رغم أن عام 2014 في العراق كان عاماً ساخناً على الصعيدين السياسي والأمني، إلا أن أقل ما يقال عنه إنه عام الإجهاز على الثقافة العراقية. حالها كأحوال الثقافة في المدن العربية المجاورة، تعاني من قلة الدعم والإهمال والتهميش. لكن هذا لا يمنع أن نبحث عن بارقة أمل في إصدار جميل أو فوز كاتب بجائزة أو عرض مسرحي لافت.
على صعيد الإصدارات، أصدر الشاعر محمد مظلوم، الذي انتقل إلى بغداد فترة قصيرة سرعان ما عاد بعدها إلى دمشق، حيث يقيم منذ عشرين عاماً، ثلاثة كتب، أوّلها تحقيق مخطوطة لتوفيق صايغ "نازك الملائكة.. طريدة المتاهة والصوت المزدوج"، وكتاب موسّع يقدّم دراسة ومختارات وترجمات لـ "أحمد الصافي النجفي.. الغُربة الكبرى لمسافر بلا جهة"، ولعل الأهم بين تلك الإصدارات "رباعيات الخيام - ثلاث ترجمات عراقية رائدة" (دار الجمل)، وهو يقدّم دراسة عن ترجمة رباعيات الخيام، إلى جانب ترجمة نثرية للرباعيات يكشف عنها لأول مرّة.
كما حصل الروائي أحمد سعداوي على "الجائزة العالمية للرواية العربية - البوكر" عن روايته "فرانكشتاين في بغداد". وفاز القاص حسن بلاسم بجائزة "الإندبندنت" البريطانية عن روايته "المسيح العراقي".
أمّا في ما يتعلق بالفن التشكيلي، فقد شهدت بغداد معارض تشكيلية عديدة أبرزها معرض الفن الواقعي "بغداد في عيون مبدعيها" الذي شارك فيه قرابة 75 فناناً وفنانة، إضافة الى عشرات المعارض الشخصية التي لم يتسنَّ لها ترك بصمة واضحة. إلا أن الحراك التشكيلي العراقي الحقيقي كان على أرصفة المنافي التي احتضنت عشرات الفنانين في المهجر.
ويبقى الحدث التشكيلي الأبرز في عام 2014 هو معرض "عطر الورد" في "غاليري الأورفلي" في العاصمة الأردنية عمّان لثلاثة من رواد التشكيل العراقي والعربي الراحلين هم فائق حسن، وشاكر حسن آل سعيد، وإسماعيل فتاح الترك. تكمن أهمية هذا المعرض، إضافة إلى أهمية الفنانين الثلاثة، في أنه عرض 33 عملاً لم تعرض من قبل رغم أنها تمثل جوانب مهمة من التجارب المتنوعة بأساليبها ومدارسها الفنية.
في المسرح، شهدت صالات العرض محاولات لاستعادة عافية الخشبة العراقية، إلا أنها بقيت محاولات في حدود التجريب بعيداً عن اشتغال مسرحي ممنهج ومنتج. فشهد "المسرح الوطني" عرض مسرحية "أحلام كارتون" لكاظم نصار، و"عربانة" لعماد محمد، و"برلمان النساء" لعواطف نعيم، إضافة إلى عروض أخرى عديدة، لكن قد تكون المسرحية الأبرز هذا العام هي "مقهى" لتحرير الأسدي.
وعلى صعيد السينما، فقد عانى الفن السابع من ارتدادات زلزال "بغداد عاصمة الثقافة العربية 2013". فمع حلول عام 2014 ثقافياً في العراق، عصفت ملفات فساد بمؤسسات وزارة الثقافة وانتقلت الى أروقة المحاكم ولجنة النزاهة النيابية.
ففي السينما، وتتويجاً لسيل الفضائح الذي اجتاح قطاع الشاشة الذهبية على خلفية الأفلام التي تعاقد عليها القطاع على هامش نشاطات بغداد عاصمة الثقافة العربية، فجّر المخرج الشاب محمد الدراجي احتجاجه في وجه المؤسسة المسؤولة عن السينما ممثلة بمدير مؤسسة السينما والمسرح نوفل أبو رغيف، إذ عقد مخرج "تحت رمال بابل"، الذي نال جائزة أفضل فيلم عربي في الدورة السابعة من "مهرجان أبوظبي السينمائي الدولي"، مؤتمراً صحافياً اتهم خلاله أبو رغيف بابتزازه وطلب نسبة 10% من الشركة الأجنبية المنتجة للفيلم كشرط لإجازة عرضه في بغداد.
وعلى الرغم من محاولات أبو رغيف للتبرير، إلا أن مجلس القضاء الأعلى أصدر مذكرة إحضار بحقه، ثم أطلق سراحه بكفالة 10 ملايين دينار عراقي مع إبقائه على ذمة التحقيق بقضية فساد مالي.
وعلى الرغم من أن الملف لم يحسم قضائياً بعد، إلا أن الفضيحة انسحبت على مجمل المشهد الفني والثقافي في العراق، وأعادت الى الواجهة مناقشة بؤس الإنتاج السينمائي وقضية عشرات صالات العرض السينمائي المنتشرة في بغداد والتي أغلقت منذ عام 2003 وتحولت إلى مأوى لمن لا مأوى له من الفقراء، بحيث تكاد بغداد أن تكون العاصمة الوحيدة في العالم التي لا تمتلك صالة للعروض السينمائية.
وفي ما يخص نشاط دور النشر، عاود ناصر مؤنس، الشاعر العراقي المقيم في هولندا، العمل على تفعيل دار "مخطوطات" بطباعتها الأنيقة، إلا أنّه هذه المرّة عمل على نسخ إلكترونية من الكتب التي يصدرها. وصدرت عدّة مجاميع شعريّة للشاعر نصيّف الناصري على شكل ثلاثيات، وصدر ديوان "بئر العالم" للشاعر حسين علي يونس.
وفي موازاة ذلك، استقطبت مكتبة عدنان الشعراء الشبّان من المحافظات العراقيّة البعيدة لتطبع لهم مجاميعهم الشعريّة مقابل مبالغ زهيدة، فيما استمرت دار "ميزبوتاميا" بإعادة طباعة بعض الكتب مثل مؤلفات الباحثين العراقيين فالح عبد الجبار وميثم الجنابي، إلى جانب عناوين جديدة.