كيف ترسب وتصنع جرّاراً؟

12 أكتوبر 2017
+ الخط -
في البلاد التي يصير فيها شبه الفاشل (%50) وكيلا للنيابة وقاضيا ووزيرا للعدل ومستشارا، ويجلس على منصة القضاء، ويحكم على الدكتور الجامعي والطبيب والمهندس، ولا يجيد الحديث حتى بالعامية السليمة (تأمل فقط شعبان الشامي وإخوته في البلاغة)، وادعُ الله بالرحمة والمغفرة لبيرم التونسي فقط، فنحن لا نخاف على اللغة من بيرم، ولكن من شعبان وزمرته.
وفي البلاد التي يصير فيها مَن تمتلك السيدة والدته 50 ألفا من فلوس الدروس والمجموعات المدرسية، تقدمها لابنها رشوةً، كي يصير ضابطا، ويجلس بالطبنجة أمام الفنادق، يتحدث في الموبايل، وفي 30/6 يحتالون على الشعب علنا في ميدان التحرير، فاعرف أن العدالة التي حكمت على المحامي الذي قلدهم في الاحتيال كان يجب أن تراعي انضباط موازينها في الفعل نفسه، وخصوصا بعدما حكمت محاكم شعبان وزمرته على خالد علي بالسجن ثلاثة شهور، بسبب "حركة الأصبع"، لكنْ واضح أن في مصر حتى الأصابع ليست متساوية في حقوقها من ناحية الأداء العلني والتعبير الرمزي، حتى وإن كانت كل الأصابع من "تجميعة 30/6".
وفي البلاد التي يصير فيها الضباط بأكثرية ملحوظة وحدهم المحافظين ورؤساء مجالس المدن ووكلاء الوزارة في 70% من الوزارات، وخصوصا الشأن المالي وقناة السويس والمشاريع والطرق والكباري وصيد السمك والموانئ والمطارات وملكية نصف أرض سيناء ومصانعها وسياحتها والحفر على الطري والناشف، حتى مزارع الجمبري والمكرونة والبرلمان وسن السكاكين والقوانين، فاعرف أنك ضيف ثقيل، وابن ستين كلب "واللي مش عاجبه البلد يدوّر على غيرها". وأيضا "تيران وصنافير مصرية... واللي مش عاجبه يشرب من البحر"، وهي من الأقوال المأثورة للمرحوم رفعت السعيد، طيّب الله ثراه، وبارك اللهم لنا فيما تركه لنا من نظرياتٍ قد تفيدنا في تحليه مياه البحار التي سوف نشرب منها.
وفي البلاد التي يصير فيها أمين الشرطة هو "الباشا" والطلبه يقفزون من على أسوار مدارسهم في أول يوم دارسي، ورئيس الجمهورية يعلن أن تعداد مصر خارجيا وداخليا وصل إلى 104 ملايين، ويصرّ على شق الطرق، بعيدا عن الناس منتظرا "جرارات التنمية من مؤتمر شرم الشيخ حتى تصل محملة بالـ 180 مليارا التي وعده بها الخليج، وطال انتظارها، أو علّها وصلت إلى مواني أبو النمرس البحرية".
وفي البلاد التي صارت مليئة بملايين التكاتك، وقد فاقت أعدادها فساتين يسرا في مهرجانات شرم الشيخ، يخرج فيلسوف الأطباء وطبيب الفلاسفة، وقد كسر عن جبينه بكسرتين من كسرات المسكنة الفقر، وهو يقول: "أجيب منين؟" أو "إحنا فقرا أووووووووي". وفي هذه البلاد نفسها يفكر وزير ثقافتها، حلمي النمنم، أن يبني أوبرا في كل محافظات الصعيد. يذكّرني طموح حلمي النمنم بأعداد الراسبين في الثانوية العامة، في بداية السبعينيات في بلادنا في المنيا. أحد هؤلاء رسب سبع سنوات، وعمل خيّاطا، وظل يعيدها في كل سنة، وحينما ضاحكه بعض الأصدقاء لماذا وقد تزوجت، وعندك دكان قال: "عليّ الطلاق ما أنا سايب الثانوية العامة لغاية ما أموت، لتفنيني، لأفنيها".. بعد سنتين سُرق الدكان والماكينة، فسافر إلى ليبيا ولم يعد. أما الثاني وكان من قرية مجاورة، فقد فكر في صناعة جرّار يهديه لوزارة الزراعة، فلماذا لا يفكر حامل ثانوية عامة أن يصير رئيسا للجمهورية؟ ويصير أيضا حكيما للفلاسفة وفيلسوفا للحكماء؟ فيضحك علينا بيرم التونسي، وهو ينصت من بعيد للست، وهي تغني لغيابه "الأوّلة في الغرام".
720CD981-79E7-4B4F-BF12-57B05DEFBBB6
عبد الحكيم حيدر

كاتب وروائي مصري