كمال الزغيدي شاب تونسي يعمل في تنظيف الشوارع من القمامة والفضلات. ليس هذا فقط، إذ إنّه يستخدم ما يجمعه لأغراض فنية لا سيّما صناعة التماثيل
يومياً، يذهب إلى عمله منذ ساعات الصباح الأولى، وتحديداً إلى شوارع مدينة المنستير الساحلية. يجمع القمامة من الأحياء، مثل بقايا الأطعمة والملابس القديمة والبلاستك والحديد والنحاس وغيرها من المواد القديمة والتي باتت غير صالحة للاستهلاك. كغيره من عمّال النظافة، لا يملك إلا أدوات بسيطة، أي عربة صغيرة ومكنسة. لكنّه لا يلقي كلّ الفضلات في مكبات النفايات كما يفعل غيره من عمال النظافة. بل يقوم بفرزها وأخذ ما يلزمه إلى ورشته الصغيرة، خصوصاً بقايا الملابس والأقمشة والأوراق التي تعدّ من أبرز المواد الأوليّة لصناعة ما يريد.
يُدعى كمال الزغيدي، وهو عامل نظافة في جهة المنستير. يعمل منذ سنوات في تنظيف المدينة. لكنّه بات يحوّل بعض تلك القمامة إلى أعمال ومجسمات فنيّة في دكان صغير. يبدأ عمله في جمع النفايات ثمّ فرزها، وأخذ كلّ ما يلزمه لصنع تلك المجسمات والتماثيل. وبعد الانتهاء، يغلّفها بأوراق الصحف والمجلات، أو أوراق أكياس الإسمنت، ثم يطليها بألوان مختلفة.
اكتشف هذا المبدع العصامي حبّه وإتقانه للنحت منذ عام 2015، عندما شارك في ورشة لصناعة الدمى العملاقة. وعرف وسائل عدة لصناعة الدمى العملاقة والمجسمات التي تتكون فقط من بعض المواد البسيطة التي تتوفر في أي مكان. ومنذ ذلك الوقت، بدأ في تشكيل وصناعة مجسمات داخل ورشته.
يمكن لأيّ زائر رؤية كمّ القمامة، خصوصاً الأوراق وبعض الأخشاب أو قطع الحديد أو الطاولات المكسورة والكراسي القديمة والأقمشة وبقايا الملابس. لوهلة، قد يبدو المحل مجرّد مقرّ لجمع بعض النفايات وبيعها بهدف إعادة تدويرها. لكنّ المجسمات التي يضعها كمال هناك تحكي قصة تلك النفايات وكيف يحولها إلى تماثيل يحبها الصغار والكبار. قد لا يصدّق أحدٌ في البداية أنّها مصنوعة من القمامة. وما من مواطن في مدينة المنستير لا يعرف غالبية تلك التماثيل، خصوصاً التمثال الذهبي الذي صنعه عامل النظافة لشخص عامل نظافة.
يقول كمال لـ "العربي الجديد" إنّه اختار تحويل النفايات إلى مجسمات لسببين، أولّهما إيصال رسالة مفادها بأنه يمكن الاستفادة من النفايات لصنع أشياء جميلة، واستغلالها وإعادة تدويرها أو تحويلها إلى مجسمات صديقة للبيئة. وثانياً بسبب شغفه بتلك الهواية وعدم قدرته مادياً على شراء مستلزمات وأدوات باهظة الثمن لصنع تلك المجسمات أو التماثيل وغيرها من المنحوتات. يضيف أنّه يعمل في الصباح كغيره من عمال النظافة نحو ست ساعات، ويجمع كل ما هو ملقى في الشوارع. ثمّ يحمل كل ما يحتاجه إلى ورشته ويرمي بقية الفضلات في مكبات النفايات. وفيها قد يجد بعض المواد الخشبية والحديد.
يومياً، يزوره أطفال في محلّه الصغير لرؤية التماثيل التي هي على شكل حيوانات ويلتقطون الصور. أمر جعله يحلم بتنظيم معرض مخصص للأطفال للتسلية وتوعيتهم حول أهمية النظافة وإمكانية صنع أشياء جميلة من بعض المواد القديمة التي تُلقى في القمامة. ويؤكد أنّ ما يفعله أكبر من دور عامل النظافة، لافتاً إلى أنه يُساهم في حماية البيئة، إضافة إلى توعية بعض الناس بضرورة صنع أمور جميلة من الأشياء القبيحة ما يدخل البهجة إلى نفوس الأطفال على وجه الخصوص.
يقضي كمال نحو خمس ساعات في ورشته التي خصّصتها له بلدية المدينة. يرسم المجسّم الذي يريد صناعته، ثمّ يبدأ بالتركيب وعجن الأوراق التي سيصنع التمثال من خلالها. وكانت غالبية أعماله عبارة عن حيوانات حاول صناعتها في حجمها الحقيقي، وقد نجح في صنع عشرين مجسّماً. لكن بقي عامل النظافة ذهبي اللّون المفضل لديه ولدى كل زائر إلى الورشة. من خلال ورشته الصغيرة، أراد أن يقول: "هنا محلّ عامل النظافة حتى تتغير النظرة الدونية لكل من يمارس هذه المهنة".
ويوضح أنّ الصورة النمطية عن عامل النظافة في المجتمع هي أنه أمي أو غير متعلّم. "لا أملك شهادة جامعية، لكنني أكملت تعليمي الثانوي وعملت في مهن عدة سابقاً، إلى أن أصبحت عامل نظافة".
يضيف: "من خلال عملي هذا، أساهم في تغيير الصورة النمطية عن عامل النظافة ولو قليلاً، وقد أثبتّ أنّ العديد من الأمور لا تتطلب شهادات جامعية، ويكفي أن يكون المرء شغوفاً بشيء ما. اليوم، وجدت أنني قادر على الإبداع. وأنوي المتابعة وأرغب في المشاركة في العديد من المعارض الوطنية والعالمية التي تهتم بمثل هذه الأعمال في حال وجدت الدعم الكافي أو الدعم المعنوي".