كوريا الشمالية أمام امتحان ترامب

23 اغسطس 2017
+ الخط -
منذ انخرطت الولايات المتحدة كليًا بشؤون العالم بعد الحرب العالمية الثانية، بات لكل رئيس أميركي أزمته الخاصة به في السياسة الخارجية، وغدت مرتبطةً باسمه. واجه الرئيس هاري ترومان أزمة حصار برلين التي فرضها الاتحاد السوفييتي على القسم الغربي من المدينة بين يونيو/ حزيران 1948 ومايو/ أيار 1949.
واجه الرئيس أزينهاور أزمة إطاحة محمد مصدق في إيران (1953) وحرب السويس (1956). وتصدّى الرئيس جون كينيدي لأزمة الصواريخ الكوبية (1962)، فيما ارتبط اسم ليندون جونسون بحرب فيتنام، أما ريتشارد نيكسون، وعلى الرغم من أن فضيحة ووترغيت صبغت كل ذكرى مرتبطة بعهده، فقد كان أكثر الرؤساء الأميركيين هوساً بانتشار الشيوعية، فخاض تحت شعار احتوائها أطول حروب أميركا، وأكثرها بشاعة في جنوب شرق آسيا (فيتنام – كمبوديا - لاوس)، كما ارتبط اسمه بانقلابات أميركا اللاتينية، وفي مقدمتها انقلاب تشيلي (1973). قضت على الرئيس جيمي كارتر أزمة الرهائن في طهران، أما رونالد ريغان فاقترن اسمه بأجواء الحرب الباردة الثانية، وسباق التسلح مع الاتحاد السوفييتي.
في فترة ما بعد الحرب الباردة، تحول العالم العربي والإسلامي إلى مسرح عمليات للرؤساء الأميركيين، فواجه بوش الأب تحدي بناء نظام عالمي جديد، تقوده أميركا، في ضوء أزمة غزو الكويت (1990). الرئيس كلينتون لاحقته أزمات البلقان من البوسنة (1992-1995) إلى كوسوفو (1999)، أما بوش الابن فقد ارتبط اسمه بهجمات 11 سبتمبر وحربي العراق وأفغانستان، في حين بات اسم باراك أوباما، وعلى الرغم من محاولاته الانكفاء، مقترنا بالأزمتين السورية والأوكرانية وصعود تنظيم الدولة الإسلامية بعد سقوط الموصل.
خلال حملته الانتخابية الصاخبة، لم يأت دونالد ترامب كثيرًا على ذكر كوريا الشمالية، على الرغم من أنه ركز على سياسات أوباما الخارجية، متهماً إياه بالضعف، ومتعهدًا بمواجهة إيران والصين، لكن يبدو أن الأزمة الكورية، لا غيرها، ستغدو التحدّي الأبرز لإدارته في المرحلة المقبلة، والأرجح أنها ستطبع بنتائجها كامل حقبته، وسيرتبط اسمه، على الأرجح، بها اعتمادا، طبعاً، على كيفية إدارته لها.
من بين الأزمات جميعاً التي واجهتها الولايات المتحدة على امتداد العقود السبعة الماضية، تبدو أزمة الصواريخ الكوبية (1962) الأكثر شبهًا بالأزمة الحالية، ففي 16 أكتوبر/ تشرين الثاني من ذلك العام، وفي ذروة الانتخابات النصفية، تلقى الرئيس جون كيندي صورا فوتوغرافية التقطتها طائرة تجسّس أميركية، تفيد بأن سفنًا سوفياتية تحمل منصات إطلاق صواريخ بالستية متوسطة المدى، قادرة على حمل رؤوس نووية في طريقها إلى كوبا. كان هذا بمثابة رد سوفييتي على نصب الولايات المتحدة صواريخ جوبتر في تركيا وإيطاليا قبل ذلك بأشهر.
منذ وصوله الى السلطة مطلع العام 1961، كان كينيدي مهتماً بفهم شخصية الزعيم السوفييتي نيكيتا خروتشوف، وكان يتلقى تقارير دورية عنها. وتحدثت أكثر التقارير عن شخصية مزاجية، نرجسية، غرائبية، حادة الطباع، شديدة التقلب، غير متوقعة، وقد ظهر شيء من هذه الصفات للعالم عندما خلع خروتشوف فردة حذائه، وأخذ يضرب بها على الطاولة خلال اجتماع للجمعية العامة للأمم المتحدة في 12 أكتوبر/ تشرين الثاني 1960 احتجاجاً منه على خطابٍ ألقاه ممثل الفيليبين، واتهم فيه حكومة الاتحاد السوفييتي بخنق الحريات في أوروبا الشرقية.
كان على كيندي أن يأخذ ذلك بالاعتبار وهو يدرس خياراته الثلاثة التي وضعها أمامه مستشاروه لمواجهة الأزمة: غزو كوبا والاستيلاء عليها قبل وصول السفن السوفياتية إليها، ضرب مواقع الصواريخ بعد نصبها، أو فرض حصار على كوبا لمنع وصول السفن السوفياتية إليها. اختار كنيدي، بناء على فهمه شخصية خروتشوف الخيار الأخير، وحال بذلك دون اندلاع حربٍ كبرى، عندما وافق على سحب صواريخ جوبتر من تركيا وإيطاليا في مقابل انسحاب السفن السوفياتية.
بدا الوضع، في أزمة الصواريخ الكورية أخيرًا، معكوسًا إلى حد ما، فالرئيس الأميركي يبدو أقرب إلى شخصية خروتشوف، في حين أن الزعيم الكوري الشمالي، وعلى الرغم من تمثيله دور المجنون، يبدو على درجة من العقلانية، ومن منطلق فهمه للجانب "الخروتشوفي" في شخصية ترامب، راح يستفزّه، منذ وصول الأخير إلى السلطة، بتجاربه الصاروخية، عله يأخذ منه ما فشل في أخذه من "العاقل" أوباما، وربما ينجح في ذلك.
AA8F4D7D-04C2-4B96-A100-C49FC89BAEBA
مروان قبلان

كاتب وباحث سوري