كيف ستتعامل الحكومات مع "اقتصاد كورونا" بعد الفتح؟

10 يونيو 2020
المحلات التجارية بدأت فتح أبوابها وسط لندن (Getty)
+ الخط -

بينما تشير توقعات البنك الدولي إلى تراجع النمو الاقتصادي العالمي بنسبة 5.2%، وتوقعات صندوق النقد الدولي إلى انكماش التجارة العالمية بنسبة 11% خلال العام الجاري، وترتفع نسبة البطالة إلى مستويات تاريخية في العديد من الاقتصادات الغربية الكبرى، يتجه العالم نحو فتح الاقتصادات العالمية والتعايش مع جائحة كورونا بعد أشهر من الإغلاق والعزل الاجتماعي. 
وسط هذه التحديات تتجه الدول نحو مرحلة الفتح التدريجي للاقتصادات خلال الشهر الحالي، وهو ما يطرح السؤال: كيف ستتعامل الحكومات مع الأزمات التي نشأت بسبب جائحة كورونا، وكيف ستحل معضلة تدفق الإمدادات الغذائية والدوائية والنقص في التمويلات وتبني ثقة الشركات والمستهلك والتعايش الإنتاجي مع الجائحة؟

في هذا الشأن، يرى الخبير الاقتصادي البريطاني، بالمعهد الملكي للشؤون الخارجية، " تشاتهام هاوس"، كريون بتلار، أن الأولوية في فتح الاقتصادات يجب أن تعطى لبناء الثقة في جميع المؤسسات الاقتصادية ومركباتها التي تتشكل من العمال والموظفين والمستهلكين والشركات والمستثمرين والحكومات.

كما دعا إلى التنسيق بين الأعمال التجارية التي ستفتح وبين سلاسل إمدادها بقوله "الأعمال التجارية ربما ستواجه اختناقات في سلاسل الإمداد، ما لم يحدث مثل هذا التنسيق، لأنه يمكن فتح العمل التجاري في ذات الوقت الذي تكون فيه الشركة التي توفر له الإمدادات مغلقة".
ويلاحظ أن العولمة احدثت ربطاً في عمليات الإنتاج بين القارات، إذ تجد الشركة تصنع منتجاً معيناً، في حين يتم تصنيع قطع غياره أو الأجزاء التي يحتاجها في دولة أخرى. وبالتالي يتعرقل أداء العمل التجاري الذي فتح أبوابه للزبائن. كما يشير الخبير بتلار، إلى ضرورة مواصلة الحكومات إجراءات الدعم المالي والاقتصادي بعد الفتح حتى تعود دورة الاقتصاد إلى طبيعتها.

وفي ذات الصدد، أكد خبراء في تعليقات للمنتدى الاقتصادي العالمي خصصت لتحديات فتح الاقتصادات، أن أولويات الدول يجب أن تركز على وقف انتشار الفيروس ومساعدة المواطنين الذين فقدوا وظائفهم عبر مواصلة تقديم الدعم المالي المباشر.

وفي هذا الشأن، قالت غيتا غوبناث كبيرة الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، في تعليقاتها للمنتدى العالمي، "طبيعة جائحة كورونا وسرعة وحجم فقدان الوظائف يجعلها مختلفة تماماً عن أزمة المال العالمية في عام 2008، وبالتالي يجب أن تكون الحلول للأزمة نوعية ومختلفة عن الحلول السابقة".

وترى غيتا ضرورة أن تمنح الحكومات على المدى القصير أولوية الإنفاق لمؤسسات الصحة حتى تتمكن من القضاء على الجائحة". كما أشارت الخبيرة الاقتصادية، إلى أن الحكومات في الدول النامية ستواجه صعوبات في التمويل وتسديد الديون، وبالتالي عليها استحداث وسائل جدية لجمع التمويلات. ويعمل صندوق النقد الدولي مع مجموعة العشرين في حل هذه مشكلة ديون الدول النامية عبر تعليق خدمة هذه الديون.

لكن خبراء ينظرون له كحل قصير المدى، وربما ستظل الديون أحد المعوقات الرئيسية لعودة النمو للاقتصادات النامية لفترة طويلة خلال العقد الجاري. ولكن الاقتصادية غيتا، من جانبها ترى أن معدل الفائدة المنخفض الحالي والمتوقع له أن يستمر لفترة طويلة، سيساعد الدول النامية على تسديد وخدمة ديونها على المدى الطويل.

كما أشارت كذلك إلى أن الدول النامية ستواجه صعوبات في الحصول على التمويل اللازم لتلبية احتياجات الإنفاق بعد الجائحة. وبالتالي تقترح غيتا في هذا الصدد، أن "تلجأ الحكومات لزيادة الضرائب أو اللجوء للضرائب التضامنية".

والضرائب التضامنية هي عبارة عن زيادة الرسوم على بعض السلع الاستهلاكية مثل فرض رسوم جديدة على المحروقات أو أية سلعة شائعة الاستخدام. وعادة ما تلجأ الحكومات لهذه الرسوم الاستثنائية التي تعبر عن التضامن الوطني في لحظات الأزمات المالية مثل الحروب والكوارث الطبيعية.

كما أشارت غيتا إلى أن الحكومات ستحتاج إلى تقوية مؤسسات القطاع العام، مثل المستشفيات ومؤسسات التوعية الاجتماعية والتعليم، كما ذكرت، أن هنالك حاجة للتعاون بين الدول في مواجهة آثار هذه الجائحة التي لا تعترف بالحدود القطرية.
من جانبها، قالت شاران بارو رئيسة الاتحاد العالمي للعمال في تعليقاتها للمنتدى العالمي، أن العالم بحاجة إلى عقد اجتماعي اقتصادي جديد، لأن العقد الاجتماعي الاقتصادي القديم لم يكن عادلاً. وترى بارو، "أنه يجب علينا استغلال الجائحة كفرصة لبناء عالم أفضل للقوى العاملة وبناء الاقتصاد المتوازن".

وتشير في هذا الشأن، إلى أن التضامن والمشاركة في حماية الناس وحقوق العمال شيء مهم في الوقت الراهن على مستوى الدولة وعلى مستوى العالم".

كما ذكرت أن العالم بحاجة لبناء سياسات تستثمر في المواطن وإحداث التوازن الاقتصادي على المدى الطويل، كما نصحت بضرورة القضاء على عقلية الحصول على الربح مهما كلف الثمن، والتي تهيمن على الدول والشركات في الوقت الراهن والاهتمام أكثر بالبيئة".

على الصعيد التجاري، ترى دراسة أجراها منتدى شرق آسيا للدراسات الاقتصادية، أن هنالك حاجة لإصلاح نظام التجارة العالمي الذي يواجه هجوماً من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب حتى قبل تفشي جائحة "كوفيد19".

لكن الدراسة ترى أنه "لا بد من دعم منظمة التجارة العالمية والحفاظ على اتفاقيات التجارة الحرة، إذ أظهرت الجائحة الصعوبات الحادة في انسياب إمدادات الأدوية والمعدات الطبية التي يحتاجها العالم في أوقات الأزمات".
المساهمون