يقول فيرغس والش، المراسل الطبي لموقع "بي بي سي" البريطاني: "نادراً ما أستخدم مصطلح "اختراق" لوصف أي دواء، لكن الأمر يستحق ذلك". وبحسب "بي بي سي"، جاءت نشأة الدواء واكتشاف قدراته على معالجة مرضى كوفيد-19 من خلال المثابرة والعقلانية لفريق صغير في جامعة أكسفورد، إضافة إلى تعاون المستشفيات في المملكة المتحدة، واتفاق الآلاف من المرضى وأسرهم، على خوض هذه التجربة.
عادة ما تستغرق التجارب السريرية أشهراً أو سنوات حتى تبدأ، وتشتمل على بضع مئات من المرضى، إلا أنّ هذه الدراسة أُعدَّت في تسعة أيام، وجنّدت 11,500 مريض مصاب بفيروس كورونا، في 175 مستشفى، في جميع أنحاء المملكة المتحدة، وهي تجربة فريدة من نوعها، إن صحّ وصفها.
لقد كانت السرعة ضرورية لوقف الوتيرة التصاعدية لمرضى كوفيد-19 في المملكة المتحدة، خاصة أنّ الأخيرة شهدت أسوأ تفشٍّ لفيروس كورونا في أوروبا، مع حصيلة فادحة من القتلى.
التجربة الفريدة
قاد تجربة دواء ديكساميثازون، البروفيسور بيتر هوربي، الذي قضى السنوات الأخيرة من عمله في البحث عن أفضل السبل للاستعداد والاستجابة للمرض "X"، وهو مرض غير معروف يمكن أن يسبّب جائحة. وقال الطبيب إنّه شعر بالإحباط، لأنه بعد الوباء الأخير، إنفلونزا الخنازير H1N1، "كان هناك فشل هائل في إجراء تجارب دوائية مناسبة، الأمر الذي سبّب حينها وفاة الملايين".
ومنذ سيطرة جائحة كورونا على العالم، بدأ هوربي وزميله البروفيسور مارتن لاندراي، بالإعداد للقيام بعدد من الاختبارات على بضعة أدوية، وهم يطرحون سؤالاً واحداً: هل تقلّل من خطر الموت؟
وكانت جرعة منخفضة من الديكساميثازون، أحد الأدوية قيد التقييم في التجربة العشوائية، والعقار هو ستيرويد مضاد للالتهابات، يُستخدم منذ أوائل الستينيات.
لا شكّ في أنّ تجربتهم هذه كانت محفوفة بالمخاطر، خاصة أنّ هناك تجارب أُجريت على أدوية الستيرويد في أثناء تفشي فيروسين تاجيين آخرين، سارس ومرس، وجاءت بنتائج مختلطة.
يقول البروفيسور لانداي: "تلقينا العديد من الرسائل من كبار الأطباء، يحذّرون من هذه التجارب، خاصة أنّ الأدوية التي توصف للمرضى لم تكن قد أثبتت نجاحاً، والحقيقة أننا لم نكن نملك أيّ معرفة واضحة، ما إذا كان ديكساميثازون سيكون مفيداً أو ضاراً، لكننا خضنا التجربة".
لقد حرص كلّ من هوربي ولاندراي على التأكيد أن تجربة الاسترداد هي جهد جماعي يضم نحو 20 موظفاً في أكسفورد، أضف إليهم 3500 طبيب وممرض وباحث وموظف إداري في جميع أنحاء المملكة، كذلك تعاون المرضى الذين من دونهم لن يُحرَز أي تقدم طبي.
ويساعد الدواء الجديد المرضى الذين لا يملكون جهازاً مناعياً قوياً، لمحاربة العدوى، ما يسبّب لهم لاحقاً أضراراً في الرئتين. لذا، وجدت التجربة أن ديكساميثازون ساعد فقط المرضى الذين يحتاجون إلى الأوكسجين، أو كانوا على جهاز التنفس الصناعي. وقد أثبت الدواء أنه يمنح الرئتين فرصة أفضل للتعافي.
ووفق والش، مراسل "بي بي سي"، العقار ليس رصاصة سحرية، لكنها تجربة جيدة. فقد مات 40 من كل 100 مريض، في العناية المركزة، من الذين خُدِّروا ووُضعوا على التهوية الغازية. إلا أن ديكساميثازون قلّل هذا العدد إلى 28، ما وفّر حياة واحدة لكل ثمانية مرضى خضعوا للِعلاج. أما بالنسبة إلى أولئك الذين يستخدمون الأوكسجين، فقد توفي نحو 25 من كل 100 مريض، لكن الدواء خفض نسبة الوفيات إلى نحو 20 من كل 100 مريض، وهو ما أعطى فرصاً أكبر للعيش.
والجدير ذكره، أنّه في الأسبوع الماضي، أُزيل عقار الملاريا هيدروكسي كلوروكوين من الإنعاش، لغياب الأدلة على فائدته، كذلك أوقفت منظمة الصحة العالمية تجاربها الخاصة بالدواء.