ولم تعش بغداد بهجة ليالي شهر رمضان الماضي؛ بسبب خطة العزل المناطقي الذي اتبعتها السلطات العراقية، كما أن أيام عيد الفطر شهدت حظراً شاملاً، لم تتراجع عنه الحكومة حتى الآن، إلا أن ذلك لم يساعد على انخفاض أعداد المصابين بل إنها ازدادت ما أدى إلى شلل شبه كامل في أكثر من عشر محافظات، ولعل أكثرها تضرراً العاصمة.
ومضى على حظر التجول المناطقي أسبوع كامل، وقد طاول أكبر 6 أحياء في بغداد، بعد أن اعتبرتها وزارة الصحة العراقية بمثابة بؤر لفيروس كورونا، وهي: الصدر والحبيبية والكمالية والحرية والشعلة والعامرية.
وبحسب المعطيات الرسمية التي تسجل حالات الإصابة بالفيروس يومياً، فإن عزل المدن لم ينجح في خفض نسبة الإصابات، بل تزايدت بسبب التراخي الأمني والصحي الذي حصل بعد الشهر الأول من انتشار الفيروس.
وقال وزير الصحة العراقي حسن التميمي، في تصريحٍ، مساء أمس الخميس، إن من بين أسباب "الزيادة في أعداد إصابات كورونا في محافظة بغداد بشكل متسارع، هو كسر إجراء الحظر المناطقي في الأحياء المزدحمة". وعقب هذا التعليق زادت الانتقادات للحكومة العراقية من نانشطين ومراقبين بشأن الإجراءات التي اتبعتها السلطات، والتي لم تحد من انتشار الفيروس.
وتجاوزت الإصابات بفيروس كورونا في العراق خمسة آلاف إصابة، بعد أن أعلنت وزارة الصحة والبيئة، ليل الخميس، تسجيل أعلى حصيلة منذ دخول الوباء إلى البلاد، وذكرت أنها سجلت 4 وفيات و322 إصابة جديدة، وبلغت الحصيلة الإجمالية للمصابين 5457، إضافة إلى 179 حالة وفاة، كما سجل ارتفاع واضح بأعداد المتعافين إذ بلغ 2971 حالة بعد تسجيل 67 حالة تعافٍ جديدة.
وفي السياق، قال الطبيب المختص بأمراض الأجهزة التنفسية في مدينة الطب ببغداد طارق الشمري، إن استمرار ارتفاع معدلات الإصابة بفيروس كورونا "ينذر بكارثة صحية قد تؤدي إلى شلل شبه تام في البلاد"، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أن "الفرق الطبية في كل المستشفيات، ومن خلال التواصل معهم، بلغوا مرحلة الإعياء والتعب ولا سيما أن كل الأدوات الطبية متهالكة في العراق، ولا حل لهذه الأزمة غير التزام العراقيين بالتعليمات وحظر التجول".
وأكد أن "بعض حالات الوفاة كانت صادمة بالنسبة لنا في بغداد، خصوصاً تلك التي حدثت من دون ظهور أعراض، وهو ما يشير إلى أن الفيروس أكثر خطورة مما نظن ويتمكن من جسم الإنسان بأكثر من صورة، ويقتله أحياناً حتى من دون الإيعاز إلى أي مفصل من مفاصل الجهاز التنفسي".
من جهته، أشار مقرر لجنة الأزمة في البرلمان العراقي جواد الموسوي، إلى أن "بعض أحياء جانب الرصافة من بغداد لا تزال لا تؤمن أصلاً بوجود فيروس ووباء منتشر في كل العالم، وهناك من يتحدى الدولة والقرارات الرسمية القاضية بحظر التجول، ونحن بحاجة حالياً إلى تشديد أمني ومحاسبة المخالفين".
ورأى، في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أنّ "العزل المناطقي لا بد أن يشمل بعض مدن الجنوب، وهي إجراءات وقائية وليست تحجيمية تستهدف حرية الناس كما يظن بعضهم"، محذراً من أنه "إذا استمرت أعداد المصابين بالفيروس في الارتفاع بهذه الطريقة، فمعناه أن العراق قد يفقد السيطرة على الوباء وتحدث كارثة صحية".
ويظهر حي الكرادة وسط العاصمة بغداد من خلال صور خاصة التقطها "العربي الجديد"، وقد قطعت غالبية الشوارع فيه، ويشهد انتشاراً أمنياً كبيراً، وهو ما أزعج بعض الأهالي الذين دخلوا شهرهم الثالث في الحجر.
وقال عباس إبراهيم، وهو محامٍ من الكرادة، لـ"العربي الجديد"، إن "اقتصادات الناس انتهت، وأشغالهم تعطلت كثيراً، حتى أن أموالهم باتت تنقص يوماً بعد يوم لا سيما المواطنين الذين يعتمدون على الأجور اليومية، ناهيك عن المشاكل الاجتماعية التي تسبب بها الوباء للعراقيين"، مضيفاً أن "من واجب الحكومة العراقية أن تفرض حظر التجول في المناطق التي شهدت تسجيل حالات كثيرة، من أجل السيطرة على الوباء، وإلا فإن الكوارث قد تتوالى على بغداد وتحدث أزمة مالية وغذائية، وهو ما قد يؤدي إلى تأزيم الحياة بالكامل".
وكانت منظمة الصحة العالمية قد اعتبرت أنّ العزل المناطقي هو الحل الوحيد لمواجهة كورونا، والذي تظهر نتائجه بعد أسبوعين عادة، فيما أشارت إلى أنها "تتفق تماماً مع إجراءات وزارة الصحة، والتي تتعلق بوجود ست مناطق في بغداد، إلا أنها أكدت أن "البصرة لا بد من فرض حظر التجول فيها، بطبيعة أشد وإجراء المسح النشط والفعال لأنها أصبحت بؤرة لفيروس كورونا".