كيس قمامة للجميع!

25 اغسطس 2019
+ الخط -
أثارني منذ أيام خبر استياء سكان منطقة وغضبهم، بسبب عدم توصلهم بأكياس القمامة المجانية في الوقت المعتاد لذلك من كل سنة، تخلّف القطاع المسؤول - عن هذه العملية الفيزيوكيميائية الخطيرة في تدبير الشأن العام البرمائي، وإرساء نظام الحكامة الرباعي الأبعاد - عن توزيع أكياس القمامة بمناسبة عيد الأضحى، أشعل سخط المواطنين الذين احتجّوا على قطع هذه العادة المفاجئ دون باقي المناطق المجاورة لهم..

وبالتزامن مع هذا الخبر، وفي مكان غير بعيد عبّر عدد من المصطافين عن فرحهم بأكياس القمامة التي وجدوها في استقبالهم عند ولوجهم الشاطئ، في إطار حملة كيس لكل مصطاف. حملة أو بالأحرى كيس أشاد به الزوار ونادوا بتعميم المبادرة على باقي الشواطئ الأخرى، وابتهجوا بكيس القمامة ابتهاجاً كاد ينسيهم بهجة الشاطئ نفسه.


لكيس القمامة هذا مفعول عجيب! فله أن يكون مثار الفرح والاستياء في آن واحد، فأن يفرح الشخص لمجرد حصوله على كيس بلاستيكي وللقمامة وألا يحتج على سوء خدمات قطاع الصحة، على غلاء المعيشة وعدم حصول أبنائه على تعليم مقبول، ألا يحتج على تذيّل بلده قائمة التنمية العالمي سنة عن سنة، على عدم التوزيع العادل لثروات بلاده.. ويحتجّ على عدم توزيع أكياس القمامة لأمر عجيب.

صورة عن تدنّي مهول لسقف المطالب الشعبية، عن الإحساس بالانتصار على الدولة لمجرد انتزاع كيس قمامة في إطار المثل الدّارج "عضّة فالفكرون ولا يمشي فالت" بمعنى أن الفوز بالفتات أفضل من لا شيء.. انتزاع الحق في كيس قمامة مجاني كتعويض نفسي عن ضغط الإخفاقات المتتالية في انتزاع حقوقه الأساسية الكافلة لكرامته الإنسانية، حل التعاطف مع الذات كبديل عن قهر طول فترات الانتظار، القلق والعجز أمام تراجع المكاسب الاقتصادية والاجتماعية وخيبات الواقع المستمرة.

ناهيك عن المبالغة الإعلامية عبر تخصيص تغطيات خاصة وتعبئة مختلف الوسائل الإخبارية وكأنما يتعلق الأمر بإنجاز غير مسبوق في تاريخ البشرية، في تكريس مكشوف لسياسة التجهيل والإلهاء الجمعي التي أوجدت وتوجد ضحايا قاريين وموسميين.. تعطيل وعي لا شك أنه ممنهج، لكنني أجده اليوم يلقى استجابة إرادية من المقهورين كاستسلام مرحلي وهدنة مشروطة، تكتيك نرجوه مضاداً إلى أن نصل للضوء في نهاية النفق، وإلا فأنا من المطالبات من الآن بأكياس قمامة للجميع.