أسهم المصارف الأميركية تراجعت ببورصة وول ستريت
25 اغسطس 2020
+ الخط -

تواجه المصارف التجارية العالمية ثلاثة تحديات رئيسية خلال العام الجاري بسبب جائحة كوفيد 19 وتداعياتها على النشاط التجاري والاقتصادي العالمي، وهي ارتفاع مخصصات الديون المعدومة، والفائدة السلبية وتداعياتها على العائد، وتراجع أسهم المصارف في البورصات العالمية.

ويزيد من مخاطر هذه التحديات على القطاع المصرفي الغربي، ارتفاع حجم إفلاسات الشركات في كل من أميركا وأوروبا، وعدم قدرتها على سداد الديون وخدمة فوائدها، وتراجع العائد على استثمار رأس المال، والحصار الذي تجده في آسيا بسبب الحظر الأميركي على الصين وهونغ كونغ، وهو ما يعني محاصرة عملياتها في البر الصيني الذي يعد من أكثر الأسواق المربحة من حيث حجم القروض ومصاريف جمع التمويلات.

في هذا الشأن تحذر شركة "أكسنتشير" للاستشارات المالية الأميركية من مخاطر هذه الأزمات على مستقبل القطاع المصرفي الغربي، أي في الدول الرأسمالية. وترى أن هذه الأزمات ربما سترفع خسائر المصارف التجارية العالمية إلى 880 مليار دولار خلال الأعوام الثلاثة المقبلة. 

ويعد تحدي إفلاسات الأعمال التجارية المتصاعدة بسبب تزايد تفشي جائحة كورونا في أميركا وأوروبا ودول أميركا اللاتينية واليابان من أكبر التحديات التي تقلق المصارف التجارية، إذ أن تزايد تفشي الجائحة يعني تأخر انتعاش الأعمال التجارية العالمية وعودة النشاط التجاري والتوظيف إلى مستوياته الطبيعية، وبالتالي رصد مزيد من المخصصات لإطفاء خسائر القروض المشكوك في تحصيلها وتلك الديون المعدومة والمتعثرة.

وحتى نهاية النصف الثاني من العام الجاري رصدت المصارف الأميركية الـ 15 الكبرى 76 مليار دولار لتغطية خسائر القروض التي يتوقع لها مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) أن تبلغ مائة مليار دولار بنهاية العام الجاري. بينما رصدت المصارف الأوروبية الـ 32 الكبرى 56 مليار يورو (نحو 63 مليار دولار) في النصف الأول من العام، ومن المتوقع أن ترتفع مخصصاتها إلى 60 مليار دولار بنهاية العام الجاري، وذلك وفقاً لبيانات "سيتي غروب" الأميركية. 
وبلغ إجمالي مخصصات القروض المتعثرة للبنوك الـ 47 الكبرى في أوروبا وأميركا نحو 139 مليار دولار في النصف الثاني من العام. وهذه المخصصات تعد الأكبر في تاريخ المصارف الغربية منذ أزمة المال العالمية في العام 2008 التي ارتفعت فيها مخصصات المصارف على جانبي الأطلسي إلى نحو 186 مليار دولار في النصف الأول من عام 2009، وهو العام الذي تلى الأزمة مباشرة.
وتتوقع مؤسسة ضمان الصادرات الفرنسية " كوفاس"، أن تشهد أميركا عدداً أكبر من الإفلاسات مقارنة بأوروبا خلال العام الجاري بسبب زيادة عدد الإصابات والوفيات بالولايات المتحدة. ولكن يلاحظ أن المصارف الأميركية تتميز على نظيرتها الأوروبية من حيث حجم السيولة التي جمعتها من عمليات التحفيز النقدي والدعم الكبير الذي تجده من مصرف الاحتياط الفيدرالي الذي يملك القدرة على ضخ دولارات بلا حدود مقارنة بالبنك المركزي الأوروبي. 
على صعيد تراجع الربحية للبنوك الأوروبية، يقول المحلل المصرفي مجموعة "سيتي غروب"، رونت غوس، إن "البنوك الأوروبية تواجه أزمة ربحية، إذ تواجه تراجع العائد المالي على استثماراتها في ذات الوقت الذي تراجعت فيه القيمة السوقية لأسهمها".

وخسرت أسهم المصارف الأوروبية في المتوسط نحو 40% من قيمتها بين 17 فبراير/ شباط ونهاية إبريل/ نيسان الماضي، وذلك عدا المصارف السويسرية التي تراجعت أسهمها بنسبة 10% في المتوسط. ويرى الخبير المصرفي بشركة "أوليفر وايمان" الأميركية للاستشارات المالية، باتريك هانت، أن البنوك الأوروبية تعاني من تراجع الربحية على الأسهم وتراجع العائد على القروض الشخصية. 
على صعيد الولايات المتحدة، هبطت أسهم البنوك الأميركية في المتوسط بنسبة تراوح بين 40 و50% حتى منتصف مارس/ آذار الماضي. ولكن يلاحظ أن تلك البنوك لديها سيولة ضخمة، كما أن نوعية أصولها الممتازة أفضل كثيراً من نظيراتها الأوروبية بسبب تكوين معظم أصول المصارف الأميركية من سندات الخزانة الأميركية التي لا تحتاج إلى تأمين، كما تمتاز بالسرعة في تحويلها إلى نقد أو استخدامها في الضمانات المالية. وحسب شركة التأمينات الفيدرالية على الودائع جمعت المصارف الأميركية نحو تريليوني دولار من عمليات التحفيز الأميركية. ولكن على الصعيد العالمي، تعد المصارف السويسرية الأفضل من حيث استعدادها لمواجهة تحديات جائحة كورونا من بقية المصارف الأوروبية والأميركية. ويعود ذلك بدرجة رئيسية إلى خصوصية مصارف سويسرا في جذب الثروات العالمية وتوظيفها لكبار مليارديرات العالم وأثرياء الدول النفطية، إذ إنها تدير ثروات تقدر بنحو تريليوني دولار. وتحقق من الإدارة والتوظيف أرباحا ضخمة. وإضافة إلى تراجع أسهمها، فإن المصارف الأميركية والأوروبية، تواجه تراجع الهوامش الربحية من عملياتها بسبب الفائدة المصرفية في أوروبا، والفائدة شبه الصفرية في الولايات المتحدة. 
أما التحدي الآخر الذي تواجهه المصارف الغربية، فهو تداعيات الحرب الاقتصادية بين بكين وواشنطن على عملياتها وأنشطتها المصرفية في السوق الصيني، إذ أن عمليات الحظر الأميركي على الشركات ورجال الأعمال في الصين وهونغ كونغ وضعت المصارف الغربية امام خيارات صعبة، إذ عليها أن تتخلى عن جزء من عملياتها المربحة في البر الصيني وهونغ كونغ، أو مواجهة الحظر في السوق الأميركي. ومن المتوقع أن يتسبب الحظر في المزيد من المتاعب المالية والقانونية خلال العام الجاري والأعوام المقبلة، إن لم يحدث توافق بين عملاقي الاقتصاد العالمي. 

ولمواجهة هذه التحديات تعمل المصارف الغربية على تقليل كلف التشغيل عبر خفض الوظائف، إذ أن العديد من المصارف الكبرى في أوروبا أعلنت خلال الشهور الماضية عن خفض آلاف الوظائف. كما أن المصارف الغربية تعمل كذلك على خفض كلف التشغيل عبر التركيز على التقنيات الجديدة التي تحث العملاء على الصيرفة عبر الإنترنت وتقليل عدد الفروع التي تخدم الزبائن في المدن التي ترتفع فيها فاتورة الإيجارات المكتبية. كما قال محللون إن بعض المصارف بدأت التركيز أكثر على العمليات الاستثمارية أكثر من عمليات الإقراض. وكان المصرف المركزي الأوروبي قد نصح البنوك الأوروبية بعدم اللجوء إلى شراء أسهمها أو حتى تنفيذ توزيعات ربحية على المساهمين إلى حين التأكد من السيطرة على هذه الجائحة. والبنك المركزي الأوروبي في هذه النصائح يحذو حذو البنك المركزي الأميركي. 
وكانت العديد من المصارف الغربية قد شددت من إجراءات منح القروض الشخصية وقروض الإسكان. وفي بريطانيا رفع مصرف "نيشن وايد" مقدم الدفع من 5% من سعر المساكن إلى 20%. وفي أميركا امتنعت بعض المصارف عن تقديم قروض في مجال الإسكان بحجة أنها لم تعد قادرة على تصنيف الكفاءة المالية للعملاء بسبب المتغيرات التي تركتها جائحة كورونا على الدخول ومستقبل الوظائف واستمراريتها في العديد من القطاعات. وحسب بيانات منظمة "ديبت أورغ" الأميركية، المتخصصة في مساعدة أصحاب الديون، تقدّر ديون بطاقات الائتمان في أميركا بنحو 1.08 تريليون دولار حتى الربع الثالث من العام الماضي، من بين حجم القروض الشخصية المقدرة بنحو 14 تريليون دولار حتى نهاية العام الماضي. 
من جانبها تقدر شركة "نيرد واليت" الأميركية، حجم الديون الشخصية المرحّلة من شهر إلى آخر في أميركا بنحو 466.2 مليار دولار، حتى نهاية ديسمبر/كانون الثاني الماضي. وربما ستتواصل عمليات تشديد القروض الشخصية في كل من أميركا وأوروبا طوال العام الجاري، وربما تمتد حتى النصف الثاني من العام المقبل"، ما لم يتمكن العالم من السيطرة على جائحة كورونا.

المساهمون