كورونا يحاصر موائد الرحمن في المغرب

21 مايو 2020
وجبات معلّبة عوضاً عن الإفطارات الجماعية (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

ألقى انتشار فيروس كورونا الجديد بظلاله على كثير من أعمال الخير ومبادرات التضامن والتكافل الاجتماعي، بعدما تحوّلت الخيم الرمضانية وموائد الرحمن التي درج المغاربة على إقامتها في هذا الشهر إلى مجرّد ذكرى. "إفطار في سبيل الله" و"هنا إفطار مجاني" و"مائدة الرحمن"، عبارات كانت تكثر على لافتات في شوارع معظم مدن المغرب وأزقّتها، لتعكس روح التآخي والتآزر والتضامن الاجتماعي من قبل محسنين وجمعيات خيرية وأهلية، بيد أنّها غابت عن رمضان هذه السنة، لتتحوّل معها موائد الرحمن إلى وجبات يومية يتّم توصيلها إلى الفقراء والعابرين من المواطنين. فتفشّي الفيروس الجديد حاصر تلك الموائد والقائمين عليها.

بالنسبة إلى محمد الركراكي، فإنّه "أمر محبط" ألا يُرى أثر ولا تُشَم رائحة لمائدة الرحمن التي اعتاد طيلة السنوات المنصرمة على إقامتها في حيّ تابريكت بمدينة سلا القريبة من الرباط، "تقرّباً إلى الله ومساعدةً للفقراء والمحتاجين وعابري السبيل"، بسبب إجراءات حالة الطوارئ الصحية وتقييد حركة المواطنين التي اتخذتها السلطات المغربية للحدّ من تفشي الفيروس. ويقول الرجل الستّيني لـ"العربي الجديد": "يحزّ في نفسي أن تتوقّف تلك الموائد بعدما كانت طيلة 10 سنوات نقطة التقاء يتقاسم فيها الناس فرحة الإفطار بشكل مشترك، ومقصداً للمحتاجين ولمن تقطّعت بهم السبل ولمن اضطره عمله إلى الإفطار بعيداً عن بيته... لقد افتقدنا تقاسم الزاد والثواب اليوم". يضيف: "انطلقنا في السنة الأولى بتقديم وجبات إفطار لفائدةّ 40 شخصاً، قبل أن نبلغ السنة الماضية 200 شخص، غير أنّنا اضطررنا هذه السنة إلى وقفها خوفاً من انتقال العدوى، واكتفينا بتخصيص ما تمّ جمعه من مساهمات المحسنين لاقتناء مواد غذائية تم توزيعها في بداية شهر رمضان على المحتاجين والأسر الفقيرة".

وإزاء اختفاء موائد الرحمن من أحياء المغرب ومساجده ومن مقرّات الجمعيات الخيرية والأهلية، ظهرت مبادرات تسعى إلى المزاوجة ما بين فعل الخير والالتزام بالإجراءات الاحترازية لمنع انتشار كورونا، من خلال تجهيز وجبات الإفطار الرمضاني في أكياس أو علب بلاستيكية وتوزيعها على المحتاجين في بيوتهم وعلى العابرين قبل موعد الإفطار. ومن بين المبادرات الداعمة لإطعام الصائمين في خلال رمضان، كانت المبادرة التي أطلقتها الجمعية المغربية للإغاثة المدنية، عبر فروعها.



ويقول القائد العام للجمعية المغربية للإغاثة المدنية إبراهيم ناجي لـ"العربي الجديد": "في ظلّ الظروف الصحية الحالية، عملنا على تجهيز وجبات الإفطار وتوزيعها على المحتاجين والمسافرين في الطريق السيار والعاملين الذين لم يستطيعوا توفير الإفطار وكذلك على رجال الأمن والدرك والوقاية المدنية المرابطين في عدد من مناطق المغرب في الصفوف الأولى لمواجهة فيروس كورونا الجديد". يضيف ناجي: "وبهدف تجاوز الوضع الذي فرضه انتشار كورونا، وضعنا 10 خطوط هاتفية في تصرّف المواطنين الذين لم يستطيعوا توفير حاجياتهم للإفطار، كما تكفّل نحو ألف شاب متطوّع طيلة الشهر بعملية توصيل القفّة الرمضانية التي تتضمن المواد الأساسية التي يحتاجها كلّ بيت مغربي في خلال الشهر الفضيل. ونخطط حالياً لعملية جديدة نوفّر من خلالها المؤونة واحتياجات بعض الأسر الفقيرة في خلال أيام عيد الفطر".

وفي الوقت الذي وجدت فيه جمعيات المجتمع المدني في المغرب نفسها غير قادرة على تنظيم موائد الرحمن التي دأبت على تنظيمها كل رمضان، كان لافتاً تحويل الجمعية المغربية للإغاثة المدنية أنشطتها الخيرية في هذه الظروف الاستثنائية إلى مبادرات تضامنية أخرى. ويشير ناجي إلى أنّه "فضلاً عن دعم الفئات المتضررة والهشة التي تجد صعوبة في الحصول على قوتها اليومي بسبب الطوارئ الصحية، ارتأينا تخصيص نصف المبالغ المرصودة لعملية الإفطار لاقتناء الكمامات الواقية، فتمّ توزيع 60 ألف كمامة في القرى والمناطق النائية".

وكانت أزمة كورونا قد فرضت على السلطات المغربية تطبيق إجراءات مشدّدة في مسعى إلى وقف تفشّي فيروس كورونا الجديد، من بينها إعلان حالة الطوارئ الصحية وتقييد حركة المواطنين في البلاد. كذلك تقرر إغلاق كلّ مساجد البلاد بالإضافة إلى المطاعم ودور السينما والمسارح والنوادي الرياضية والعامة والحمامات العامة وغيرها من أماكن الترفيه. وإذا كانت بعض الجمعيات قد تمكّنت من إيجاد بدائل لغياب موائد الرحمن، في ظل تلك الإجراءات الاحترازية، إلا أنّ أصحاب بعض المقاهي والمطاعم التي دأبت في السنوات المنصرمة على تنظيم تلك الموائد اصطدموا بتداعيات الأزمة الصحية.



في السياق، يقول أحمد الشهبي، مالك مقهى في حي اشماعو بمدينة سلا، لـ"العربي الجديد": "حُرمنا هذه السنة من أجر تقديم وجبات للقادمين للإفطار من المحتاجين والزائرين، بسبب الإجراءات التي اتّخذت للحدّ من انتشار فيروس كورونا وتعذّر التحاق العاملين في المقهى بعملهم. وقد وجدنا أنفسنا عاجزين عن إيجاد حلول أخرى لتوزيع الوجبات بسبب القيود على حركة السير والتنقل وغياب متطوعين يتكفلون بالتوزيع على المحتاجين". يضيف أنّه "في ظلّ هذه الظروف الصعبة، فإنّ المغاربة جميعهم مطالبون بإحياء ثقافة وسلوك التضامن الاجتماعي الأصيلة في ديننا وثقافتنا وتقاليدنا الاجتماعية. فثمّة فئات في المجتمع في أوضاع هشّة في حاجة ماسة إلى من يتضامن معها ليس فقط في شهر رمضان إنّما كذلك في الأيام المقبلة لمواجهة الآثار الاجتماعية السلبية لتفشّي كورونا".
دلالات