كورونا يعيد تشكيل الصراع بين شمال أوروبا وجنوبها

19 ابريل 2020
بدت القارة كشارع في عاصمة واحدة (Getty)
+ الخط -
جسدٌ هرم أصابته العدوى. هكذا تبدو أوروبا، وهي تُنازع في صراعها مع فيروس كورونا. وعلى الرغم من الخلافات البينية التي كشفها الوباء داخل الاتحاد الأوروبي، إلا أن القارة بدت كتلةً متشابهة، من باريس إلى برلين وروما وفيينا وبروكسل. فكلّ عواصمها اليوم باتت كأنها شارعٌ في عاصمةٍ واحدة، خاليةٍ من كلّ شيء، ما عدا القلق من المستقبل الذي بات يحسب بالأسابيع والأشهر، لا بالسنين. مع كل أزمةٍ تعصف في أوروبا، هناك من يقول إن الاتحاد الأوروبي اعتاد الوضع، لا بل هو يعيش أزمته منذ عشر سنوات على الأقل، لكن جائحة كورونا لا تشبه في الواقع الأزمة اليونانية في عام 2010، ولا أزمة اللاجئين والمهاجرين في عام 2015، ولا حتى الخروج البريطاني من الاتحاد (بريكست). فعلى غفلةٍ من احتقار اليمين المتطرف للعدل والإنسانية، عبَر الفيروس فضاء شنغن من دون أن يطلب تأشيرة.

يقول آلان سال، في مقالٍ له في صحيفة "لوموند" الفرنسية، إن أوروبا نظرت للمرة الأولى إلى هذا "الفيروس الصيني" من مسافةٍ بعيدة، ولم تحاول حتى اتخاذ خطوات بسيطة، مثل إجراء الاختبارات والفحوصات، والحصول على الأقنعة ومراقبة وصول الطائرات الآتية من دول سُجلت فيها إصابات مثل الصين أو إيران، بما يضمن متابعة الأشخاص المعرضين للخطر. وهكذا أصبحت أوروبا المحور الرئيسي للوباء، الذي يدفع الثمن الأكبر: أكثر من 80 ألف وفاة، أي نحو ثلثي ضحايا الوباء في العالم.


ووسط هذه الجائحة المميتة، يشهد الاتحاد الأوروبي "إعادة تشكيل سيئة للصراع" بين شمال  القارة وجنوبها على حدّ وصف سال، إذ ترغب تسع دول، بما في ذلك فرنسا، في تقاسم عبء الديون المقبلة، التي ستكون هائلة، لإعادة تنشيط الاقتصاد من خلال ما بات يسمى "كورونا بوند"، وهي قروض أوروبية لمكافحة ويلات الفيروس، لكن ألمانيا وهولندا، وإلى جانبهما النمسا وفنلندا، مترددة في الدفع للدول التي تعتبر أنها خاضعة لإدارات سيئة.

هذا الأمر دفع رئيس المفوضية الأوروبية السابق، أحد الآباء المؤسسين للاتحاد الأوروبي، جاك ديلور، وهو في الـ94 من عمره، إلى إطلاق تعليق نادر، حذّر خلاله من الانقسام المميت الذي يشهده الاتحاد الأوروبي حالياً. وقال ديلور: "إن المناخ الذي يسود بين رؤساء الدول والحكومات في ضعف التضامن الأوروبي يشكل خطراً قاتلاً على الاتحاد الأوروبي".

في المقابل، يراهن البعض على خروج القارة أقوى بعد الوباء. وقال المفوض الأوروبي للترويج لأسلوب الحياة الأوروبية مارغريتيس شيناس، لصحيفة "لوموند": "أنا مقتنع بأن أوروبا ستخرج أقوى من هذه الأزمة". واقتبس عن أحد آباء الاتحاد الأوروبي، جان موني: "ستنشأ أوروبا في أزمات، وستكون مجموع الحلول المقدمة لهذه الأزمات".

لكن المؤرخ الاقتصادي آدم توز، شكّك في ذلك بمقالة كتبها، قائلاً إنه "يمكن أن تترك الأزمة ندوباً دائمة، ليس فقط آثاراً مشوهة، ولكن أيضاً بؤراً ساخنة يمكن أن تؤدي إلى ألمٍ شديد بعد سنوات". وتابع: "أصبحت أزمة منطقة اليورو نوعاً من الحرب الأهلية الأوروبية، لحظة في التاريخ تُنتج قصصاً متضاربة، ولا يمكن التوفيق بينها".

حالة الانقسام الأوروبي دفعت الوزير الفرنسي السابق، مرشح الحزب الاشتراكي للانتخابات الرئاسية في 2017، بونوا هامون، إلى التعليق على ما يحدث، فقال في مقالة في "لوموند"، إن "الملك عارٍ"، وتكشف أول جائحة كبيرة في هذا القرن عن مشهد قاسٍ لـ"دولة ناشئة" واثقة من نفسها، غير قادرة على تخزين وإنتاج قطعة من بضعة سنتيمترات مربعة من النسيج الضروري لحماية ملايين الأرواح، في إشارة إلى الاتحاد الأوروبي.

أضاف هامون أن البديل للوضع الراهن هو الإيكولوجيا الاجتماعية، متابعاً بأنّ "من الضروري استعادة السيادة الصحية، وإعادة توجيه السياسات العامة نحو صحة جيدة... الانتقال إلى مجتمع أكثر اعتدالاً، وأكثر احتراماً للناس وللحياة، ما يعني أنه يجب أن نغيّر أيضاً طريقتنا في النظر إلى العمل. فسيكون من الضروري الشروع في تحول جذري للبيئة والطاقة على المستوى الأوروبي والسماح بتوسيع الاقتصاد الاجتماعي والتضامن. كل هذه السياسات لا معنى لها إلا إذا كانت تقودها قوة عامة وطنية وأوروبية قوية، مدعومة بمؤسسات ديمقراطية قائمة على الذكاء الجماعي، وسيادة القانون وفصل السلطات، وإلا فإن الانجراف الاستبدادي الذي نلاحظه في جميع أنحاء أوروبا سيكون البديل".

ويرى البعض أن قادة الاتحاد الأوروبي يتعاملون مع جائحة كورونا كما لو أنها كانت في قارة أخرى، ويساهمون بشدة في رسم صورة أوروبا العاجزة، الفاشلة في الاستجابة لأزمة صحية، لكن يبقى لهم أمل قريب في تدارك الموقف، في الثالث والعشرين من إبريل/ نيسان الحالي، وهو موعد الاجتماع المرتقب في بروكسل لبحث الاستجابة الأوروبية لجائحة كورونا.