كورونا والهجرة غير الشرعية
لن يكون الصيف الحالي سياحياً بالمعنيَين الرسمي والقانوني في أوروبا، بل صيفاً مليئاً بالمهاجرين واللاجئين. أقلّه هذا ما كشفته الأرقام الأخيرة، مع وصول مائتي مهاجر مطلع شهر يوليو/ تموز الحالي إلى جزر الباليار الإسبانية، آتين من أفريقيا. كما وصل مائة مهاجر جزائري إلى سواحل جزيرة سردينيا الإيطالية، وتمكّنت قوات خفر السواحل الجزائرية أيضاً من إحباط محاولات 123 مهاجراً الهروب نحو سواحل إيطاليا وإسبانيا. ماذا يعني هذا؟ يعني أن مرحلة ما بعد كورونا معرّضة لتداعياتٍ سلبيةٍ يُفترض أن تستمرّ فترة، فأوروبا مثلاً في حاجة إلى بعض الوقت لتعويض خسائر المرحلة الماضية، شأن معظم الدول الصناعية. وتسعى مثلاً إلى رسم خطط لإنعاش الداخل اقتصادياً على مراحل، في ظلّ التعايش مع فيروس كورونا، ومحاولة تزخيم السوق لتخفيف أرقام البطالة. في المقابل، لا يملك المهاجرون واللاجئون الوقت الكثير، تحديداً لأن العديد من دولهم لم تستطع مواجهة كورونا جيدا، ولم تضع خططاً حقيقية لعبور مرحلتها، لا صحياً ولا اقتصادياً، بالتالي فمن "الطبيعي" أن ترتفع معدلات الهجرة غير الشرعية التقليدية فيها.
وعدا الإفرازات السلبية لكورونا، يُفترض أن تعزّز معطيات أخرى مناخ الهجرة غير الشرعية في بلدانٍ لم تسجّل أرقاماً عالية في نسبها سابقاً، بدءاً من مصر التي تعاني من تحدّيات كبيرة في موضوع سدّ النهضة الإثيوبي، فإذا شحّت مياه نهر النيل في الفترة المقبلة، في ظلّ نموّ ديموغرافي متسارع في مصر، حينها ستكون أرقام المهاجرين واللاجئين المصريين أكبر من المعتاد، ما سيُشكّل ضغطاً إضافياً على أوروبا. الهجرة غير الشرعية ستتكثف أيضا في لبنان الذي تهدّد أوضاعه الحالية، السياسية والاقتصادية، بلجوء أعداد كبيرة من مواطنيه والمقيمين فيه إلى القارة الأوروبية. وانضمام مصر ولبنان إلى مفاتيح الهجرة الأساسية من جنوبي البحر المتوسط وشرقه إلى جنوبي أوروبا، في مثل هذه الظروف، سيؤدي إلى حالة متزايدة من الضغط الاجتماعي والفقر، بل في أحيانٍ كثيرة ستصبح الهجرة غير الشرعية هروبا من واقع مأساوي إلى واقعٍ أقلّ سوءاً، بعد أن كان الهدف الأساسي منها بناء حياة جديدة بمعايير ناجحة.
أيضاً، ستتحول أميركا الجنوبية إلى خزان مهاجرين غير شرعيين، سينضمّ لمواكب الهجرة غير الشرعية في أميركا الوسطى، للاتجاه شمالاً نحو الولايات المتحدة وكندا. لن ينفع حينها أي جدار في المكسيك وغيرها في لجم تلك المسيرات. عملياً، يمكن الحديث عن واقع جديد مولود من رحم وباء كورونا، وقد يكون درساً لحقبات مقبلة، حين تتفشّى أوبئة أخرى. ليس مملاً الحديث الدائم عن تفعيل الأنظمة الصحية في العالم، وليس ضرباً من الخيال الكلام عن ضرورة رسم خطط اقتصاديةـ اجتماعية مغايرة للرأسمالية التقليدية. في مكان ما، على العالم إعادة هيكلة مساره الاقتصادي، من دون الخشية من فرض أيديولوجية سياسية أو دينية ما، لأن تداعيات أي وباء تتخطى كل الأيديولوجيات، بانية أيديولوجيةً مغايرةً بحدّ ذاتها.
مخطئٌ من يعتقد أن كورونا هو نهاية العالم، ومخطئ من يظن أن العالم سيعود إلى ما كان عليه قبل الفيروس. الثابتة الوحيدة هي العودة البطيئة للاقتصاديات الحالية، والمفترض أن تتسارع في الفترة المقبلة، مع ارتفاع الطلب على المواد النفطية والاستهلاكية. ولكن هذه العملية لا تسمح لأوروبا وشمالي القارّة الأميركية بتجاهل النموّ المضطرد للمهاجرين غير الشرعيين، لأنها، وإن نجحت في مكانٍ ما في الحدّ من تدفقهم إليها في وقتٍ سابق، سواء في دمجهم أو في بناء مخيماتٍ لهم، إلا أنها مرشحةٌ في مرحلة مقبلة لفقدان السيطرة على الوضع. لن يستقيم الوضع فعلياً، إلا بتبنّي سياساتٍ تنمويةٍ في منابع الهجرة غير الشرعية، تبدأ ببناء الديمقراطيات فيها والسياسات الاجتماعية ضمن احترام حقوق الإنسان.