كورونا مصر: شكوك في كفاءة مخطط العودة للعمل

02 مايو 2020
بدأت الحكومة وضع خطة للتعايش مع كورونا(محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -
تواصل الحكومة المصرية اندفاعها نحو العودة الكاملة للأنشطة الخدمية والمالية بعد انتهاء شهر رمضان، بغضّ النظر عن الوضع المتفاقم لوباء كورونا المستجد، والزيادة المطردة في أعداد المصابين يومياً، وترجيح مصادر مطلعة بوزارة الصحة تخطي حاجز الستة آلاف حالة خلال أيام معدودة، قياساً بالارتفاع الكبير في متوسط الحالات المكتشفة يومياً، على الرغم من غياب الزيادة الكبيرة في تحاليل استكشاف الإصابات، وعدم إقدام الدولة حتى الآن على إجراء تحاليل عشوائية، حتى في المناطق التي شهدت معدلات إصابة مرتفعة.

وأعلنت الحكومة أخيراً عن بدء وضع خطة "للتعايش" مع كورونا، في ضوء العجز الدولي عن وضع مواعيد لتراجع الجائحة. وذكرت على لسان وزيرة الصحة هالة زايد، أنه سيتم وضع مجموعة من الضوابط لاتخاذ تدابير مشددة في جميع المنشآت بمختلف القطاعات لدى عودتها من جديد، منها تخفيض قوة العمل بشكل دائم، والتوسّع في المعاملات المالية والإدارية الإلكترونية عن بعد، واستحداث طريقة للحجز المسبق للحضور، والاكتفاء بأعداد معينة من العاملين وأصحاب المصالح، فضلاً عن الكشف اليومي على العاملين، وتخصيص مكان لعزل حالات الاشتباه في كل منشأة.

كما جاءت قرارات استئناف بعض أنواع القضايا الخاصة بالأسرة والأطفال والوراثة ونقض الجنح، وعودة خدمة إصدار التوكيلات للمحامين وتوثيق بيوع السيارات، ابتداءً من يوم غد الأحد، إلى جانب عودة خدمات المرور بشكل عام، لتؤكد اتجاه الدولة الذي لا رجوع عنه لعودة الخدمات، والتي كانت في واقع الأمر النشاط الوحيد المتوقف في البلاد، خصوصاً بعد عودة جميع الأنشطة الإنتاجية والمالية والاستهلاكية للعمل بكامل طاقتها تقريباً منذ أسبوع.

وكما كان التناقض كبيراً بين قرارات الحكومة بشأن حظر التجوّل والتدابير العامة الأخرى، وبين الواقع على الأرض بعد فشل الشرطة في تطبيق الحظر وزيادة الخروقات بشكل منتظم يومياً، تبدو ملامح الخطة الحكومية للتعايش مع كورونا بتدابير خاصة، بعيدة تماماً عن الواقع العملي، مما يثير قلق العديد من الفئات التي ستكون مجبرة على العودة للعمل طوال أيام الأسبوع أو بعضها، في ظلّ غياب الإمكانات أو نقصها.

على رأس الفئات القلقة، الأطباء من غير تخصصات مواجهة كورونا، والعاملون بالمراكز الصحية والمستشفيات الحكومية التي كانت قد ألغت العمل في العيادات الخارجية منذ شهر تقريباً، إذ كشفت مصادر بوزارة الصحة لـ"العربي الجديد"، عن قرب صدور قرار بعودة العيادات الخارجية للعمل بجميع المستشفيات، وكذلك المراكز الطبية التخصصية التي كانت قد أغلقت أو خفضت طاقة عملها.

وفيما ذكرت المصادر أنّ العودة ستكون مقترنة بتوزيع واقيات وغيرها من وسائل الحماية الشخصية على جميع الأطباء العاملين، مع وضع حدّ أقصى لعدد المترددين على كل عيادة خارجية يومياً، وصفت هذه الخطة بأنها طموحة جداً وليست قابلة للتطبيق بنجاح، لأن تحديد عدد للمواطنين المسموح لهم بدخول المستشفيات سيؤدي لمشاكل أمنية كبيرة خارجها وداخلها، مما قد يؤدي لإيذاء الأطباء وطاقم التمريض، أو فتح باب الاستثناءات طوال الوقت، الأمر الذي سيفرغ تلك التدابير من فحواها.

وأوضحت المصادر أنّ العديد من مديريات الصحة أبدت تخوفها من الإقدام على إعادة العمل بهذه الصورة حالياً؛ سواء بسبب نقص الإمكانات أو عدم القدرة على تأمين المنشآت الطبية بشكل كامل، الأمر الذي قد يؤدي لتطبيق قرار العودة بشكل جزئي لم يتحدد موعده بعد.

من جانبهم، يخشى القضاة أيضاً العودة غير المحسوبة للعمل، خصوصاً في محاكم الأقاليم. فعلى الرغم من حسم استمرار تعليق الجلسات بشكل عام، وتأجيل السواد الأعظم من القضايا حتى السابع أو الرابع عشر من مايو/أيار الحالي، حسب كل هيئة قضائية، إلا أنّ إدارات الهيئات القضائية أشعرت من خلال المجموعات الخاصة أعضائها على مواقع التواصل الاجتماعي، بالاستعداد للعودة قريباً، وربما قبل نهاية شهر رمضان (في الأسبوع الثالث من مايو). وترى مصادر قضائية مختلفة بمحكمة جنايات القاهرة ومجلس الدولة، أنّ اتخاذ قرارات استئناف العمل سهلة على الورق، ولكن يستحيل تنفيذها في الحقيقة بتدابير صارمة، فالتزام القضاة بالتدابير لا يشترط بالضرورة التزام الموظفين والمحامين والمواطنين الذين من واجبهم أو من حقهم حضور الجلسات وضمان علنيتها.

وأشارت المصادر إلى أنّ القرارات التي اتخذت أخيراً، بعودة بعض أنواع الجلسات للانعقاد، كشفت هشاشة إدارات المحاكم وعناصرها التأمينية، حتى مع التشديد على اتباع تدابير احترازية، كارتداء الكمامات والتباعد الشخصي. فضلاً عن وجود مشاكل دستورية وقانونية في الحلول التي طرحتها بعض الجهات، كمحكمة استئناف القاهرة، بالبدء في عقد جلسات تجديد الحبس، وكذلك بعض الجلسات الجنائية للمحبوسين، من دون اشتراط حضورهم، مما يعني تحويل المحاكمة الجنائية إلى طبيعة مستندية على ضوء الأوراق والمذكرات، الأمر الذي يتنافى مع طبيعتها ودورها.

من جهتها، قلّلت مصادر في وزارة العدل من أهمية وفاعلية التدابير التي تقول الحكومة إنها ستتبعها لتقليل حجم العمل والتدفق على منشآت الخدمات. فباعتبار الوزارة مشرفة على أكبر عدد من المنشآت التي يتردد عليها المواطنون يومياً، وهي مقار الشهر العقاري والتوثيق والمحاكم والنيابات ومكاتب الخبرة القضائية، أكدت المصادر استحالة اتباع سياسة الإبلاغ المسبق إلكترونياً بالحضور إليها، ومراعاة التباعد الاجتماعي. وأوضحت أن "الكثير من المكاتب والمحاكم في المحافظات ليست مؤهلة أصلاً للتعامل بصورة عادية، فما بالنا بالتعامل الوقائي لتلافي العدوى. قد تكون أماكن انعقاد الجلسات مؤهلة بالفعل لذلك، ولكن المشكلة في مكاتب الإداريين في المحاكم، التي هي أساس تعامل المحامين والمواطنين بشكل يومي. أما الشهر العقاري، فأقصى ما يمكن تحقيقه هو تحديد عدد أقصى للحضور يومياً، وبأسبقية التواجد وليس بالإبلاغ المسبق".

وذكرت المصادر أنّ الرئاسة حالياً تضغط لسرعة اتباع إجراءات التقاضي الإلكتروني، ولكن ليس من المتصور أن يبدأ ذلك في المدى المنظور، موضحةً أنّ "المشكلة الأساسية في الاعتمادات المالية، وليست في التشريعات كما يعتقد البعض، فقد أشرفت وزارة العدل من قبل على وضع مشروعات لتأمين سير القضايا والإجراءات والتوقيع الإلكتروني، ونجحت بالفعل، لكن تنفيذها يتطلب خوادم بسعة كبيرة تتحمل الضغط المستمرّ عليها، وهو ما لا يتوفر، حتى ولو جزئياً، في الوقت الحالي".

وبلغت حصيلة حالات الإصابة بفيروس كورونا في مصر 5537 حالة حتى مساء أول من أمس الخميس، شفي منهم 1381 حالة، فيما سُجلت 392 وفاة بنسبة 7.2 في المائة من إجمالي الإصابات، وفق بيان لوزارة الصحة. وسجلت محافظة شمال سيناء الخميس أول إصابة بالفيروس، لتظهر بذلك الحالات الموجبة في جميع المحافظات المصرية، بينما لا تعلن الحكومة الأرقام الخاصة بانتشار الإصابات بكل محافظة والتوزيع الجندري والعمري لها.

المساهمون