يراقب المستثمرون في أسواق المال بحذر شديد تحرّك سعر صرف اليوان الصيني مقابل الدولار هذه الأيام، إذ إنه يعكس إلى حد ما مستوى التوتر بين واشنطن وبكين، وسط الاتهامات المتبادلة بين الدولتين حول مسؤولية تفشي فيروس "كوفيد 19".
وبينما تشيع الحكومة الصينية رواية تقول إن "الفيروس لم ينشأ في الصين، وإن الجيش الأميركي هو المسؤول عن الفيروس"، توجه إدارة الرئيس دونالد ترامب أصابع الاتهام مباشرة إلى بكين، وتطالبها بغرامات باهظة على الخسائر التي تكبدها الاقتصاد الأميركي.
وعادة ما يتكالب المضاربون على شراء الدولار كـ"ملاذ آمن" والين الياباني كـ" ملاذ ثانٍ" في ظروف التوتر التجاري بين بكين واشنطن، وهو ما أدى إلى ارتفاع الدولار والين يوم الإثنين.
وفي المقابل شهد اليوان في بداية الأسبوع الحالي تراجعاً كبيراً مقابل الدولار في تعاملات مراكز "الأفشور"، وسط المخاوف من تطور النزاع، بعد صدور تقارير صينية تنذر باحتمال حدوث مواجهة بين بكين وواشنطن في الفترة المقبلة.
وحتى الآن، ينظر محللو الأسواق إلى التداعيات السلبية التي سيتركها التوتر على صفقة التجارة الأولى التي وقعت بين الصين وأميركا في يناير/ كانون الثاني الماضي، كما يدور السؤال وسط سماسرة العملات وتجار أسواق الصرف الأجنبي حول ماذا كانت علاقات أميركا مع الصين ستتدهور في الفترة التي تلي نهاية الفيروس التاجي إلى درجة الحظر والعقوبات المالية.
وقالت صحيفة الشعب القريبة من مصادر صنع القرار ببكين إن تقريراً صينياً يحذر من أن الصين تواجه موجة عداء متزايدة في أعقاب تفشي فيروس كورونا المستجد قد يقلب علاقاتها مع الولايات المتحدة إلى مواجهة.
وقالت المصادر إن التقرير الذي قدمته وزارة أمن الدولة، أوائل الشهر الماضي، لزعماء كبار في بكين، بينهم الرئيس شي جين بينغ، خلص إلى أن المشاعر العالمية المناهضة للصين وصلت إلى أعلى مستوياتها منذ حملة ميدان "تيانانمين" عام 1989.
وفي حال تواصل التوتر أو تطور إلى مرحلة تبني المعسكر الغربي الرأسمالي خطة لعزل الصين، فإن هذه الخطوة ستكون لها تداعيات مباشرة على تدفق التمويلات على الصين وحلفائها في آسيا والتسويات التجارية وتلبية خدمات الديون الدولارية، وبالتالي ربما ستنسحب المصارف الغربية، وعلى رأسها الأميركية الستة الكبرى، من التمويلات الدولارية في الصين والعديد من اقتصاديات آسيا.
ويرى محللون أن تطوراً كهذا في العلاقات بين عملاقي الاقتصاد في العالم سيقود تلقائياً إلى شح في الدولارات المتاحة بآسيا، وبالتالي ارتفاع في سعر صرف الورقة الخضراء، أي الدولار.
وتتسابق المصارف التجارية في آسيا منذ شهور على شراء العملة الأميركية لتغطية مراكزها المكشوفة في سوق السندات الدولارية، مما رفع الريع على سندات "اليورو بوندز" في مراكز سنغافورة وهونغ كونغ.
وكانت الشركات الآسيوية وعلى رأسها الصينية استدانت الدولارات بكثافة من المصارف الأميركية خلال السنوات التي تلت فترة أزمة المال العالمية في العام 2008.
من جانبه يرى خبير أسواق الصرف بمصرف "دويتشه بانك"، جورج كارافيلز، أن التوتر سيؤثر على التدفقات الدولارية في أسواق آسيا.
ويقول كارافيلز إن أية خطوة تتخذها أميركا للحد من التمويل الدولاري إلى الصين ستكون لها تداعيات مباشرة على رصيد العملات الأجنبية بالبنوك المركزية.
ولا يستبعد خبير الصرف بمصرف "دويتشه بانك" أن يقود أي إجراء تقييد نقدي تجاه الصين إلى تحول في حصص العملات الأجنبية في أرصدة المصارف المركزية العالمية.
وكان خبراء أسواق نقد في لندن قد نصحوا إدارة ترامب التي تتجه لاحتواء التمدد الصيني خلال السنوات المقبلة إلى التحول من النزاع التجاري وفرض الرسوم إلى الحظر المالي والتضييق النقدي.
وهو صراع، يرى الخبراء أن أميركا ستكسبه بسهولة، لأن الدولار والمصارف الأميركية يهيمنان على التسويات المالية والتجارية وكذلك على سوق الصرف الأجنبي والقروض والسندات الدولارية.
من جانبه قال ستيفن إينز، كبير خبراء السوق في شركة "أكسي كورب"، "اليوان هو المرجعية التي سيراقبها الجميع الآن".
وأضاف أن ضعف اليوان سيحد من مكاسب العملات الآسيوية، مثل الرنجيت الماليزي وعملات الدول الناشئة، حتى مع تعافي أسعار النفط.
ويستفيد الدولار حالياً من عمليات الإغلاق في النشاط الاقتصادي في أوروبا وآسيا، حيث يرفع من حاجة الشركات للدولار لخدمة ديونها التي أخذت بالدولار. كذلك يستفيد سعر صرف الدولار من حاجة البنوك المركزية العالمية إلى بناء احتياطات من الورقة الخضراء.