كيف يتعلم الإنكليز لغتهم؟

26 يونيو 2017
تعلم اللغة في إنكلترا يتم من خلال القصص(Getty)
+ الخط -
حكت لي صديقة يابانية متزوجة من رجل إنكليزي أنها كانت تستعد لامتحان الأيلتس IELTS وتذاكر بعض قواعد اللغة، فسألت زوجها عن كلمة هل هي صفة أم حال؟ ففوجئت بأنه أبدى استغرابه، وأخبرها أنه لا يدري عما تقوله شيئا. هو فقط يستطيع استخدام اللغة استخداما صحيحاً تحدثاً وكتابة، لكن معرفة القواعد ووظائف الكلمات، تكون فقط للمتخصصين والمعلمين.

وسألت شاباً إنكليزياً آخر، هل كنت تدرس قواعد اللغة في المدرسة؟ فأجاب بالنفي. وعندما بدأ أطفالي يذهبون إلى المدرسة وجدت أنهم في فترات قصيرة أصبحوا يتقنون استخدام العديد من التراكيب اللغوية التي أخذت أنا وقتا طويلا جدا في تعلمها عبر حفظ قواعدها وعبر أشهر من متابعة دروس المدرسة، فوجدت أنهم بالفعل لا يدرسون قواعد اللغة في حصص اللغة الإنكليزية.

ذكرني هذا بالطرفة التي قرأتها في صغري عن غلام تعلم العربية في البادية حيث أهل الفصاحة، وحين أراد أبوه أن يعلمه القرآن أرسله إلى شيخ في دمشق فقالَ الشيخُ للطفل سأقرأُ عليكَ سورة المسد، فردد من خلفي، وقرأ الشيخ: "تَبَّتْ يدا"، فقالَ الطفلُ: "تَبَّت يدان"، فنهره الشيخ وقال له: قُل تبت يدا، فكرر الطفلُ: تبت يدان، فغضب الشيخ وأخذَ الطفلَ الى الأمير وأخبرهُ أنَّ الطفل لا يُريد أن يتعلم وحكى لهُ ما حدث، فطلبَ الأميرُ من ولده أن يردد "تبت يدا"، ولكنَّ الطفل كرر قوله تبت يدان، فاحتارُ كل من كان بمجلس الأمير إلا إعرابيٍ من البادية، قالَ لهم أنا أُعلِّمُ الطفل، وأخذ بيدهِ وقالَ له :قل يا بُنيَّ، "تبت يدا أبي لهبٍ" فقال الطفلُ تبت يدا أبي لهبٍ! فالتفت الإعرابي للأمير وقالَ لهُ: هذا غُلامٌ فصيح، فالمثنى لا تُحذف نونه إلا إذا كان مُضافاً، والعربُ لا تقول تبت يدا، ولكنها تقولُ تبت يدان، فأُعجِب القومُ بفصاحةِ الغلام.

الغلام لسانه فصيح حتى لو لم يستطع إعطاء السبب أو ذكر القاعدة، وهكذا أيضاً وجدت استخدام الإنكليز للغتهم، لكن ما هي الوسائل التي يتبعونها لتحقيق ذلك؟ لاحظت أن جوهر تعليم اللغة هنا في المدرسة قائم على تكوين الذائقة الأدبية واللغوية لدى الأطفال، بتعريضهم لنصوص مختلفة تعريضاً مكثفا وسأفصل هنا لكيفية فعل ذلك.

التعلم من خلال القصة

تعتمد المدارس على القصص بشكل أساسي في تكوين الذائقة اللغوية لدى الأطفال، فيدرسون القصص الموزونة، ذات القوافي طوال العام. ويتبعون هذه الأساليب لتحقيق الاستفادة القصوى من دراسة القصة، مع عدم إغفال المتعة لدى التدريس.


1)التكرار:

يتم تدريس القصة الواحدة لفترة ليست بالقصيرة حتى يحفظها الأطفال عن ظهر قلب، وذلك بسردها عدة مرات في الفصل، ومشاهدة مقطع فيديو لها طوال أسبوع وأحيانا يحفظون أغنية لها علاقة بالقصة. وبذلك، تتكون لدى الأطفال مجموعة كبيرة من المفردات والتراكيب اللغوية السليمة حتى قبل أن يدخل في مرحلة القراءة والكتابة.

2)الوزن والقافية:

وأشدد هنا على مسألة الوزن والقافية في القصة فهي تساعد الأطفال على تذكر الكلمات التي على نفس الوزن والقافية كما أنها تضفي جوا من المرح، فكم تطرب أذنهم لسماع القافية والوزن مع أحداث القصة المسلسلة، بالإضافة إلى أنها تنمي الحس الفني لدى الأطفال، وتجعلهم يعملون عقلهم لتأليف جمل والإتيان بكلمات موزونة ليحاكوا القصص التي يدرسونها.


3)
أدباء بعينهم:

من الملاحظات المهمة التي وجدتها في المدارس هنا أنهم يعرفون الأطفال على أدباء بعينهم يكتبون للأطفال وليس مجرد قصص متفرقة. فيدرس الأطفال قصص حياة أدباء كتبوا قصصاً وكتباً للأطفال. ويتعرفون على عناوين عدة مما كتبه هؤلاء الأدباء، وبذلك تتأسس لديهم معرفة تمكنهم من الاختيار والإقبال على كتب وكتّاب بعينهم، عندما يذهبون لشراء أو استعارة الكتب.

 




4)
الحكايات الشعبية

لا يتعلم الأطفال دروس قراءة مملة مؤلفة خصيصا لطلاب المدارس بلا حبكة ولا تشويق بل يتعلمون قصصا شعبية يحبونها ويعرفونها من أفلام الكرتون وتكون الفائدة الأكبر هنا هي ارتباط الطفل بالقصص وباللغة وليس صب العظات والعبر على أدمغتهم الصغيرة. لذلك

فقصص بياض الثلج وذات الرداء الأحمر وجاك وساق الفول وغيرها من القصص الشعبية الممتعة تكون المادة الأساسية لحصص اللغة الإنجليزية فلا يوجد كتاب للقراءة ومنهج رتيب يحفظ فيه الأطفال أن سعاد ذهبت لحديقة الحيوانات ورأت الفيل والزرافة! وعادة ما يصاحب القصص الشعبية أغانٍ تحكي ذات القصة فتترسخ اللغة عبر أشكال مختلفة من المدخلات.

5)القراءة في البيت

بالإضافة إلى القصص التي يدرسها الأطفال في المدرسة فإن لهم الحق في استعارة كتاب من مكتبة المدرسة يعودون به إلى المنزل ويسجل اسم الكتاب في دفتر مخصص لقائمة القراءة فقط، ويكتب الأبوان ملاحظاتهما فيه ثم يعيدان الكتاب مع الدفتر إلى المدرسة، ويشدد المعلمون على أن المهم هو استمتاع الطفل بقراءة الكتاب مع أحد الوالدين وليس مذاكرتها، ويمكن مناقشة الكتاب أو سؤال الطفل عن أكثر شيء أعجبه في الحكاية. مع السن الأكبر تكون الكتب المتاحة للاستعارة وفقا لنظام القراءة المتدرجة حيث تتدرج القصص من حيث الكم والمفردات الجديدة وتعقيد الأحداث.

وحين يصل الأطفال لمرحلة الكتابة يكونون بالفعل قد قطعوا شوطا كبيرا في تحصيل الكلمات والتراكيب التي تعينهم على الكتابة في موضوعات عدة، وكل ما يحتاجونه هو معرفة قواعد الكتابة والإملاء مع الاستمرار في القراءة ورفع مستوى تعقيدها تدريجيا.