كورونا "تعري" الحكومات العربية

07 يوليو 2020
احتجاجات بالأردن ضد الضرائب والغلاء في 2018/ فرانس برس
+ الخط -

جاءت أزمة كورونا لتكشف عن سوء إدارة معظم الحكومات العربية للملف الصحي أولاً، وثانياً الفشل في التعامل مع التحديات والأزمات الاقتصادية الخطيرة الناتجة عن الجائحة، ومنها البطالة وضعف فرص العمل والفقر وزيادة أسعار سلع رئيسية.
والمتابع لأخبار اليومين الماضيين فقط يلحظ أن المنطقة العربية باتت تغوص في مشاكل كبيرة بسبب الجائحة وتهاوي أسعار النفط وتوقف الحركة التجارية والأنشطة الاقتصادية، وأن المواطن هو الضحية والخاسر الأكبر. 
تتساوى في ذلك الدول النفطية الثرية كدول الخليج مع الدول الفقيرة ضعيفة الموارد والتي تعاني من أزمات مالية حادة. 
وفي المقابل، نجد أن العديد من دول العالم أدارت الملف باحترافية شديدة، حينما راحت تضخ السيولة المالية وحزم الإنقاذ الضخمة للحيلولة دون انهيار الاقتصاد وإفلاس المؤسسات، وتمنح الشركات إغراءات وحوافر مالية للاحتفاظ بالعمالة بها، بل وتمنح الأسر المتضررة مساعدات مالية سخية تساعدها في البقاء على الحياة وتغطية احتياجاتها المعيشية.
في السعودية، أكبر منتج للنفط في العالم، ودّع المواطن عصر الرفاهية والدولة الأبوية، في ظل ملاحقة الحكومة له بالضرائب والجمارك والرسوم والإجراءات التقشفية التي سببت موجة غلاء شديدة، وزيادة ملحوظة في معظم أسعار السلع الرئيسية، وخنقا وإرباكا للأسواق، وتراجعاً في القدرات الشرائية، ومن بين هذه الإجراءات زيادة ضريبة القيمة المضافة على أغلب السلع والخدمات إلى ثلاثة أمثالها، ووقف صرف بدل غلاء المعيشة للمواطنين، ورفع أسعار البنزين.

موقف
التحديثات الحية

وفي الكويت التي تُعدّ واحدة من أغنى دول العالم، وتملك أقدم صندوق ثروة سيادي في العالم، ورابع أكبر صندوق عالمي، تعاني الدولة حاليا من أزمة مالية شديدة وعجز حاد في الموازنة، لدرجة أنها قد تضطر إلى السحب من صندوق الأجيال القادمة الذي يُفترض أنه مُخصّص لمستقبل من دون نفط، خاصة مع إصرار البرلمان على منع الحكومة من الاقتراض من الخارج أو السحب من الاحتياطي الأجنبي الذي فقد نحو نصف قيمته خلال أشهر قليلة.
كما تستعد الحكومة الكويتية لتنفيذ خطة تقشفية غير مسبوقة لمعالجة الأزمة المالية الراهنة من أبرز ملامحها إلغاء بند المكافآت والامتيازات التي يحصل عليها العاملون في كافة الجهات الحكومية، وخفض النفقات غير الضرورية في الميزانية الجديدة بنحو 35%.
يصاحب تلك الخطوة وقف التعيينات الجديدة وإلغاء وتأجيل العديد من المشروعات التنموية المدرجة على ميزانية العامين الماليين الحالي والمقبل بنسبة تصل إلى 25%، وهذه الخطة تستهدف توفير نحو 2.2 مليار دولار خلال الميزانية الجديدة.
وفي العراق، ثاني أكبر دولة نفطية في المنطقة، تقول الأرقام الحديثة إن نحو ثُلث العراقيين تدحرج إلى دائرة الفقر رسميا، بل وإلى الفقر المدقع، ويرفع آخرون النسبة لأكثر من ذلك بكثير لتصل إلى نحو 50% من عدد السكان. 
ومنذ تفشي وباء كورونا وتهاوي أسعار النفط، قفزت معدلات الفقر في العراق، ودخل ملايين المواطنين إلى قائمة الفقراء بعد تدهور الأوضاع المالية والمعيشية، ما تسبب في تعثر دفع مرتبات المتقاعدين والمشمولين بشبكة الرعاية الاجتماعية.
وفي لبنان تقول الأرقام الصادرة اليوم الاثنين إن 55% من المواطنين باتوا فقراء، بسبب زيادة معدلات البطالة وإغلاق آلاف المؤسسات التي سرّحت موظفيها، وانهيار قيمة الليرة إلى مستويات لم تشهدها منذ الحرب الأهلية، وما أسفر عنها من تآكل للرواتب والأجور، وبات همّ المواطن الأول هو تأمين تكاليف المعيشة اليومية، ولن نتحدث هنا عن حال اللاجئين السوريين الذين يواجهون صعوبة أصلا في الحصول على الغذاء.
وفي الأردن ارتفعت حدة الانتقادات الشعبية للحكومة لإخفاقها في إدارة الملف الاقتصادي على النحو الذي يحمي المواطنين من تداعيات جائحة كورونا ويوقف تدهور مستويات المعيشة وارتفاع الفقر والبطالة.

موقف
التحديثات الحية

وفي السودان، يترقب المواطن بخوف وحذر كبيرين القرارات الاقتصادية التقشفية الوشيكة التي يرتقب أن تعلنها الحكومة خلال أيام، وما قد تحمله من إجراءات تفاقم من أعبائه المعيشية، خاصة في ظل حدوث قفزة ضخمة للتضخم حيث بلغ معدله 114% في شهر يونيو الماضي، ومن بين هذه القرارات المتوقعة رفع الدعم عن السلع والخدمات الضرورية مثل الوقود، والكهرباء، والخبز، وقد تعلن الحكومة عن تعويم الجنيه السوداني في حال التوصل إلى اتفاق للحصول على قروض من صندوق النقد الدولي.
وفي سورية، يجد المواطن صعوبة شديدة في تدبير احتياجاته الغذائية اليومية، بعد أن شهدت البلاد قفزات في أسعار السلع ومعاناة شديدة في الحصول على المواد التموينية وانهيارا في سعر الليرة، ويقف المواطن بالساعات في طوابير المؤسسات الاستهلاكية للحصول على كيلوغرام من السكر أو الدقيق. وبدلاً من أن يعالج النظام القائم الأزمات المتفاقمة راح يتحجج بأن سبب معاناة المواطن هو المؤامرة الكونية الغربية على البلاد، وتطبيق الولايات المتحدة قانون قيصر الذي يفرض عقوبات اقتصادية شديدة على المتعاملين مع نظام بشار الأسد والمؤسسات الاقتصادية السورية.
وفي مصر، تواصل الحكومة فرض مزيد من الرسوم والتمغات، في محاولة لتعويض التراجع الكبير في الإيرادات الضريبية والأنشطة الاقتصادية، وأحدث تلك الرسوم راديو السيارات وإخضاع المخبوزات والمنتجات المصنعة من الدقيق - عدا الخبز بجميع أنواعه - إلى ضريبة القيمة المضافة البالغة 14%، وكذلك فرض ضريبة على منتجات الصابون والمنظفات الصناعية للاستخدام المنزلي، وهو ما يُنذر بارتفاع أسعار بيعها فور تطبيق القانون.
ويتكرر السيناريو في بلدان عربية أخرى، منها اليمن وتونس الجزائر والمغرب وليبيا وغيرها، حيث تفاقم المشاكل الاقتصادية والمالية التي انعكست سلبا على المواطن الذي لم يجد من يحنو عليه ويحميه، سواء في صورة إعانات لطبقة العمال بما فيها الموسمية، أو شبكة مسؤولية اجتماعية للفقراء واليتامى والمطلقات والأرامل، أو الحصول على علاج مجاني، أو الحصول على أنظمة تأمين وتقاعد قوية.

المساهمون