كواليس اتفاق حفتر ومعيتيق بشأن النفط الليبي: فتش عن روسيا

19 سبتمبر 2020
واشنطن عبرت عن انزعاجها الشديد من شكل الاتفاق والإعلان عنه(فرانس برس)
+ الخط -

لا تزال مواقف حكومة الوفاق الوطني الليبية ومجلسي النواب والدولة غائبة حيال الاتفاق المعلن بين اللواء خليفة حفتر ونائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، أحمد معيتيق، أمس الجمعة، بشأن استئناف إنتاج وتصدير النفط، ما يشير إلى اتجاه لتجاهله، فيما أكدت معلومات متطابقة لمصادر ليبية أن معيتيق لم يكن يحظى بأي دعم أو تفويض من قبل المجلس الرئاسي في مفاوضاته التي أجراها مع ممثلي حفتر.

وأوضحت المصادر، وهي حكومية من طرابلس وبرلمانية من طبرق، أن المفاوضات بين معيتيق وممثلي حفتر، الذين كان خالد نجل حفتر من بينهم، جرت في العاصمة الروسية موسكو لمدة يومين، قبل أن تعلن عن نتائجها قيادة حفتر ومعيتيق، أمس الجمعة، مشيرة إلى وصول رسائل لطرابلس وطبرق من عدة عواصم، على رأسها واشنطن، عبرت عن انزعاجها الشديد من شكل الاتفاق والإعلان عنه.

ومساء أمس الجمعة، فجر معيتيق مفاجأة بإعلانه التوصل إلى اتفاق مع حفتر لاستئناف إنتاج وتصدير النفط، الموقوف من جانب حفتر منذ يناير/كانون الماضي. وأعلن معيتيق ذلك في بيان نشره على صفحته الرسمية من دون أن يحمل أي توقيع من جانب المجلس الرئاسي، متضمنا بنودا عدة، أبرزها تشكيل لجنة فنية للإشراف على توزيع إيرادات النفط، قبل أن يعلن حفتر، في بيان متلفز، عن استئناف إنتاج وتصدير النفط "مع كامل الشروط والتدابير الإجرائية اللازمة التي تضمن توزيعا عادلا لعائداته المالية".

وأثنى المتحدث الرسمي باسم قيادة مليشيات حفتر، أحمد المسماري، على معيتيق بالقول إنه "كان إيجابيا، كما كان صاحب رؤية وتطلعات لحل الأزمة الليبية بشكل عام، وهو ما دفع القيادة العامة إلى التحاور معه"، مشيرا في مؤتمر صحافي الليلة الماضية إلى قبول قيادة حفتر ترؤس معيتيق اللجنة الفنية المشتركة للإشراف على إيرادات النفط وضمان توزيعها العادل.

ويبدو أن الاتفاق الجديد بين الجانبين لن يتجاوز المؤسسات الليبية المعنية بتفاصيل الاتفاق بين قيادة حفتر ومعيتيق، فقبل يوم من إعلانه أشارت المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس إلى وجود مفاوضات وصفتها بـ"الفوضى"، و"غير النظامية"، مؤكدة أن المؤسسة لا يمكنها رفع القوة القاهرة عن حقول وموانئ النفط.

وقالت المؤسسة، في بيان لها مساء الخميس، إنها "تأسف على ما آلت إليه الأمور من قيام جهة غير مختصة بتسييس قطاع النفط واستخدامه ورقة مساومة في مفاوضات عقيمة لتحقيق مكاسب سياسية من دون مراعاة لأبجديات العمل المهني".

ونقلت عن رئيس المؤسسة، مصطفى صنع الله، قوله "لا يمكن لنا أن نقبل أو نغض الطرف عن هذه الممارسات، ولا يمكن أن نجعل من هذه الممارسات وسيلة تسيس قوت الليبيين، فالطريقة الوحيدة القابلة للتطبيق للمضي قدما هي حل ليبي سيادي".

وفي إشارة إلى وجود روسي وراء مفاوضات قيادة حفتر ومعيتيق، قال صنع الله "لن نسمح لمرتزقة فاغنر بلعب دور في قطاع النفط الوطني"، مؤكدا أن الشرط الوحيد لإعادة تشغيل النفط هو خروج كل المجموعات المسلحة ومرتزقة فاغنر، معبرا عن استنكاره لـ "محاولات البعض من إجراء مباحثات توصف بالسرية"، واصفا إياها بـ"قفزة في الهواء، لا تهدف إلا لتحقيق مكاسب سياسية ضيقة، ولن نسمح مرة أخرى باستخدام النفط ورقة مساومة في أي مباحثات سرية كانت أو علنية من دون أن تتضمن شروطا واضحة ولمصلحة الحفاظ على المنشآت النفطية".

من جانبه، نفى البنك المركزي في طرابلس علاقته بــ "أي تفاهمات حول توزيع عائدات النفط"، مشددا على رفضه "الزج به في هذا الشأن".

وأكد البنك، في بيان له ليل الجمعة، أنه "مؤسسة سيادية مهنية محايدة تعمل بمسؤولية وفق الضوابط القانونية، وتنأى بنفسها عن التجاذبات السياسية وتلتزم الشفافية والإفصاح".

وفي إشارة للتقليل من قيمة الاتفاق، عبّرت السفارة الأميركية، في تغريدة على حسابها الرسمي، عن رفضها للاتفاق من دون تسمية أطرافه، وقالت "في الوقت الذي تسعى فيه عناصر مختلفة إلى خدمة مصالحها الضيقة، يجب أن يكون الحوار الليبي-الليبي الشفاف والشامل هو المبدأ التوجيهي، حيث يتولّى الليبيون مسؤولية مستقبلهم السياسي وزمام مواردهم الوطنية".

في سياق متصل، عبّر آمر المنطقة العسكرية الغربية التابعة لحكومة الوفاق، اللواء أسامة جويلي، عن رفضه للاتفاق، مطالبا المجلس الرئاسي والنواب بموقف واضح تجاهه.

وقال في تصريح لقناة ليبيا الأحرار "نعلن بجلاء للداخل والخارج أن هذه المهازل لن تمر، وأي اتفاق غير معلن سيكون مصيره الفشل، ومن يحرص على وحدة ليبيا، فليظهر تنازلاته وليتعفف عن مصالحه الشخصية في الحوارات الدولية القادمة".

وبحسب الباحث السياسي الليبي بلقاسم كشادة، فإن إعلان قيادة حفتر ومعيتيق "لن يتجاوز ضجة إعلامية لساعات"، واصفا إياه بـ"إحدى مسرحيات حفتر المضحكة كالتفويض والانقلابات التلفزيونية وساعات الصفر".

وتحليلا لخلفيات الإعلان، يرى كشادة، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنه لا يعكس سوى البحث عن حالة للتموضع في مشهد البلاد المقبل من قبل الأطراف والشخصيات المتنفذة حاليا لضمان بقائها، مشيرا إلى أن ورقة النفط يراها الساعين للبقاء في المشهد أهم الأوراق التي توصلهم إلى عواصم الثقل الدولي كواشنطن وموسكو.

وفي وقت يؤكد فيه كشادة على أن الاتفاق لن يتجاوز الضجة الإعلامية حوله، يرى أن حفتر يراهن على ورقة النفط للبقاء في المشهد، محاولا لفت أنظار الفاعلين الدوليين في الملف الليبي إلى أنه من يمسك بزمام هذه الورقة، وبالتالي لا يمكن تجاوزه وإقصاؤه.

ولفت الباحث الليبي إلى أن حفتر حاول أيضا من خلال الاتفاق معالجة الكثير من المخاطر التي تواجه مستقبله، وأهمها تكلفة حروبه التي ستضاف إلى جرائمه، موضحا أن "المادة الثامنة في الاتفاق خصصت لسداد الدين العام للطرفين، ما يعني سعي حفتر إلى تغطية فاتورة حروبه الباهظة التي قدّرتها بعض التقارير بخمسين مليار دولار من إيرادات النفط".

وبينما يصف كشادة إعلان حفتر ومعيتيق بـ"المقامرة السياسية بقوت الليبيين للتشبث بكراسيهم"، يرى أن بيان مؤسسة النفط والسفارة الأميركية كان رفضهما واضحا للاتفاق واعتباره غير قانوني وغير شرعي من خلال حديثهم عن "المصالح الضيقة" لبعض الأطراف الليبية.

تقارير عربية
التحديثات الحية

تشويشي روسي على واشنطن

أما المحلل السياسي الليبي مروان ذويب فيذهب بعيدا في تحليله لخلفيات إعلان حفتر ومعيتيق بالتأكيد على وجود روسي وراء الخطوة، مشيرا إلى أن هدف موسكو "التشويش على التوجه الأميركي في الملف الليبي الساعي إلى دفع الأطراف الليبية للجلوس حول طاولة تفاوض وإضعاف النفوذ الروسي في ليبيا".

ويذكر ذويب أن معيتيق معروف بقربه من السياسة الروسية في الكثير من مواقفه، منها تأكيد قادة عملية "بركان الغضب" محاولات وقفهم عند التقدم باتجاه سرت في يونيو الماضي، وتصريحات القادة بأن معيتيق أبلغهم برسالة من موسكو تطالبهم بضرورة الانسحاب من تخوم المدينة.

ويوضح ذويب رأيه لـ"العربي الجديد" بالقول إن "موسكو التي احتضنت مفاوضات معيتيق وخالد نجل صدام بشكل غير معلن، تعرف جيدا أنهما لا يمتلكان أي صفة تمكنهما من تنفيذ الاتفاق، وأن دعمها للخطوة مجرد ورقة تسعى لإثارة الخلافات بين الأطراف الليبية".

وأضاف أن "حفتر ومعيتيق وغيرهما باتوا يدركون جيدا واقعية رؤية أميركية وأوروبية تتلخص في ضرورة إنتاج طاولة الحوار الليبي لطبقة سياسية جديدة تقصي كل الوجوه الحالية، وبالتالي فلا مناص لهما من التشبث بأي وعود من موسكو أو غيرها وإن كانت غير واقعية للبقاء في المشهد".

أما الباحث الليبي كشادة فيتطرق إلى الإعلان من جانب حفتر صدور بيانين في ذات الوقت، الأول أعلن فيه حفتر عن استئناف حركة النفط من دون الإشارة إلى وجود اتفاق مع معيتيق، بل جدد رفضه لجميع مبادرات حل الأزمة الليبية، ما يعني تمكسه بالتصعيد العسكري.

وأوضح أن الثاني بيان مكتوب عليه شعار قيادة حفتر من دون أن يحمل توقيعه، كما هو المعروف في بيانه، قبل أن يخرج المسماري ليضيف تفاصيل أخرى، من بينها أن الاتفاق سينتهي لتشكيل حكومة وحدة وطنية. ويرى كشادة أن البيانين يكشفان حجم تزايد الانشقاقات والخلافات داخل معسكر حفتر، وأن الأخير يواجه تحديا جديدا يتمثل في تنفذ أبنائه في قرار ومصير معسكره ومواقفه.

وحول تأثير مشاركة معيتيق في المفاوضات مع قيادة حفتر على نتائج اللقاءات الليبية في المغرب وسويسرا، لا يرى كشادة أن يكون لها تأثير مباشر، فـ"اللقاءات تجري بين ممثلي مجلسي النواب والدولة والمجلس الرئاسي ليس طرفا فيها".

وأوضح أن "المجلس الرئاسي خطا خطوات سريعة في اتجاه نهايته، ما يجعل مهمة لجنة الحوار السياسي في إعادة تشكيله أكثر سهولة، خصوصا بعد خلافات وزير الداخلية فتحي باشاغا والسراج، ورغبة الأخير في التنحي عن منصبه وأخيرا تفاوض معيتيق المريب بشكل فردي مع حفتر".​

دلالات