كم نجمة في سماء البلاد؟

01 فبراير 2018
+ الخط -
غالبا ما كنت أهرب ليلا إلى سطح بيتنا، وأنشغل بعد النجوم، كان في سماء المخيم سبع عشرة نجمة أحفظ مواقعها جيدا، تنقص في بعض المرات عن ذلك قليلا أو تزيد.
كانت معظم تلك النجوم تغيب في أيام الشتاء، ليحلّ مكانها الغيم، وكنت أقول في نفسي "لربما ذهبن جميعا في ضيافة إلى دار القمر... أو لعل الله استداعهن إلى مهام أخرى في بلاد بعيدة هذه الليلة ".
هناك حيث تسكن عمّتي وزوجها في أستراليا، تذهب سبع سنوات، ثم تعود وقد تغيّرت ملامح وجهها. لساعات تجهد في محاكاتي ومحاولات إقناعي بأنني أعرفها منذ زمن من دون أن تفلح في ذلك، أذهب من حضنها إلى الحارة، أعود لها ليلا بسؤال تمخض عنه لساني بعد جهد ذهني كبير، إن كنت عمّتي فعلا فلماذا تغيبين لكل تلك المدة؟ تبتسم، تضحك، يعلو الضحك في الغرفة بين الجالسين، وتُجيب: "بيتنا بعيد والطريق طويلة"!. لكن النجوم، حسبما سمعت، أسرع منا نحن البشر بمرات كثيرة.
كان أول عهدي مع الكشفية في سن الثامنة، وقتها نظم النادي الكشفي رحيلا بين الجبال، وبعد أن أحكمت السماء ظلمتها، طلب القائد منّا أن نتمدد على التراب، لنبدأ بفقرة تأمل السماء.
وضعت رأسي على حجر أملس، نمت كباقي الرفاق على الأرض، لم يكن لدي أشياء كثيرة يمكن أن أنشغل بتأملها، ارتسم أمامي وجه ابنة الجيران، ثم وجه معلمتي، وبعدها تذكرت أمي، كل ذلك انتهى في دقيقة.. بدأت بعدَها بعدّ النجوم، لم أكن أتقن العد كثيراً، كان لدي مشكلة كبيرة مع الأرقام، وصلت إلى العشرين، ثم نسيت الرقم الذي يليها.. عُدت وبدأت العد من جديد، جربت مرتين، ثلاثة، أربعة، إلا أن السماء كانت مليئة بالنجوم.
استخدمت أصابع يدي الاثنين، واستنفدت أصابع قدمي في العد من دون جدوى، وهكذا ارتسمت أسئلة كبيرة في ذهني: لماذا يوجد في السماء كل هذا الضوء، بينما تبدو سماء المخيم أبعد وأظلم؟
وقعت في نفسي على الجواب الذي يشفي الأطفال، أخيرا صارت الحكاية مكشوفة لدي.
النجوم تغيب عنا في بعض الأيام وتشرد بين الجبال، إلا أن أسئلة أخرى تقفز إلى مخيلتي الآن، ما هو شكل السماء في فلسطين؟
ربما يتمكن بعض الثائرين القدامى، وآخرون جدد، من إجابتي، وهاهم يقولون لي كلما رأيتهم في الحقيقة أو الخيال: "أعد صياغة الحلم، حوّل أرضك إلى سماء، وانتظر شمس البلاد".
02E295FE-619F-4332-8987-0A2C8506CF65
02E295FE-619F-4332-8987-0A2C8506CF65
طه يونس (فلسطين)
طه يونس (فلسطين)