كيف تحصل على نوبل؟

09 أكتوبر 2017
الحصول على نوبل يستلزم أن تجتهد قدر إمكانك (Getty)
+ الخط -



لكم حلمنا بذلك المشهد الذي نقف فيه لنتسلم أرقى جائزة علمية على الإطلاق، إنها جائزة نوبل، صغارًا وفي المدرسة الثانوية وفي الجامعة، لكن كيف نحصل فعلاً على نوبل؟ هل هناك آلية سرّية تمكننا من الحصول عليها يوماً ما؟

هنا لا يوجد ما هو أفضل من الاستماع لآراء الحائزين على نوبل أنفسهم، نتعرف على حكاياتهم فربما نجيب عن هذا السؤال الصعب.

تبدأ المشكلة من مرحلة المراهقة، يظن الطالب أنه لا يعرف ما يريد بينما هؤلاء العلماء يعرفون تحديداً ما يريدون من طفولتهم، لكن ذلك غير حقيقي، تأمل مثلًا ريتشارد فاينمن الحاصل على نوبل في الفيزياء 1965 عن إنجازاته في ميكانيكا الكم، درس الرياضيات في البداية ثم تحول للفيزياء، كذلك مايكل روزباش الحاصل على نوبل في الطب 2017 عن اكتشافه لآلية عمل الساعة البيولوجية، فقد درس الرياضيات في البداية لكنه انتقل للبيولوجيا.

أما ماريو كابيكي والحاصل على نوبل في الطب والفيسيولوجيا 2007 لإسهامه مع آخرين في التعديل الجيني لفئران عبر خلايا جذعية جنينية، فقد درس العلوم السياسية في البداية، لكنه لم يجد نفسه فيها، فقرر دراسة الفيزياء والكيمياء، ثم انتقل إلى دراسة البيولوجيا الجزيئية والتخصص فيها، بل أن ألبرت أينشتين حتى وقت قريب من النسبية الخاصة لم يكن يعرف أنه كان يود أن يكون فيزيائيا أو فيلسوفا.

الحيرة إذاً موجودة عند الجميع، لكن الفكرة هنا هي أن تكون جاداً تجاه ما تفعل أياً كان، الدكتورة يويو تو الحاصلة على نوبل في الطب 2015 ظلت تعمل لمدة 30 عاماً على عشبة الأرتيميزين لتتوصل في النهاية إلى أهم وأفضل علاج للملاريا وهو يقي ملايين البشر سنويًا، أضف إلى ذلك أنه، هي وفريق العمل الخاص بها، تطوعوا كأول كائنات بشرية يتم تجريب هذا الدواء عليها، هل ترى ذلك؟


في تلك النقطة يتدخل بول نيرس الحاصل على نوبل سنة 2001 عن اكتشافه مع ثلاثة آخرين لآلية تنظيم الخلية عملها، حيث يقول إن الانجاز في العلم لا يتطلب أن تعمل بجهد طول الوقت، لأن ذلك يدفعك للعمل باتجاه واحد فقط، يتطلب الأمر أن ترتاح قليلًا، تأخذ إجازة للتنزه في الأجواء الخضراء مثلًا لمدة يوم، هذا الانخفاض في مستوى العمل سوف يريح دماغك من الإرهاق، كذلك سوف يعطيك فرصة لتأمل ما قمت بإنجازه في الفترات السابقة، وتخيّل أفكاراً جديدة ودمجها ببعضها البعض.

في الجهة الأخرى يترك أوليفر سميثز، الحاصل على نوبل في الطب 2007 عن اكتشافه مع رفيقين لما نسميه "التأشيب المتماثل" وهو طريقة يتبادل خلالها شريطان من الحمض النووي معلوماتهما، يترك كل شيء ليتحدث عن النوم الجيد فقط، ليقول إنه فضل طريقة لتحسين التخيل والذي يعد عاملًا هامًا في الإبداع العلمي، تخيل النماذج ووضعها كافتراضات ثم اختبارها.

أما اليزبث بلاك بيرن، التي حصلت على نوبل في الطب 2009 عن اكتشافها للتليوميرات، أجزاء توجد بنهاية الكروموسوم لحمايته، فترى أن هناك أربعة أسباب تجعل منك باحثًا جيدًا، (المرونة، الانتهاز، الإبداع، الإصرار)، الأول هو أن تكون مرنا، فمسار عملك البحثي قد يتغير في أي وقت، قد تحدث ظروف طارئة، قد تواجه بعض المشكلات العلمية، أو المؤسساتية، أو حتى الاقتصادية، تجهز دائمًا لكل ذلك.

أضف إلى ذلك أنه يجب أن تتجهز لانتهاز الفرصة أينما سمحت الظروف بذلك، وهذا هو السبب الثاني، فكم من علماء قد نالوا أكبر مكانة بسبب أنهم تدخلوا بالظهور في الوقت المناسب، وتستكمل اليزابث أسبابها بالإبداع، والذي يتطلب التفكير في آليات وطرق مختلفة مهما بدت سخيفة، حتى وإن كانت سوف تغير مسار بحثك، لكن الأهم كما تشير سيدة نوبل هنا هو الإصرار، الاستمرار في البحث فالحقيقة لا تظهر نفسها لك سريعًا.

في الحقيقة هنا يمكن أن نتأمل تاريخ معظم الحاصلين على نوبل، فنجد أن معظمهم حصلوا على الجائزة بعد عمل طويل قد يصل إلى 40 عاماً، طوال تلك الفكرة استمر كل منهم في بذل كل الجهد الممكن من أجل تحقيق إنجازات متتالية في العمل الخاص بهم، لكن في تلك المرحلة من حديثنا يتدخل يوشينوري أوسومي الحاصل على نوبل في الطب 2016 ليوجه رسالة إلى الأجيال القادمة.

يطلب أوسومي من الباحثين الصغار أن يكونو أكثر صبراً، فهم يتصورون دائماً أنه يمكن تحقيق إنجاز علمي بشكل يومي، لكنك لا تدخل الوسط البحثي لتجيب عن أسئلة محددة، بل تجيب عن سؤال هنا وآخر هناك وربما تصل وربما لا تصل، لكن الفكرة هنا في أن المبتدئين من الشباب الصغير غالباً ما يظنون أن الفشل هو مصيرهم مع أول مشكلة تواجههم، وذلك غير صحيح، لذلك يطالب أوسومي الجامعات بتوفير قدر من النصح للطلبة في هذا الجانب.

هنا أيضاً يوضح أوسومي في كلمته أثناء تلقيه لجائزة كويوتو 2012 أن الوسط البحثي ليس مجموعة من الرهبان، هناك ازدحام شديد حول العديد من الأفكار، لكن الفكرة هنا ليست أن تصل أولاً، ولا أن تصل سريعاً، بل أن تستمتع فقط بما تعمل به، بهذه الإضافات الصغيرة يومًا بعد يوم، حيث لا يمكنك أن تهدف لهذا الإكتشاف العظيم، فذلك غير صحيح، لأن الاكتشاف العظيم هو مجموعة من الاكتشافات الصغيرة المتجاورة التي تبنيها ببطء يومًا بعد يوم.

ورغم أن النظريات الكبيرة تبدو للوهلة الأولى كهالة ضخمة منيرة من بعيد، لكن حينما تقترب منها تجد أن الذين اكتشفوها قدموها على مراحل كثيرة صغيرة، وربما لم يهدفوا لها بالأساس، ولكنها جاءت ربما كعرض جانبي أثناء استمتاعهم بما يعملون بشكل يومي، يتطلب ذلك قدرا من الرضا، والهدوء، والقراءة، وتعلم أن العالم قد يكون متسرعاً هذه الأيام، لكن طوبى لمن صبر.

ربما هنا نصل إلى إجابة للسؤال الرئيسي، فحينما نسأل "كيف تصل إلى نوبل؟" تكون الإجابة الصحيحة هي بـ"ألا تريد ذلك فقط بل قدم كل جهد يمكن تقديمه، ومارس العلم بأفضل ما يمكن أن تفعل أنت، استفسر عن الأسئلة الجيدة وابحث عن المناطق المثيرة للانتباه هنا وهناك".

سر النجاح لا يوجد في خزينة مغلقة في باطن سفينة ملقاة في أعماق البحار، سر النجاح هو ألا تود النجاح فقط، بل أن تستمتع بما تعمل، وأن يساعدك هذا الاستمتاع في أن تصبر عليه، أن تجتهد قدر إمكانك، لا أكثر، والباب مفتوح للجميع.



دلالات
المساهمون