"عبد السلام" حليف وثيق سابق لرامي مخلوف، ابن خال الرئيس السوري، وصف كيف حضر اجتماعات، مخلوف، وماهر الأسد، شقيق الرئيس بشار الاسد، التي خطط فيها لـ"تكوين قوات الشبيحه"، التي أنيط بها تنفيذ "أعمالهم القذرة" من خلال إطلاق النار على ناشطي المعارضة غير المسلحين.
أدلى "عبد السلام" بشهادته، هذه، الى صحيفة "التلغراف" في شرق تركيا، مقدماً لمحة مباشرة، وفريدة من نوعها، عن الأعمال الداخلية لنظام الرئيس، بشار الأسد. ويمكن أن تكون هذه الشهادة مفيدة للمحققين في جرائم الحرب التابعين للامم المتحدة، الذين يجمعون الأدلة، حاليا، لاستخدامها إذا حوكمت القيادة السورية في الجنائية الدولية، وتوجيه تهمة ارتكاب جرائم حرب ضدها.
انتشرت على مدى السنوات الثلاث الماضية مليشيات "الشبيحة" العنيفة، وأفلتت من العقاب، فقد دمرَ أفرادها قرى كاملة بإضرام النار في المنازل أو نهبها، واغتصبوا وعذبوا وقطعوا رقاب الأشخاص، الذين يشتبه بمعارضتهم النظام.
على الرغم من أن محققي الأمم المتحدة قد أشاروا إلى الحالات التي يبدو فيها أن مليشيات "الشبيحة"عملت، جنبا إلى جنب، مع الجيش السوري، إلا أنه لم يثبت، بصورة صريحة، من قبل تلقيهم الأوامر المباشرة من القيادة السورية.
اعترافات، عبدالسلام، بالتفاصيل، تبين لأول مرة، كيف قررت القيادة السورية، في بداية الانتفاضة السورية في عام 2011، تشكيل قوة "شبه عسكرية"، تدار بشكل سري من القيادة السورية، يمكنها أن تهاجم المتظاهرين المناهضين للنظام.
وتشرح الاعترافات، كيف عيَنت قادة المليشيات في جميع أنحاء البلاد؛ والافراج عن السجناء "المحكوم عليهم بالإعدام" للانضمام الى تلك المليشيات، وتمويلها وتسليحها حتى تكون جاهزة لتقلي الأوامر.
قال، عبدالسلام، الذي تحدث الى صحيفة "التلغراف" مستخدماً اسماً مستعاراً، من أجل سلامته الشخصية: لقد كان واحداً من ثمانية أشخاص دعاهم ماهر(الأسد) ورامي (مخلوف) في عام 2011. وهذان هما العقل المدبر لعمل الشبيحة. فقد عرضا علينا المال والأسلحة، وأي شيء نحن بحاجة إليه من أجل تشكيل المليشيات".
على مدى عقود كان، عبدالسلام، شريك رامي مخلوف، أحد أقوى رجال الأعمال في سوريا، وسرعان ما أصبح واحداً من أكبر تجار السلاح كذلك.
وقال، عبدالسلام: إنه كان من أوائل "الشبيحة"، وهو مصطلح يشير، في ذلك الوقت، إلى المهربين والمبتزين، ومعظمهم كان يعمل في معقل العلويين، مدينة اللاذقية الساحلية. وقد تغاضت أعين المسؤولين الرسميين عن عملهم في التهريب لاستيراد وتصدير البضائع بصورة غير مشروعة، في مقابل ولائهم للنظام.
بسبب الحرب، وخصومة شخصية مع صديق آخر لمخلوف، انهارت تلك العلاقات بين، عبدالسلام وابن خال الرئيس السوري، ويعيش، حاليا، تحت الحماية المسلحة، وفي مكان غير معلوم، وقد قدم، عبدالسلام، معلومات نادرة عن كيفية تحويل أعضاء من الدائرة الداخلية للرئيس السوري في عام 2011 من عصابة تهريب إلى قوة عسكرية عنيفة.
وقال: حين اندلعت الاحتجاجات المناهضة للنظام، في مدينة درعا الجنوبية، وانتشارها في جميع أنحاء البلاد، تدخل المتشددون في عائلة الأسد، بقيادة ماهر الأسد، الذي يقود فرقة النخبة المدرعة الرابعة في الجيش السوري، لالتقاط زمام المبادرة من الرئيس الأسد. وأضاف: أن ماهر، هو الذي لديه السلطة الحقيقية الآن.
في مايو/أيار عام 2011 نشر شريط فيديو على يوتيوب يهدف إلى إظهار ماهر، يحيط به مسؤولون أمنيون، يطلقون الذخيرة الحية على الاحتجاجات غير المسلحة في حي برزة في دمشق، وذلك في الشهر نفسه، الذي فرض فيه الاتحاد الاوروبي عقوبات، ضد ماهر، واصفاً إياه بأنه "المشرف الرئيسي على العنف ضد المتظاهرين". ولكن دوره في الهجمات كان في ازدياد. بعد ذلك بشهرين، في يوليو/تموز، تلقى، عبدالسلام مكالمة من، رامي مخلوف، ودعي إلى اجتماع في دمشق، قاده، ماهر ورامي.
قالوا لنا: إنهم يشعرون بالقلق من أن الجيش لا يمكنه استخدام القوة اللازمة لوقف الاحتجاجات أمام وسائل الإعلام العالمية، ولا يمكن رؤية الجيش، وهو يطلق النار على المتظاهرين. فكرتهم كانت كالتالي: دعونا نبقي أيدينا نظيفة، وننشئ مجموعة، شبه عسكرية، لهذا العمل القذر.
"أرادوا تعيين كل واحد منا مسؤولا عن مليشيات الشبيحة في مناطق مختلفة من البلاد، و شرحوا لنا أن الشبيحة ينبغي أن يعملوا بالتحديد على ترويع المحتجين. حقا أعربوا عن اعتقادهم، أنه يمكن تخويف المعارضة، وإرغامها على الخضوع وبالتالي سرعة عودة الجميع الى منازلهم".
ونفى المسؤولون السوريون باستمرار استخدام مليشيات موالية للنظام لتكثيف الحملة ضد المحتجين وارتكاب الفظائع نيابة عنهم.
ومع ذلك، قال عبدالسلام: إن تعليمات النظام الحاكم في ذلك الاجتماع كانت "محددة"، قالوا لنا: أقتلوا المتظاهرين، المسلحين وغير المسلحين ، وعذبوا المقبوض عليهم بشدة".
ثم انتقل الاجتماع إلى تفاصيل تروي كيفية إنشاء المليشيات، ومن أين يجندون.
وأضاف عبدالسلام : قال لنا، ماهر، إنه يمكننا اختيار الشبيحة لوحداتنا من السجناء المحتجزين في سجون حمص وطرطوس. معظم العلويين الذين كانوا ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام على جرائمهم، أفرج عنهم فجأة. ولأنهم مدانون أساساً، لم يكن لديهم خيار، ودفعت رواتب لهم، وأمروا بالانضمام إلى الشبيحة.
على الرغم من عدم مقدرة صحيفة "التليغراف" من التحقق بشكل مستقل من مزاعم، عبدالسلام في شأن الاجتماع، تلقت الصحيفة تأكيدات من مصادر خارجية موثوقة، أن ادعاء عبدالسلام بعلاقتة، برامي مخلوف حقيقي. التفاصيل المحددة الأخرى التي أدلى بها، مثل مواقع قواعد الشبيحة في حلب وأسماء قادة المليشيات المحلية، أكدت من مصدر مستقل.
في الأشهر التي تلت ذلك، ازدهرت مليشيات الشبيحة من عدد قليل من الموالين يرتدون ملابس مدنية، وتحولوا الى عصابات تجوب كل قرية وبلدة في سوريا، تصطاد أي شخص يشتبه بمعارضته الرئيس الأسد.
زودوا بالاسلحة، وأخبروا بعدم وجود حدود لما يمكنهم القيام به. التقت صحيفة "التلغراف" في عام 2012 أحد أفراد الشبيحة، الذي روى كيف أنه اغتصب، وقتل طالبة جامعية في حلب. كان هو ومسؤوله ثملين وشعورهما بقدرتهما على الإفلات من العقاب، دفعهما الى اغتصابها. قال: إنه ورئيسه أمسكا الفتاة، ببساطة، من الشارع وأخذاها إلى مبنى مهجور، وعندما اغتصباها، أطلقا عليها النار.
في عام 2012 أصدرت الأمم المتحدة تقريراً في 102 صفحة يدين ويتهم القوات الحكومية السورية والشبيحة بارتكاب جرائم حرب من خلال تعذيب وارتكاب مجزرة ضد أكثر من 100 مدني، نصفهم تقريباً من الأطفال، قرب بلدة "حولا" السنية، في شهر مايو/ أيار.
وقال عبدالسلام، الذي كان في الاجتماع: إنه رفض العرض بقيادة مجموعة شبيحة، وقال: إنه شهد بعضاً من هذه الأعمال الوحشية بأم عينه. في أوائل عام 2012، زار "علي"، وهو زميله، أصبح زعيم الشبيحة في مدينة حلب الشمالية، في مقره في حلب. وقد حول مركز الالعاب الرياضية في حي السليماني إلى "قاعدة عمل" لمئات عدة من المسلحين.
قال عبدالسلام: إن هذا هو المكان الذي يؤخذ إليه الضحايا، "شعرت بالاشمئزاز مما رأيت". شاهدت "علي"، وصديقه، يعذبان صبيَاً عمره 15 عاماً. وكان كلاهما يحمل البيرة بيد، وعقد المطاوي باليد الأخرى، وفي بطء وسادية، طعنا الصبي المربوط. ضحكا في كل مرة صرخ فيها الصبي ألماً.
وقال: إن أصغر الشبيحة في المركز الرياضي في حلب، هو صبي عمره 16عاماً فقط، علم طرق التعذيب بالسكاكين والعصي والكابلات الكهربائية. وقال: عندما يموت ضحايا الشبيحة، يرمون جميع جثثهم في النهر الذي يبعد 300 متر من القاعدة، وتترك لتطفو بعيداً في مجرى النهر.
وقال: إن هذا النوع من الأفعال التي يفعلها قادة الشبيحة يبلغ، ماهر الأسد، ورامي مخلوف بها. كان "علي"، والقادة الآخرون في جميع أنحاء البلاد يذهبون بالطائرة إلى دمشق "كل ستة أشهر" لتقديم تقاريرهم. في بعض الأحيان تقدَم "قوائم" بعض الأشخاص ليغتالوا. وتكون هذه القائمة، عادة، لزعماء قبائل أوزعماء دينيين تحدثوا ضد النظام".
وقال عبدالسلام إن مشاهدة "علي" وهو يعذب ضحاياه مثيرة للغثيان. بعد شعوره بالاشمئزاز مما رآه، قرر أن صديقه هذا قد ذهب "بعيدا جدا". "أرسلت بعض رجالي لخطفه". ولكن قبض عليهم وعذبوا، وعرف، أنا الذي أرسلتهم. عند هذه النقطة صرت على يقين بضرورة مغادرة سوريا".
--------------------------------