تحاول كل أم أن تؤهل نفسها وتستعد لتلك اللحظة التي يصارحها أحد الأبناء بالدخول في قصة حب أو تكتشف هي تلك العلاقة بالصدفة، فالعلاقات العاطفية بين التلاميذ والطلاب في المدارس باتت واقعا لا يمكن إنكاره لأسباب تتعلق بسوء المحتوى الإعلامي والدرامي في معالجة القضايا العاطفية بين التلاميذ أو فشل في مواجهة توسعها في عصر الإنترنت والشبكات الاجتماعية والهواتف الذكية.
ومع انتشار المدارس المختلطة لم يعد غريباً أن تدخل أي مدرسة لترى التلاميذ بشكل ثنائي، إذ أصبح الاختلاط بين الجنسين أمراً منتشراً ومألوفاً، وما أن يصبح الخيال واقعا وتعلم الأم بقصة حب تعيشها ابنتها أو ابنها حتى تنهار وتدخل في صراع بين قيم ومبادئ متأصلة بداخلها منذ الصغر ورفض قاطع من عقلها لتقبل مثل هذه العلاقات إيمانا بمبررات الشرف والسمعة وما بين الاطلاع على مستحدثات الحياة ومحاولة الظهور بمظهر الأم المتحضرة، وهنا تتذبذب ردود أفعال الأمهات بين الرفض القاطع أو الموافقة على مضض وربما القبول بشكل غير مدروس وغير مقنن.
ما بين قبول ورفض
تقول إحدى الأمهات لـ"العربي الجديد": عندما اعترفت لي ابنتي بالمرحلة الثانوية بقصة حب تعيشها مع زميل المدرسة وجارنا في نفس الوقت، لم أتمالك أعصابي وتمكنت من أخذ وعد منها بعدم الاستمرار في هذه القصة، والآن أحس بالذنب وأشعر أنني ظلمتها وحرمتها من مشاعر طبيعية في هذه المرحلة، وقابلت أخرى اعتراف ابنها في المرحلة الإعدادية بحب زميلته برفض تام ورغبة في الاتصال بأهلها لردعها، في حين لا ترى أخريات مشكلة في قصص حب أبنائهن مادامت تصرفاتهم تحت المراقبة أو المتابعة بل وتؤكد بعضهن الاحتواء الكامل لبناتهن وأبنائهن عند العلم ببدئهم قصة حب والحرص على التعرف على الطرف الآخر والتواصل المستمر معه.
الغريب في هذا الإطار هو رفض بعض الأمهات لقصص حب الأبناء ليس لمجرد الرفض أو مراعاة للعادات والتقاليد المجتمعية وإنما لعدم ملاءمة الطرف الآخر اجتماعياً أو مادياً أو لأن مستواه في الصف الدراسي أقل!
مشاعر طبيعية
ومن جهتها توضح الدكتورة نبيلة سامي أستاذ الاجتماع ورئيس مركز المستقبل للتأهيل الأسري، أن هذه العلاقات أمر طبيعي وتعكس مشاعر طبيعية وفطرية، فمن أهم سمات مرحلة المراهقة هو الميل للجنس الآخر دون دراية أو دراسة لمتطلبات هذه العلاقة، وهنا يتوهم الطالب أو
الطالبة بأن هناك إعجابا بالطرف الآخر ولكنه في الواقع ليس حبا حقيقيا لأن الحب الحقيقي يأتي في مرحلة النضوج وبالتالي وقوع الأبناء في قصص الإعجاب ليس مصيبة أو كارثة تستدعي مزيدا من الخطوط الحمراء.
وتتابع: على الأم أن تعالج مثل هذه المواقف دون تفرقة بين الولد والبنت لأنها في الأساس تربي "إنساناً" بصرف النظر عن كونه ولداً أو بنتاً وكلاهما له نفس العوامل النفسية ونفس ظروف التنشئة ويخضع لنفس أسس التربية وأي تمييز يزيد من التمييز العنصري ضد المرأة ويخلق مزيدا من المشاكل المجتمعية والأسرية في المستقبل.
وعن كيفية استقبال الأمهات لهذه القصص تقدم أستاذ الاجتماع هذه النصائح:
- هناك من يرفض بشدة أو يؤيد دون أدنى تخوفات يتطلبها الموقف وبالتالي لا بد من أتباع قاعدة "لا إفراط ولا تفريط"، فلا تكون الأم متشددة فينفر منها الأبناء ولا متحررة بشكل زائد فيضيعوا منها.
- احترام مشاعر البنت أو الولد ومحاولة احتوائها في سبيل الإرشاد والتوجيه السليم وأن تسأل الأم عن حدود هذه العلاقة وتوضح ما يمكن فعله وما لا يمكن فعله لتجنب الكثير من المشاكل التي تتطور داخل أسوار المدارس.
- زيادة جرعة العواطف من قبل الوالدين تجاه الأبناء والاهتمام بالتفاصيل وعبارات الإطراء وصولا إلى حد الإشباع العاطفي.
- إتباع أسلوب الرسائل غير المباشرة في تقديم النصيحة والتوجيه حتى تمر هذه الفترة بسلام.