وتقول المصادر الرسمية التي تولت الترويج للزيارة، إن كوشنر يعتزم حمل قادة الدول التي سيزورها على "تأكيد التزامهم" بتمويل مشروع الورشة البالغة قيمته 50 مليار دولار، ووضع التفاصيل النهائية لتنفيذه. وتضيف أن الغاية الأساسية من الجولة، هي متابعة الموضوع لـ"تعزيز ومواصلة الزخم الذي تحقق خلال لقاء البحرين". لكن هذه الحيثيات بدت واهية في ضوء خلفية حدث البحرين ونتائجه والتطورات الحالية في المنطقة، وكأن كوشنر ذاهب إلى المنطقة بمهمة أخرى يجري التمويه عليها بالحديث عن "صفقة القرن".
ولا يستقيم الزعم أن "الورشة" أدت إلى تزخيم السلام، مع الواقع، وفق معظم التقديرات والقراءات الأميركية. فالمشروع "وُلد ميتاً" كما قال الخبير المعروف دافيد آرون ميلر، فيما أثار الدخول إلى معالجة الصراع الإسرائيلي– الفلسطيني من البوابة الاقتصادية، وبما يشبه الرشوة، الانتقاد إلى حدّ الاستهزاء. حتى أن دوائر حريصة على إسرائيل، لم ترَ فيه أكثر من محاولة واهمة، خاصة أن صاحب العلاقة الفلسطيني قاطعه، ورفض فكرته من الأساس. ثم إن هناك دولاً من المنطقة اكتفت بحضور ملتبس ورمزي من موقع الاعتقاد بأن المحاولة غير جادة ولا مجدية. إلى ذلك، فإن القناعة هي المبلغ المطروح للخطة محكوم بأن يبقى حبراً على ورق، خاصة في ظل الظروف الراهنة في المنطقة.
في ضوء كل ذلك، ليس واضحاً ما الذي يزمع كوشنر "دفعه" إلى الأمام؟ إلا إذا كان يتحدث عن أمر آخر. يعزز هذا الاحتمال أن الزيارة تتزامن مع تسارع الخطوات والتحركات الجارية لهندسة صيغة حوار أميركي - إيراني تحفظ ماء وجه الطرفين، وتلبي حاجتهما للعثور على مخرجٍ من المأزق المؤرق لهما. إشارات وتلميحات طهران وواشنطن المتزايدة حول الاستعداد لملاقاة الآخر في منتصف الطريق، لا تخطئ، أبرزها كانت إشارة وزير الخارجية مايك بومبيو الذي أعرب عن رغبته قبل يومين وللمرة الأولى، بزيارة طهران، والتحدث لوسائل إعلام إيرانية.
صدور مثل هذه الرغبة مهما كان غرضها، عن أحد صقور الإدارة، استوقف المراقبين كعلامةٍ فارقة على تقدم المساعي لفتح باب التخاطب الدبلوماسي بين الجانبين. كما استوقف أن تأتي زيارة وفد أمني إماراتي إلى طهران عشية مغادرة كوشنر إلى المنطقة، لا سيما أن هذه الزيارة أتت في سياق خطوات تقارب قامت بها الإمارات بعد انسحابها من حرب اليمن، والتي لا تبدو منفصلة عن الإشارات اللافتة التي صدرت عن السعودية، كالرسالة التي بعثتها عبر سويسرا إلى طهران والردود الإيجابية التي صدرت عن هذه الأخيرة تجاه المبادرات الخليجية الرمزية التي توالت أخيراً، والتي بدت في توقيتها وكأنها جاءت بالتنسيق مع خفض حرارة التصعيد بين واشنطن وطهران.
من هنا يأتي الربط بين زيارة كوشنر وبين تحرك الثنائي السعودي - الإماراتي نحو طهران. استدارة متناسقة بين أطراف الأزمة، يبدو أنه جرى تكليف كوشنر برعايتها بدلاً من الصقور الذين لا تسمح لهم مواقفهم المتشددة المعروفة بلعب دور حواري حساس من هذا النوع.
ولم يكن من غير مدلول أن ينضم براين هوك، المبعوث الخاص للملف الإيراني، إلى وفد كوشنر. وعندما سئلت الإدارة عن معنى التحاقه بوفدٍ لا يتعلق بمجاله، قالت إنها تنظر إلى الأمور في المنطقة "نظرة كلية". ويظهر أن الأولوية الآن من خلال هذه النظرة، هي للأزمة مع إيران، وربما الانصراف لإبرام "صفقة العصر" معها أولاً، إلا إذا طرأ ما ينسف هذه الحسابات.