كمائن الموت في سيناء: معاناة تطارد الأهالي

12 نوفمبر 2015
عشرات الكمائن تنتشر في شبه الجزيرة (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
تتوكّأ الحاجة زينب على عصا بيمينها، بينما تستند إلى ذراع ابنها، لتقف أمام نقطة تفتيش أقامتها قوات الأمن المشتركة بين الجيش والشرطة المصريين، على الطريق الدولي، الذي يصل مدن وقرى محافظة شمال سيناء، بباقي المحافظات المصرية.

اقرأ أيضاًنازحو سيناء من جحيم الاشتباكات إلى برودة الصحراء

تقف زينب لتسمع وابلاً من الأسئلة، مصحوبةً بتهكم من ضابط، يسألها بلهجة أقرب إلى التحقيق، من أين، وإلى أين، ولماذا، ومن هذا الذي يرافقك؟ يتفحص هويتها، ويبلغها أنه يسمح لها بالمرور، لكن "هذا"، مشيراً إلى مرافقها، لن يمر، وعليه أن يعود. كانت اللهجة الحاسمة، والأمر العسكري، للجنود الذي يشهرون أسلحتهم، في وجوه العابرين لنقطة التفتيش، كفيلة بأن يسلّم "هذا"، الذي هو ابنها، بالامتثال للأمر، والاكتفاء بأن يوصي عليها، ركاب سيارة الأجرة التي تنقلهم إلى مدينة الإسماعيلية.

يكمل، الابن الحكاية متحدثاً لـ"العربي الجديد"، طالباً عدم الكشف عن هويته، لأسباب أمنية، ويقول "أنا من سكان مدينة رفح، والكمائن المنتشرة على طريق مدينة بئر العبد تُنزل المسافرين، الذين يحملون هويات تفيد بأنهم من سكان رفح أو الشيخ زويد، دون نقاش أو تقدير لحالة المسافر وظروف سفره". ويتابع قصته مع والدته التي كان يرافقها للعلاج بأحد مستشفيات محافظة الإسماعيلية، ويقول إنه فوجئ بكمين بئر العبد، وبعد الكشف عن الهويات بطلب أحد الشرطيين بالنزول، حاول جاهداً أن يستجديه بسبب مرافقة أمه العجوز المريضة، إلا أنه رفض، لتسافر العجوز وحيدة إلى محافظ الإسماعيلية التي لا تعرف فيها أحداً وتعود دون إجراء كشف طبي بالسيارة التي ذهبت فيها.

"نقاط التفتيش العسكرية ليست جديدة بالنسبة لسكان مدن وقرى سيناء، وقد اعتدنا عليها. تشتد الإجراءات دائماً، وتنخفض أحياناً، تبعاً للأوضاع في المواجهة بين قوات الأمن والمسلحين. لكن منذ حادث الطائرة الروسية، تحولت النقاط، لجحيم فعلي"، هكذا يصف ناشط من أبناء سيناء الأوضاع، لـ"العربي الجديد".

ويقول سلامة مسلم، أحد المسافرين من أهالي مدينة بئر العبد والذي يعمل بمدينة العريش، لـ"العربي الجديد": "ساعات طوال يقضيها المسافرون على كمائن الجيش والشرطة على الطريق الدولي الرئيس الذي يربط شمال سيناء بباقي محافظات مصر، فمن يريد الانتقال إلى الجانب الغربي من قناة السويس عليه أن يحسبها جيدا؛ فالمشوار طويل والوقت المسموح به قليل، دون مبرر واضح أو حتى تفتيش"، مشيراً إلى أن الوقت الطبيعي للانتقال إلى مدينة العريش هو 45 دقيقة، إلا أن الأمر أصبح يكلفه ساعتين حتى يأذن (الباشا)، حسب وصفه، بمرور مئات السيارات المتكدسة عند مدخل كمين الميدان. في البداية كان يظن أن الوقت يضيع بسبب التفتيش أو التدقيق، إلا أنه فوجئ بأن قائد الكمين يقرر إيقاف المرور من عدمه دون أي إجراء "فعليك أن تنتظر حتى يأخذ قراره فقط"، مضيفاً أنه من الجرائم، حسب وصفه، أن تتجرأ وتسأله عن سبب تعطل المرور.

عدد الكمائن الثابتة والحواجز الأمنية ازداد بكثافة كبيرة على الطريق الرئيسي من مدينة رفح وحتى كمين بالوظة؛ إذ يتعين على المارّ أن يعبر 25 كميناً وحاجزاً أمنياً للوصول إلى قناة السويس، ليخوض تجربة أخرى لا تقل قسوة وإهانة.

بئر العبد الأكثر قسوة

كمين الميدان، البوابة الغربية لمدينة العريش، هو أول محطات العناء التي يخوضها المسافر من العريش إلى أي مكان داخل أو خارج شمال سيناء باتجاه الغرب. المعاناة يخوضها كل المسافرين، إلا أن حاملي البطاقات الشخصية من قسم رفح والشيخ زويد هم الأكثر عناء.

يذكر أن العشرات من المسافرين يتعرضون يومياً للاعتقال العشوائي على كمائن وحواجز الأمن بمدينة بئر العبد فقط لأنهم من سكان مدينة رفح أو الشيخ زويد، حيث ينقلون لسجون أقسام شرطة مدينة بئر العبد وقرية رمانة.

يصف أحمد لافي رحلة اعتقاله لمدة يومين بقسم قرية رمانة بالبشعة، بعدما اعترضه كمين على الطريق الدولي أثناء سفره لمدينة القاهرة؛ قال لهم الضابط: كل من هو من مدينة الشيخ زويد أو رفح يترجل فوراً ليركب سيارة "نصف نقل" زجّ فيها عشرات المسافرين دون سؤال أو تحقيق، وبعد الوصول لتلك الزنزانة الضيقة بدأت حفلات التعذيب والإهانة ليصبح السفر خارج سيناء تجربة يجب الحساب لها بدقة، على حدّ تعبيره.

بدوره، يوضح أحمد سالم، الناشط السيناوي، أن هذا الأمر يضيف عبئاً جديداً على المواطن فوق أعباء حظر التجوال، كما أنه يسبب خسائر اقتصادية هائلة لأنه سبب في عزوف آلاف التجار من محافظات مصر المختلفة عن القدوم أو الاستثمار في سيناء؛ فالانتظار والتعنت على الحواجز بشكل مبالغ فيه يقضي على أي جدوى اقتصادي للتجار في سيناء.

كمائن القتل العشوائي

مع العلم أن الاعتقال، رغم القسوة والإهانة، يعدّ أفضل حالاً بين معاناة طريق السفر بشمال سيناء؛ فكمائن الموت بالشيخ زويد ورفح لا تتمتع برفاهية الكشف عن الهوية، لأن المسافر قد يتعرض لإطلاق النار المباشر والقتل.

وقد رصدت جهات حقوقية عدة حالات قتل على الكمائن بمدينة الشيخ زويد ورفح لمدنيين شملت نساء وأطفالاً، ولم تحظ أي حادثة من تلك الحوادث بالتحقيق أو المساءلة.

ويقول الناشط الحقوقي أحمد مفرح إن "اعتقال المدنيين في شمال سيناء من قبل قوات الجيش والشرطة أثناء عملياتها الحربية جريمة من الجرائم المستمرة، أكثرها خطورة اعتقال المواطنين على الهوية بسبب انتمائهم الجغرافي والقبائلي، وهو ما ظهر منذ اليوم الأول للعمليات العسكرية في شمال سيناء، بحيث قام الجيش بالتنكيل بأهالي رفح والشيخ زويد على الخصوص، وبعض المنتمين إلى جماعة "الإخوان المسلمين"، وأقارب وعائلات أشخاص منضوين في الجماعات المسلحة النشطة في شمال سيناء ضد الجيش".

وبحسب القانون الدولي الإنساني الواجب التطبيق في شمال سيناء بسبب حالة الحرب الناشبة فيها ما بين الجيش والمسلحين، تعتبر عمليات الاختطاف والاعتقال والإخفاء القسري للمدنيين جرائم حرب، ويعتبر نظام روما الأساسي في مادته السابعة الفقرة (1) (ط) الاختفاء القسري جريمة من الجرائم ضدّ الإنسانية التي لا تسقط بالتقادم".

كما يتعين على الجيش والشرطة، بحسب الناشط الحقوقي، العمل وفقاً للمواثيق والأعراف الدولية والتي تمنع حالات الاعتقال على الهوية واختطاف المدنيين.

ولا بد من الإشارة أخيراً إلى أن الحرب الدائرة في قرى منطقة رفح والشيخ زويد بين قوات الجيش والشرطة من جهة، ومسلحي تنظيم "ولاية سيناء" من جهة ثانية، أدت إلى نزوح آلاف من سكان تلك المناطق باتجاه مدينة بئر العبد، ليواجهوا أزمة الاضطهاد على أساس انتمائهم لمنطقة جغرافية ولدوا وعاشوا فيها. مطاردات أمنية وملاحقات طاولت عشرات الأسر التي تفترش الصحراء في مساكن بدائية لا تقي حر الصيف، ولا برد الشتاء.

اقرأ أيضاً: عام على تهجير السيناويين من رفح المصرية

المساهمون