسبة للإدارة الأميركية في الأمم المتحدة ومؤسساتها بما فيها مجلس الأمن، كان الملف الإسرائيلي الفلسطيني. وقد عرفت هيلي بدفاعها الأعمى والشرس عن السياسات الإسرائيلية وهجومها المستمر على حقوق الفلسطينيين، ودعمها للاستيطان وشيطنتها لـ"وكالة تشغيل وغوث اللاجئين الفلسطينيين" (أونروا). كما أدّت سياساتها وسياسات الحكومة الأميركية إلى قطع المساعدات الإنسانية والدعم المادي عن هذه الوكالة، في محاولة لخنقها وتصفيتها، ومن ثمّ تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين.

وفي هذا الإطار، قالت كرافت خلال المناقشات أمام الكونغرس الأميركي التي سبقت تعيينها عندما سُئلت عن سياساتها الخارجية، إنها تخطط لحماية إسرائيل والدفاع عنها ضدّ "التنمر الذي تواجهه من قبل دول أخرى". وعن موقفها من حلّ الدولة أو حلّ الدولتين المتفق عليه دولياً بما في ذلك الموقف الأميركي الرسمي، قالت إنه لا يوجد لديها موقف محدد من الموضوع.

وترى الإدارة الأميركية الحالية، كما إدارة بوش، في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، "أدوات" لتسيير وتنفيذ سياسات الولايات المتحدة الخارجية. وهذا ما اتسمت به طريقة تعامل هيلي، وما يفسّر اصطدامها المستمر مع عدد من الدبلوماسيين والانتكاسات العديدة التي شهدتها سياسة بلادها، وعدم مقدرتها على تقديم أي حلّ جذري لأي من القضايا العالقة، بل نسف سنوات من العمل الدبلوماسي وهدمه للولايات المتحدة نفسها. وقد تمثّل ذلك جلياً بانسحاب واشنطن من عدد من الاتفاقيات الدولية التي لعبت الولايات المتحدة دوراً رئيسياً في التفاوض حولها، ومن بينها ملف المناخ، والانسحاب من اتفاقية باريس بهذا الشأن، وكذلك الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني على سبيل المثال.

ويعدّ منصب السفير الأميركي، أو سفير أي دولة للأمم المتحدة في نيويورك، ثاني أهم منصب على مستوى السياسات الخارجية بعد وزير الخارجية. وفي الأسبوع الأخير من الشهر الحالي، سيجتمع رؤساء العالم وقادته في نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة رفيعة المستوى، وسترافق كرافت ترامب وبومبيو في عدد من الاجتماعات، لكن لا أحد يتوقّع أن تقوم بأي خطوات وتسجّل أي عناوين أو تصريحات تذكر. وأشار أحد الدبلوماسيين مازحاً إلى أنه "يكفي ما يأتي من حساب الرئيس الأميركي على تويتر من أخبار عاجلة. لا حاجة كذلك لأخبار عاجلة من سفيرته في نيويورك". وعند الحديث مع عدد من الدبلوماسيين عن السياسات الأميركية المتعلقة بالأمم المتحدة والقضايا الدولية، فإنّهم يبدون نفوراً وتشاؤماً، وكأنّ الجميع في انتظار أن يأتي نوفمبر/تشرين الثاني من العام المقبل برياح تغيير تريحهم من رئيس زاد العالم المنهك أصلاً تعباً وبؤساً.

المساهمون