كيلي أيوت... ورقة ترامب "الرابحة" بوجه صقور الجمهوريين

13 نوفمبر 2016
أيوت صنّفت المرأة الأكثر نفوذاً داخل الحزب الجمهوري(أليكس وونغ/Getty)
+ الخط -
وسط انشغال الصحف باستشراف مستقبل الإدارة الأميركية المقبلة؛ يبدو اسم السيناتور السابقة، كيلي أيوت، مفاجأة تسريبات التشكيلة الحكومية المتوقّعة. وهو ما يعزز الانطباع بأن أحد أكثر الأمور التي تميّز شخصية الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، عن سابقيه، هو أنّه يظلّ، حتّى اللحظة، عصيّاً على التوقّع.


ترامب فاجأ نفسه قبل الجميع ليلة الأربعاء الماضي، ولعلّه بات أكثر إدراكاً، مع اقترابه من دوائر الحكم في واشنطن، أن الوعود الكبيرة التي أطلقها بعد حملة صاخبة لن تكون ملك يديه منذ اللحظة، وأنّ الطريق إلى البيت الأبيض لا يزال غير معبّد، وأنّه بحاجة إلى ترميم علاقاته مع الشارع الذي أغضب قطاعات واسعة منه، وقبل ذلك، مع أعضاء حزبه الفائز في أغلبية الكونغرس، بينما لا تزال أقطاب كثيرة فيه غير مطمئنّة إلى تولّيه الحكم. ضمن هذا الإطار تحديداً، يمكن تفسير الدور الذي يمكن أن تؤدّيه أيوت للرئيس الذي يبحث عن تحالفات جديدة.

رئيس للجميع


لم يكن اسم أيوت، للوهلة الأولى، وارداً في حسابات المعلّقين السياسيين، خاصّة مع بروز أسماء وازنة في لائحة المرشّحين لوزارة الدفاع، مثل السيناتور جيف سيشنز، والجنرالين المتقاعدين، جوزيف كيلوج، ومايك فلين، كما أنّها ليست من بطانة الجمهوريين القريبين من ترامب، فهي لم تكن بين الحاضرين للمؤتمر الوطني للحزب الجمهوري في كليفلاند، وقد انتقدت المرشّح الجمهوري، أثناء حملته، بعد تصريحاته المشينة بحقّ النساء، قائلة "أنا لن أدعم مرشّحاً للرئاسة يتبجّح بإهانة النساء والاعتداء عليهنّ"، مفضّلة أن تمنح صوتها لنائب ترامب، مايك بينس.

لكن من الزاوية المقابلة، ربّما منحت تلك المعطيات مستشاري ترامب سبباً إضافيّاً للتفكير بأيوت، فالملياردير الأميركي، الذي ينزع نحو مهادنة خصومه هذه الأيام، قد يجد فرصة سانحة لإثبات أنّه "رئيس للجميع"، كما صرّح في أولى خطبه بعد النصر، وأن إدارته ستتسع حتّى لأولئك الذين هاجموه. يدرك الرئيس، الذي يوشك أن يبدأ ولايته الرئاسية في يناير/كانون الثاني القادم، أنّه مضطر لتقديم "تضحيات" في الفترة المقبلة، ولربّما يبرز اسم أيوت، من بين الأسماء الأخرى المتاحة، بوصفها الخيار الأقلّ "كلفة" بالنسبة للملياردير الأميركي.




ورقة على جبهتين

ربّما لا تتمتّع المرشّحة لوزارة الدّفاع بالخبرة الكافية لأداء هذا الدور، قياساً بالمرشّحين الآخرين على الأقلّ. لكن الأمر هنا لا يتعلّق بالخدمة العسكرية والرّتب العليا فحسب؛ فللمرشّحة الوحيدة ما يميّزها عن باقي منافسيها، وهو امتلاكها تجربة أكثر غنىً. فإلى جانب عملها في لجنة التسليح داخل مجلس الشّيوخ بين عامي 2011 و2017، وعلاقاتها القويّة بموظفي وزارة الدّفاع خلال تلك الفترة، استطاعت أيوت أن تبني سمعةً جيدة في أوساط المجتمع المدني أيضاً، وأن تتصدّر مبادرات توعويّة في قضايا البيئة والنساء، وحازت، إثر ذلك، على جائزة "كيركباتريك"، عام 2013، لـ"مساهماتها في النهوض بدور المرأة في السياسة والمجتمع المدني". تلك المعطيات تحديداً تجعل منها ورقة ترامب الرابحة على جبهتين: استرضاء الشارع، ولمّ شمل الجمهوريين خلف إدارته.

عطفاً على ذلك، بوسعنا تصوّر ما يتطلّع إليه فريق ترامب السياسي من خلال هذه الخطوة، فطرح اسم امرأة لتولّي وزارة سياديّة، حتّى وإن كان مجرّد "فقاعة إعلاميّة"، قد يمحو بعض الآثار السيّئة العالقة في أذهان الجمهور الأميركي حول رئيسهم الجديد، القادم من حملة انتخابيّة مشحونة بخطاب عنصري، وفضائح نسائيّة مدويّة. تبدو فكرةً جيّدة بالنسبة للرئيس الذي أطاح أول مرشّحة في تاريخ الولايات المتحدة لأحد قطبي السياسة فيها، الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وفي يديه أن يصنع تاريخاً آخر الآن بتعيين أوّل وزيرة دفاع في تاريخ أميركا، وأن يقدّمها بادرة "حسن نيّة" لقطاع واسع من الجمهور، لا سيّما النساء منه.

على المقلب الآخر، ستمثّل الخطوة ذاتها بادرة "حسن نيّة" بالنّسبة للجمهوريين كذلك، فالمتخوّفون من طيش ترامب بين أعضاء الحزب، سيجدون أمامهم سبباً للاطمئنان مع عدم توزير شخصيّات من بطانته في مؤسسات الدولة السياديّة. الأمر لا يتوقّف هنا على "بناء الثقة" فحسب، فأيوت، التي صنّفتها مجلّة "نيوزماك" "أكثرَ النساء تأثيراً داخل الحزب الجمهوري"، ستمنح ترامب أوراق قوّة كثيرة. نفوذها داخل الحزب، وعلاقاتها الجيّدة مع أعضاء الكونغرس ومساعديهم، قد يوفّران له مصدر قوّة إضافيّاً في اتّخاذ القرارات مستقبلاً، وقبل ذلك، تقييمها جيّداً.


صفقة الرئيس


من بين الخلافات العديدة التي قد توفّر لأيوت أسباباً للرفض، وأبسطها معارضة ترامب في قضايا شراء الأسلحة، والمناخ، والهجرة، والمثليين؛ تبرز مشتركات كثيرة أيضاً، لا سيّما على صعيد السياسة الخارجية، فكلاهما عارض إغلاق معتقل غوانتنامو، والاتّفاق النووي مع إيران، وسياسة أوباما تجاه تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وكلاهما مؤيّد وفيّ لسياسات إسرائيل، حتّى إن أيوت كانت على رأس اللوبي الضاغط في مجلس الشيوخ لزيادة حزمة المساعدات العسكرية إلى إسرائيل.

عمليّاً، ثمّة أمور كثيرة يمكن أن تبنى على تلك المشتركات، لكن الأهم هي فكرة أنّ أيوت تجسّد هنا الرؤية السائدة لـ"مجتمع الصقور" داخل الحزب الجمهوري، خصوصاً تجاه قضايا السياسات الخارجيّة والأمن القومي. تلك الرؤية تحمل نزعة عالميّة "تدخّليّة"، لا تسير في اتّجاه متناغم مع ميول ترامب نحو سياسة "العزلة"، وتبنّي شعارات من قبيل "أميركا أوّلاً"، والانكفاء وراء أولويّات خارجيّة محدّدة. ولتجنّب الخوض في التكهّنات المستقبليّة، يمكن القول إن ظهور أيوت على المشهد الآن يعكس، على الأقل، سعي ترامب نحو مصالحة "الصقور" الأقوياء في حزبه، الذين لم يكونوا على وفاق معه طوال حملته الانتخابية، وفتحِ أبواب إدارته أمامهم، ولا سيما في مجالات الأمن القومي والسياسة الخارجية.

لكن أمام هذه المعطيات كلّها، يبقى السؤال الأهم، في حال صحّ أمر التعيين من أساسه، هو مدى استعداد أيوت، ومن خلفها "الصقور"، للتعاون مع ترامب. هذا السؤال مشفوع بما يرد من تسريبات حول المشقّة التي يتكبّدها فريق ترامب في إيجاد مرشّح في مجالات السياسة الخارجية. صحيفة "ديلي بيست"، على سبيل المثال، نقلت عن مصدر في فريق ترامب اعترافه أن عدداً من المسؤولين رفضوا المهمّة فور عرضها عليهم.

أمام كلّ تلك التكهّنات، يبقى الغالب أن فريقاً من الجمهوريين لا يزال، حتّى الآن، غير راضٍ عن ترامب، وهذا الفريق، استناداً إلى المعطيات الراهنة، يقوده صقور الحزب ومتنفّذوه. في الواقع، قد يقدّم لنا هذا الأمر إجابةً أخرى على اختيار أيوت تحديداً لوزارة الدفاع، فبعد عملها لستّ سنوات في إحدى أكثر لجان مجلس الشيوخ حساسية؛ وجدت الأخيرة نفسها بعيدة عن الميدان السياسي، إثر خسارتها في انتخابات الكونغرس الأخيرة، في حين وجد ترامب أمامه فرصة سانحة لضمّ أحد صقور الحزب الجمهوري تحت جناحه (يصفها معلّق صحيفة واشنطن بوست بأنّها نسخة من جون ماكين وليندسي غراهام)، دون أن يضطر لرمي جميع أوراقه على طاولة المساومات. صفقة جيّدة بالنسبة لتاجر العقارات الأميركي، يعقدها كرئيس هذه المرّة.