بعد مرور 75 عاماً على تحرير العاصمة الشمالية السوفييتية لينينغراد (سانت بطرسبورغ حالياً) من الحصار الذي فرضته قوات ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945)، لا تزال هناك تساؤلات مطروحة حول مغزى هذه الذكرى، وما إذا كانت المجاعة في المدينة المحاصرة نتيجة لسوء الأوضاع على أرض الواقع أم بسبب التوزيع غير العادل للموارد.
وقبيل الذكرى التي حلت في 27 يناير/ كانون الثاني الماضي، أثارت الكوميديا الساخرة "العيد" للمخرج الروسي أليكسي كراسوفسكي، جدلاً واسعاً، بسبب عرضها جانباً من حياة أسرة باحث متخصص في تطوير أسلحة بيولوجية مقرب من الحزب الشيوعي، تعيش حالة من الإسراف والرفاهية وتحتفل بعيد رأس السنة، في الوقت الذي يموت فيه آخرون من الجوع.
ومن خلال سلسلة من المواقف الساخرة، أظهر مخرج الفيلم كيف تسعى هذه الأسرة إلى التظاهر أمام الآخرين بأنها تعيش حياة عادية، ولكنها تفشل في ذلك بسبب اختلاف عاداتها الاستهلاكية المسرفة.
لم يتقدم كراسوفسكي إلى وزارة الثقافة الروسية بطلب ترخيص عرض الفيلم، لتأكده أن طلبه سيقابل بالرفض، إلا أن ذلك لم يمنعه من عرض ناجح في موقع "يوتيوب"، حيث حظي بنحو 1.5 مليون مشاهدة وغطّى تكاليف إنتاجه من التبرعات.
كذلك حظي فيديو الفيلم بآلاف التعليقات، فيما رأى بعض المعلقين أن تهجم المسؤولين الحكوميين على الفيلم لا يعود إلى تناوله صفحات مأساوية من التاريخ، وإنما إلى عرضه واقعاً لا تزال روسيا تعيشه اليوم، في ظل التفاوت الكارثي بين مستويات معيشة السكان.
ومع ذلك، يشير الباحث في معهد علم الاجتماع التابع لأكاديمية العلوم الروسية، أندريه أندرييف، إلى أن وجهة النظر السائدة بين مواطني روسيا تجاه أحداث حصار لينينغراد تختلف عن تلك المقدمة في الفيلم الذي يصفه بأنه "عمل حقير".
ويقول أندرييف لـ"العربي الجديد": "وجهة النظر السائدة في المجتمع الروسي هي أن صمود سكان لينينغراد تحت الحصار كان عملاً بطولياً جماعياً. كان هناك في روسيا دائماً عدد من الأشخاص كانوا يتساءلون عما إذا كان تحمل ذلك ضرورياً من عدمه. لكن إذا فكرنا بهذا المنطق، فيجب الاستسلام بمجرد التعرض للهجوم. ولكن المقاومة ترفع من الروح المعنوية لدى الشعب".
وحول التوزيع غير العادل للموارد في المدينة المحاصرة، يضيف: "أعتقد أن المسؤولين بالمدينة لم يعانوا من الجوع، ولكن الفيلم يبالغ في إسرافهم، وأعتقد أنه عمل حقير".
وهذه ليست أول مرة يُثار فيها جدل في روسيا بسبب التشكيك في الرواية الرسمية المعتمدة لأحداث حصار لينينغراد، ومنها استطلاع أجرته قناة "دوجد" الليبرالية المعارضة قبل خمس سنوات وطرحت فيه سؤالاً "هل كان يجب تسليم لينينغراد للحفاظ على مئات آلاف الأرواح؟"، مما اضطرها للاعتذار بعد موجة من الهجوم عليها.
في هذه السنة، نظمت احتفالات واسعة في سانت بطرسبورغ بمناسبة ذكرى تحريرها، وشملت استعراضاً عسكرياً مهيباً وفعاليات تأبينية. إلا أن تنظيم الاحتفالات في مثل هذه الذكرى الحزينة أثار جدلاً حتى بين سكان روسيا، إذ وقع نحو 5 آلاف شخص على عريضة مطالبة بعدم تنظيم "الكرنفال".
ولكن أندرييف لا يشارك هذا الرأي، مضيفاً في السياق ذاته: "لم يكن ذلك احتفالاً بالمعنى الحرفي للكلمة، وإنما ذكرى مأساوية، فنحييها، وهذا أمر صائب. في التقاليد المسيحية، يجتمع الناس في اليوم الثالث فالتاسع على وفاة أحبائهم لتأبينهم، وهذا ليس احتفالاً. لا ينبغي استبدال المفاهيم، إذ إن هذا الحدث حزين، ولكنه عظيم". ويتساءل: "ما المانع أن نتذكر ونشعر بأننا شعب؟".
وقبيل الذكرى التي حلت في 27 يناير/ كانون الثاني الماضي، أثارت الكوميديا الساخرة "العيد" للمخرج الروسي أليكسي كراسوفسكي، جدلاً واسعاً، بسبب عرضها جانباً من حياة أسرة باحث متخصص في تطوير أسلحة بيولوجية مقرب من الحزب الشيوعي، تعيش حالة من الإسراف والرفاهية وتحتفل بعيد رأس السنة، في الوقت الذي يموت فيه آخرون من الجوع.
ومن خلال سلسلة من المواقف الساخرة، أظهر مخرج الفيلم كيف تسعى هذه الأسرة إلى التظاهر أمام الآخرين بأنها تعيش حياة عادية، ولكنها تفشل في ذلك بسبب اختلاف عاداتها الاستهلاكية المسرفة.
لم يتقدم كراسوفسكي إلى وزارة الثقافة الروسية بطلب ترخيص عرض الفيلم، لتأكده أن طلبه سيقابل بالرفض، إلا أن ذلك لم يمنعه من عرض ناجح في موقع "يوتيوب"، حيث حظي بنحو 1.5 مليون مشاهدة وغطّى تكاليف إنتاجه من التبرعات.
كذلك حظي فيديو الفيلم بآلاف التعليقات، فيما رأى بعض المعلقين أن تهجم المسؤولين الحكوميين على الفيلم لا يعود إلى تناوله صفحات مأساوية من التاريخ، وإنما إلى عرضه واقعاً لا تزال روسيا تعيشه اليوم، في ظل التفاوت الكارثي بين مستويات معيشة السكان.
ومع ذلك، يشير الباحث في معهد علم الاجتماع التابع لأكاديمية العلوم الروسية، أندريه أندرييف، إلى أن وجهة النظر السائدة بين مواطني روسيا تجاه أحداث حصار لينينغراد تختلف عن تلك المقدمة في الفيلم الذي يصفه بأنه "عمل حقير".
ويقول أندرييف لـ"العربي الجديد": "وجهة النظر السائدة في المجتمع الروسي هي أن صمود سكان لينينغراد تحت الحصار كان عملاً بطولياً جماعياً. كان هناك في روسيا دائماً عدد من الأشخاص كانوا يتساءلون عما إذا كان تحمل ذلك ضرورياً من عدمه. لكن إذا فكرنا بهذا المنطق، فيجب الاستسلام بمجرد التعرض للهجوم. ولكن المقاومة ترفع من الروح المعنوية لدى الشعب".
وحول التوزيع غير العادل للموارد في المدينة المحاصرة، يضيف: "أعتقد أن المسؤولين بالمدينة لم يعانوا من الجوع، ولكن الفيلم يبالغ في إسرافهم، وأعتقد أنه عمل حقير".
وهذه ليست أول مرة يُثار فيها جدل في روسيا بسبب التشكيك في الرواية الرسمية المعتمدة لأحداث حصار لينينغراد، ومنها استطلاع أجرته قناة "دوجد" الليبرالية المعارضة قبل خمس سنوات وطرحت فيه سؤالاً "هل كان يجب تسليم لينينغراد للحفاظ على مئات آلاف الأرواح؟"، مما اضطرها للاعتذار بعد موجة من الهجوم عليها.
في هذه السنة، نظمت احتفالات واسعة في سانت بطرسبورغ بمناسبة ذكرى تحريرها، وشملت استعراضاً عسكرياً مهيباً وفعاليات تأبينية. إلا أن تنظيم الاحتفالات في مثل هذه الذكرى الحزينة أثار جدلاً حتى بين سكان روسيا، إذ وقع نحو 5 آلاف شخص على عريضة مطالبة بعدم تنظيم "الكرنفال".
ولكن أندرييف لا يشارك هذا الرأي، مضيفاً في السياق ذاته: "لم يكن ذلك احتفالاً بالمعنى الحرفي للكلمة، وإنما ذكرى مأساوية، فنحييها، وهذا أمر صائب. في التقاليد المسيحية، يجتمع الناس في اليوم الثالث فالتاسع على وفاة أحبائهم لتأبينهم، وهذا ليس احتفالاً. لا ينبغي استبدال المفاهيم، إذ إن هذا الحدث حزين، ولكنه عظيم". ويتساءل: "ما المانع أن نتذكر ونشعر بأننا شعب؟".
حصار لينينغراد في سطور
بدأت قوات ألمانيا النازية بفرض الحصار على لينينغراد في سبتمبر/ أيلول 1941، ليستمر لـ871 يوماً. وبعد قطع كافة الطرق البرية المؤدية إلى المدينة، لم يعد هناك ربط بين لينينغراد وغيرها من المدن الروسية إلا جواً وعبر بحيرة لادوغا.
وفي عامي 1941 و1942، حاولت القوات السوفييتية مرات عدة، اختراق طوق الحصار، من دون أن تتمكّن من ذلك إلا في بداية عام 1943. وفي عام 1944، تم إنهاء الحصار بالكامل، وتوقف القصف المدفعي.
إلا أن لينينغراد دفعت ثمناً غالياً مقابل عدم الاستسلام، إذ قضى مئات الآلاف من سكانها جوعاً، كما لقي 17 ألفاً آخرين مصرعهم من جراء القصف، بالإضافة إلى 34 ألف مصاب، فضلاً عن الدمار الذي لحق بالمدينة المحاصرة.