كيف ترى روسيا خصومها؟

18 مايو 2014
أوباما وبوتين في 2013 (فرانس برس/getty)
+ الخط -

ترى الصحافة الروسية الخصوم الجيوسياسيين لموسكو، بعين خاصة تزيدها الأزمة الأوكرانية حدّة. ومن شأن إلقاء نظرة على ما تنشره تلك الصحف، أن يعكس إلى حدّ ما نظرة الكرملين للتحديات الموجعة لموسكو.

ويرى المؤرخ الشهير، مدير مركز الأبحاث الروسية لدى جامعة موسكو للعلوم الانسانية، اندريه فورسوف، في مقابلة مع صحيفة "كمسمولسكايا برافدا"، أن "الحرب العالمية الثالثة لن تندلع. أولاً لأن حقبة الحروب العالمية (بالمعنى المتعارَف عليه للحروب العالمية) قد انتهت، وثانياً، وحتى لو لم تنته هذه الحقبة، فإن الغرب لم يكن ليُقدم على شن حرب عالمية من أجل أوكرانيا، فالغرب بحاجة لأن يقوم غيره بالحرب بالنيابة عنه، أو باستفزاز روسيا لكي تشن الحرب".

ويخلص فوروسوف إلى أن "روسيا بالنسبة للغرب كانت دائماً خصماً جيوسياسياً، واقتصادياً، وحضارياً، وأوكرانيا باتت الجزء الأكثر أهمية الذي تسنّى، في نهاية المطاف، اقتطاعه من روسيا التاريخية". ويشير المؤرخ إلى أن الغرب أخذ، ومنذ نهاية عهد البيريسترويكا، بالإعداد الحثيث لجعل أوكرانيا رأس جسر ضد روسيا، بغية استخدامها وسيلةً تحول دون انبعاث روسيا كدولة عظمى".

وتعليقاً على مقولة زبيغنيو بريجينسكي الشهيرة، ومفادها أن لا أمل لروسيا باستعادة وضعها السابق كدولة عظمى من دون ضم أوكرانيا إليها، يقول فورسوف إن "بريجينسكي مخطئ، فروسيا قادرة، من دون أوكرانيا، أن تكون دولة عظمى. أما أن يكون هذا المسار صعباً وطويل الأمد، فتلك مسألة أخرى".

وفي الجانب المتعلق بالمصالح النفطية، تقول افتتاحية صحيفة "فيدوموستي"، المعنية بشؤون المال والأعمال، إن الاقتراح الأخير لرئيس وزراء بولندا، دونالد توسك، إنشاء تحالف طاقة في إطار الاتحاد الأوروبي (وهو ما طرحته بريطانيا أيضاً)، من شأنه أن يقف في وجه روسيا الاتحادية. وترى الصحيفة أن "مشروع توسك إعلانٌ سياسي في المقام الأول، فالمشكلة لا تكمن إطلاقاً في نقص الادراك عند أعضاء الاتحاد الأوروبي لمصالحهم المشتركة، إذ إن مصالح مستوردي الغاز الروسي، على درجة من التعقيد والتناقض، وقصة أنبوب نابوكو خير مثال على ذلك". وتوضح الصحيفة أن أوروبا تسير في طريق تنويع مصادر الطاقة، للتقليل من تبعيتها لطرف معيّن، "ولكن ليس عبر زيادة عدد المصدّرين، بل عن طريق مضاعفة حصة الفحم ومصادر الطاقات المتجددة".

وتلفت "فيدوموستي" الى أن "تبعية أوروبا للغاز الروسي بدأت في سنوات الحرب الباردة". وتشير إلى أنه في العام 1970، وقع الاتحاد السوفياتي وألمانيا الاتحادية عقداً يقدم الجانب الألماني بموجبه الأنابيب مقابل الغاز السوفياتي. وتذكّر افتتاحية الصحيفة بأنه "على الرغم من المقاومة الشديدة التي أبدتها الولايات المتحدة آنذاك، فقد كانت فكرة أَورَبَة الخصم الاستراتيجي عاملاً ملهماً، ومشجعاً بقدر كبير، لتوقيع العقد المذكور". ونتيجة ذلك، وفي ثمانيات القرن الماضي، بلغت نسبة الغاز السوفياتي المستورد 110 مليارات متر مكعب سنوياً، أي 75 في المئة من مجمل ما تستورده أوروبا من هذا الوقود، وغطت 30 في المئة من مجمل الاستهلاك الأوروبي.

وتعليقاً على المقترحات البولندية والبريطانية، تخلص الصحيفة إلى أن فكرة "أوروبة روسيا"، وبعد أكثر من أربعين عاماً على طرحها للمرة الأولى، قد استنفدت زخمها وفقدت مغزاها بالكامل.

وفي السياق، تنشر مجلة "اكسبرت" خطة راديكالية اقترحها مستشار الرئيس الروسي، سيرغي غلازيف، المسؤول عن التكامل الاقتصادي الإقليمي، وترمي إلى تحقيق هدف شامل يتلخص بتقليص تبعية الاقتصاد الروسي للظروف الخارجية. وتتألف الخطة من 15 عملية لحماية الاقتصاد الروسي من احتمالات توسيع العقوبات الأميركية والأوروبية . ومن أبرز بنود الخطة:

ـ نقل أصول الدولة الروسية وحساباتها بالدولار واليورو من بلدان حلف شمال الأطلسي، الى بلدان محايدة.

ـ بيع سندات بلدان "الأطلسي" قبل تطبيق العقوبات المفروضة على روسيا على خلفية الأزمة الأوكرانية.

ـ تبادل العملات والقروض مع الصين لتمويل المستوردات الحرجة، والانتقال الى الحسابات بالعملة الوطنية لكل من البلدين.

ـ إنشاء نظام خاص لتبادل المعلومات المصرفية، وللمدفوعات والحسابات في إطار الاتحاد الجمركي، ورابطة الدول المستقلة، ومع البلدان الشركاء على غرار "سويفت" SWIFT.

ـ الانتقال الى إجراء الحسابات التجارية في إطار الاتحاد الجمركي، ومع البلدان الأخرى، بالعملات الوطنية، وتوقيع عقود جديدة لتصدير النفط والغاز بالروبل الروسي.

أما حول العلاقات الأميركية ـ الروسية، على ضوء الأزمة الأوكرانية، فإن المقالة التي نشرها موقع "بوليت. رو"، تحلّل العلاقات بين البلدين، عبر مؤشر العلاقات الشخصية بين زعيميهما، فلاديمير بوتين، وباراك أوباما. وتورد المقالة آراء عدد من المحللين الغربيين، وتختم بعبارة الباحثة في معهد بروكينز الأميركي، الرئيس النظير لمنتدى دراسات روسيا ما بعد السوفياتية، أنجيلا ستينت، التي تشدد على أن "بوتين يرى أن للولايات المتحدة مصلحة في تغيير الأنظمة، لا في العراق فحسب، بل في البلدان المجاورة لروسيا أيضاً، وحتى في روسيا ذاتها". وتقول في المقالة: "يبدو لي أن ذلك يحدد فهم الرئيس الروسي لما يجري في أوكرانيا". في السياق، ترى ستينت أن أوباما "لا يملك أدوات للضغط على بوتين"، وتلفت إلى أن "العقوبات ضد روسيا، لو كانت قاسية وشاملة، لفعلت فعلها، لكن من الطبيعي أن يؤثر ذلك أيضاً على البزنس الأميركي والأوروبي".

المساهمون