كل الجهات تشابهت.. فاكتب على نعش الجنوب شمالْ

31 مارس 2017
+ الخط -




أشتاقُ للطفل الذي قد كان فيَّ وكنتُ فيهِ
وكان في لغتي يحلُّ ويرتدي جسدي النحيفْ
كمْ كان في حُلمي يباغتني
ويعرج بي إلى فردوسه العلوي بالبوح الشفيفْ
وأراهُ في وطني هناك
يعتّقُ الزيتَ المقدسَ في تجاعيدِ الرغيفْ
وأراهُ قرب النبعِ منتشيا ومنحنيا على خدِ النخيلْ
يتهجأُ الرطبَ الندي ويحتسي قدحاً من الأملِ الشهي
ويمتطي سرجَ الكلام المستحيلْ
وأراهُ يغمسُ لحمه في النارْ
وأراه يرضع ثديَ زنبقةٍ
وإذا تعرت للنسيم يغارْ


اشتاقُ والذكرى تبيح دمي
وتشعلُ في أخاديدِ الفتى القروي ألفَ خريفْ
يغفو الفتى في داخلي...
أصحو ويتركني غبارا فوق أكتافِ الرصيفْ
وحدي أنا في حفرة الزمن الكسيحْ
المجدلية أطفؤوا قنديلها
ووليدُ مريمَ بذرةٌ في الريحْ

وحدي أنا في حفرةِ الزمنِ الكسيحْ
أولادُ أُمي خنجرٌ في الخاصرةْ
والرومُ قد عادوا وقد وأدوا بحيرتنا القديمة في بلادِ الناصرة
وحدي أنا في حفرة الزمن الكسيحْ
الوحيُ جفَّ وجفتْ الألواحُ وانتحرَ المسيحْ
وحدي أنا أتأبط الحقَ المقدسَ ثم أعدو
ثم أعوي مثلَ ذئب في البراري المقفرةْ
يا أيها الصعلوك في الصحراء زندك مقبرةْ
يا آخرَ الأحياءِ أنذرهم وقلْ اليوم يومُ الآخرة
أسماؤنا النسيانُ واسمكَ ذاكرةْ
وحياتنا كرٌ وفرْ
فاخلعْ أميَّة مثلَ شوكٍ من يديكَ ولا تخفْ
واجعل أبا ذرٍ ولي الأمرْ

اليوم يوم القارعة
لم يبق في الشام العتيقة غير جرذٍ
أمُّهُ تغدو خماصا ثم ترجعُ جائعة
اليوم يوم القارعة
مات الحسينُ وكل شبرٍ في بلادكَ فاجعة
اليومَ يومُ القارعة
رأسي على رمحٍ يُشجْ
ودمي تفرقَ في القبائلِ والممالكْ
كلُ القبائلِ أنشبتْ أظفارها في لحمنا
وتعاهدت أن تعلنَ الإحرام في روما غدا
لنحجَ في العام الجديد ونستريحَ من المعاركْ

اليومَ يومُ القارعة
قد عاثَ أولادُ الحرامْ
ولم يعدْ في الكون متسعٌ لأولادِ الحلالْ
كل الجهاتِ تشابهتْ في موتها 
كبّر عليهم أربعا
واكتبْ على نعش الجنوبِ شمال 

كنَّا نحبكَ يا جنوبُ ولم نزلْ نحيا بهذا الحبْ
كنَّا نحبك خُنتنا وخذلتنا ورميتنا في قعرِ جبْ
كانت عباءتك الطهورة وحدها والكلُ فرَّ
وأنت وحدكَ في حُنينْ
كنا نراك مضرجا ومكفنا بدم الحسين
واليوم جرتك البسوس لحربها
فاهنأ بنصرك يا غراب البين

هل كنتَ تركضُ في دمي
هل كنت تكسر ألفَ قيدْ؟
أم كنتَ تركضُ في حقولِ الآخرينَ ككلبِ صيدْ؟
لا ناقةٌ لكَ يا جنوبُ ولا جملْ
غادرْ حروبكَ وارتقبْ فجرا نديا فوقَ أنقاضِ الأملْ
غادرْ حروبكَ ينتهي حلفُ الضجيجْ
أفرحتنا واليومَ قد أبكيتنا وتركتَ في صوت النبي نشيجْ
أنسيتَ ما قالَ النبيُ لصحبهِ عند الوداع ؟
دمكم حرام
بيروتُ قد نسيتْ حديثَ محمدٍ من ألفِ عام
واليومَ تنسى يا محمدُ في البقاعْ
جرحي وجرحكَ يا جنوبُ سواءْ

مات النبي وفاطمُ تبكي أباها خلسةً
وتشمُ رائحةَ الكساءْ
مات النبيُ ولا عمائم في المدى
إلا عمامةُ جرحك الأزلي في هذا الوباءْ

وحدي أنا في سكرةِ الموت العميْ
مات النبيُ وفاطمٌ ماتت كما مات النبي
وبكى عليٌ قربَ فاطمةٍ ودنا من النعش العليْ
قومي قليلا كي أطوفَ بوجهك النبوي سبعا
كي أذوبَ وكي أحلَّ وكي أموتْ

قومي قليلا حدثيني وارحلي
تعبتْ شفاهي من تراتيلِ السكوتْ
وحدي أنا في لجةِ الجبروت
تاه الصحابة وابن هند قادم في جيشه
وبني أمية ربهم عجل من الياقوت
ضجر الإمامُ من الخطيئة وارتمى في بطنِ حوتْ
دلالات
1C539F94-DF25-418C-A43E-009228379DC4
محمد البرغوثي

شاعر فلسطيني من مواليد رام الله عام 1989. يكتب قصيدة الفصحى، التي يغلب عليها الطابع الصوفي والوجداني، والقصيدة العامية التي يغلب عليها الطابع السياسي الساخر.

مدونات أخرى