تبدو مدن إقليم كردستان، الأكثر تضرراً من أزمة العراق المالية، خاصة بعد قطع بغداد مرتبات مليونين و600 ألف موظف ومتقاعد، بالتزامن مع شلل قطاع السياحة وتضرر سوق العقار والسيارات بشكل كبير بفعل جائحة فيروس كورونا الجديد.
في مدينة حلبجة، إحدى المدن الرئيسة بالإقليم الذي يتمتع بحكم شبه مستقل عن بغداد إداريا، خرج متظاهرون غاضبون منذ أيام وحطموا مقرات أحزاب ومباني حكومية مطالبين باستقالة حكومة الإقليم متهمين إياها بالفساد.
ويقول المتظاهرون إنهم مجرد ممثلين عن فقراء وعاطلين بالإقليم، الذي يتمتع أيضا بحصص من منح ومساعدات دولية وحركة تجارية تكاد تكون مستقلة عن بغداد مع تركيا وإيران، ما ينذر بتأجّج الاحتجاجات، الأمر الذي يضع السلطات في أربيل عاصمة الإقليم في مأزق شديد حال لم يتم اتخاذ إجراءات واضحة تخفف من أزمة المواطنين الاقتصادية.
ويبلغ عدد سكان الإقليم بحسب تقديرات العام الماضي 2019، نحو 5 ملايين و200 ألف نسمة، موزعين على أربع محافظات رئيسية هي أربيل ودهوك والسليمانية وحلبجة التي تحولت أخيرا من قضاء إلى محافظة.
الخبير الاقتصادي، حسن بابان مصطفى، قال لـ"العربي الجديد"، إن نسبة الفقر تجاوزت في بعض المدن بالإقليم عتبة 25% والبطالة أكثر من ذلك بالتأكيد وهذا الارتفاع بدأ وما زال منذ جائحة كورونا، وهذا هو سبب التظاهرات الرئيسية التي يشهدها الإقليم.
وأضاف مصطفى الذي يعمل محاضراً في جامعة السليمانية، أن توقف السياحة والعقارات والبناء والإنشاء، فضلا عن المهن اليومية كسائقي الأجرة وعمال المطاعم وعمال الأجر اليومي وغيرهم، بالتزامن مع قطع بغداد المرتبات وتراجع نسبة النازحين العراقيين من مناطق أخرى حيث كانوا يشكلون محركاً نقدياً للسوق، فضلا عن آثار جائحة كورونا، كلها أسباب شكلت ضربة موجعة لاقتصاد الإقليم". وأشار إلى أنه لم يتسلم راتبه منذ 6 أشهر، ويعتمد على ابنته المقيمة في ألمانيا.
وفجّرت هذه الأوضاع الاقتصادية المتردية، الاحتجاجات في مدن عدة من الإقليم، شهدت حرق مقرات عدد من الأحزاب الرئيسية، في مشهد مشابه لما حدث جنوبي العراق بمدن البصرة والناصرية ومحافظات أخرى منه.
وتركزت هتافات المتظاهرين على المطالبة بمحاربة الفساد وصرف مرتبات الموظفين والمتقاعدين، وفتح ملف ثراء أعضاء الحزبين الرئيسيين في الإقليم، "الديمقراطي الكردستاني" بزعامة مسعود بارزاني، و"الاتحاد الوطني" في السليمانية الذي تتصدره حالياً أسرة جلال الطالباني، ولا سيما أن الاحتجاجات حصلت بعد إجراء حكومة الإقليم بتخفيض مرتبات الموظفين، واستقطاع 20% من مرتبات المتقاعدين، في خطة كانت قد اعتمدتها كردستان مسبقاً وهي "الادخار الإجباري"، الذي يرفضه الأكراد.
ولم تدفع حكومة الإقليم بالأساس منذ شهر فبراير/ شباط الماضي مرتبات أكثر من مليوني موظف لديها، حيث تحمل الحكومة الاتحادية في بغداد مسؤولية ذلك، فيما تتهم بغداد حكومة الإقليم بالتنصل من الالتزامات القانونية بشأن تسليم عائدات النفط الذي تبيعه للخارج، مطالبة حكومة الإقليم بالالتزام بالدستور.
وكانت الحكومة المركزية في بغداد قد اتفقت مع كردستان العراق عام 2019 على دفع 17% من الإنفاق الجاري والاستثماري للميزانية الاتحادية إلى الإقليم، والتي تمثل حوالي 12 مليار دولار، وفي المقابل، على حكومة الإقليم تسليم 250 ألف برميل من النفط يومياً إلى الحكومة المركزية عن طريق شركة "سومو"، إلا أن مسؤولين في بغداد يقولون إن هذا الاتفاق لم يطبق بسبب تنصل كردستان، بحجة أن المبلغ لا يكفي لاحتياجات كردستان وما يتضمنه من دفع رواتب الموظفين البالغة 880 مليار دينار، لذلك يطالب الإقليم برفع حصته من الموازنة العراقية.
وقال المتحدث باسم حكومة إقليم كردستان العراق جوتيار عادل في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "التفاهم كان مع بغداد خلال فترة رئاسة عادل عبد المهدي الذي استقال على خلفية اشتداد التظاهرات في العراق، وهناك أجواء إيجابية واتصالات مع الحكومة الاتحادية الحالية برئاسة مصطفى الكاظمي، من أجل بدء مفاوضات جديدة تتعلق بحقوق كردستان الدستورية من الموازنة المالية، ولحد الآن لم نصل مع بغداد إلى مرحلة النتائج النهائية ولكننا في طور مرحلة التفاوض".
وأضاف أن "حكومة إقليم كردستان أبدت استعدادها لتسليم بغداد مبالغ النفط أو إيداعها في الموازنة، التي تتمثل بتسليم مبالغ نحو 250 ألف برميل من النفط و50% من واردات المنافذ الحدودية".
وتابع أن "الأزمة المالية التي عصفت بكردستان، عصفت ببغداد أيضاً، وقد تأثرنا جميعاً بها بسبب اعتمادنا على النفط الذي تراجعت أسعاره بسبب تفشي جائحة "كورونا"، وهو ما أضعف الدخل القومي الإجمالي"، موضحاً أن "كردستان انتهجت خلال الفترة الماضية سلسلة من السياسات المالية المؤقتة لعبور الأزمة".
ريبوار بابكئي، وهو عضو في برلمان إقليم كردستان أشار إلى أن "الأزمة الاقتصادية في كردستان ليست جديدة، ولكنها تفاقمت وباتت واسعة المدى وذات تأثيرات واضحة على شريحة الموظفين، الذين لهم حق الرواتب، وذلك يعود إلى انخفاض وتهاوي أسعار النفط بشكل ملحوظ، باعتبار أن إقليم كردستان ينتج ويصدّر النفط، إضافة إلى توقف إرسال المبلغ المتفق عليه بين أربيل وبغداد" .
وقال بابكئي لـ"العربي الجديد"، إن "هناك أحزاباً وشخصيات سياسية لا تريد أن تتحسن الأمور في كردستان، وجهات تعطل الإصلاح المالي ومنه المرتبط بالرواتب، كما أنها عملت على نشر الجو السلبي في حكومة عادل عبد المهدي السابقة والكاظمي حالياً".
وأضاف أن "عدم إرسال حقوق كردستان يعود إلى أسباب سياسية لا اقتصادية، وتشترك فيها أكثر من جهة، وبالتالي المواطن الكردي يبقى وحده الضحية، وخلال الفترة المقبلة ستكون هناك زيارة لوفد كردي إلى بغداد لحل الإشكاليات، وقد وافقت عليها كردستان، ومنها تسليم واردات النفط والجمارك والمنافذ، ومراعاة كردستان في موازنة 2021".
بالمقابل، قال عضو اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي، حنين قدو، إن "هناك اعترافات رسمية من داخل حكومة إقليم كردستان بوجود فساد بمستويات واسعة لصالح فئات ومجموعات صغيرة داخل الأحزاب والكيانات السياسية المتنفذة في الإقليم، وبالتالي فإن الفساد هو من أبرز الأسباب التي أدت إلى انهيار الأوضاع الاقتصادية داخل الإقليم".
وأوضح قدو في حديث مع "العربي الجديد"، أن "بغداد تأخرت في أكثر من مرة عن إرسال الأموال لكردستان، في خطوة لا تستهدف المواطن الكردي بكل تأكيد، بل لمعاقبة حكومة كردستان التي لا تلتزم بأي من بنود الاتفاقيات وحتى بعض المواد الدستورية المرتبطة بإدارة الإيرادات الخاصة بالمنافذ الحدودية والجمارك وغيرها".
وأضاف أن "حكومة الإقليم تسيطر على أكثر من 25 منفذاً حدودياً، وقد خاطبت حكومة بغداد أكثر من مرة أربيل، وأبلغتها بضرورة تسليم هذه الإيرادات إلى الحكومة الاتحادية، لكنها لم تلتزم، وتذهب معظم إيرادات هذه المنافذ إلى جيوب المسؤولين والحزبيين".
وعن التظاهرات التي تتواصل منذ أيام في منطقتي السليمانية وحلبجة، قال عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في الإقليم، عماد باجلان، إنه لا يوجد أي مواطن كردي يعيش تحت خط الفقر في إقليم كردستان، ولكن بعض الأحزاب في بغداد تعمل على تزييف الحقائق، وتسعى للضغط على كردستان من خلال ورقة تأخير إرسال أموال رواتب الموظفين الكرد"، معتبرا أن هناك جهات لم يسمها "تعمل على التحريض والعصيان المدني، والتخريب في مدن الإقليم".
بدوره، قال الباحث المختص في الشأن الكردي، علي تحسين الحياني، إن "سبب الأزمة المالية في كردستان، هو أنه لا تتوفر جهة واحدة رسمية تستقبل أموال الإيرادات أو تدير هذه الإيرادات"، مشيرا إلى وجود حزبين يتقاسمان السلطة والإيرادات.