يكاد يكون كتاب وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، هيلاري كلينتون، بعنوان "خيارات صعبة"، أقرب لتصريحات حملة انتخابية رئاسية، من أن يكون سيرة ذاتية. فرغم اللغة الرسمية التي وسمت الكتاب، ثمة الكثير من القصص الشخصية، والبوح المحسوب، والاستعراض المباشر وغير المباشر للمهارات المتعددة للوزيرة السابقة، مثل قدراتها على اختيار زملاء أكفاء، أو خبرتها الواسعة مع قادة العالم. ويبدو من الصعب على قارئ الكتاب أن يتخيل نسيانها ذكر مديح أي شخص لها من أي مكان في العالم.
تبدأ كلينتون كتابها كما بدأت في مسيرتها كوزيرة خارجية، أي بالتركيز على انعطافة السياسة الأميركية نحو المحور الآسيوي أو ما أسمته بـ "الميل لآسيا". وتتحدث بحماس عن الصين واليابان والكوريتين وبورما وبقية آسيا، التي تربطها بأميركا مصالح تجارية وسياسية. لكن عند الحديث عن أفغانستان وباكستان، تعبر كلينتون عن خيبة أمل كبيرة، ذلك أنه رغم الأموال الطائلة التي تتبرع بها الولايات المتحدة لهذين البلدين، فإن العلاقة ظلت تتسم بانعدام الثقة.
وليس بعيدا عن منطلق خيبة الأمل، تتناول كلينتون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تراها مصدرا للأزمات والتعقيدات، منفردة تقريبا بنصيب الأسد لجهة حجم التحديات التي تواجهها. وهي تحديات تبدأ من الحروب الأهلية وعدم الاستقرار، ولا تنتهي بالإرهاب والقمع وشبه انعدام وجود حليف نزيه. فعملية السلام "متعثرة" بين الفلسطينيين الذين ترى كلينتون أنهم قد "حُرموا من الكرامة وحق تقرير المصير". أما الإسرائيليون، وحسب تعبيرها، فقد اضطهدوا لزمن طويل قبل أن يؤسسوا دولة تشكل "حلماً حققه رجال ونساء على قدر كبير من التصميم".
الربيع العربي ضاعف من حجم التحديات في المنطقة، بحسب كلينتون. فلئن غابت الوجوه المعتادة، مثل مبارك وبن علي عن سدة الحكم، فإن من خلفهم ليست لديه الخبرة أو النظرة المستقبلية. وهنا تشير إلى لقائها مع شباب الثورة بعد الإطاحة بمبارك، وسؤالها إياهم في ما إذا كان لديهم خطة للانتقال من مرحلة التظاهر إلى مرحلة المشاركة في السياسة. وتقول إنها أدركت من إجاباتهم أن انعدام خبرتهم في تنظيم انتخابات يرافقه عدم اهتمام بمعرفة كيفيات وآليات الخوض في العملية السياسية برمتها. أما إزاء إيران، فتكرر كلينتون مواقف وزارتها المعروفة من اعتبار طهران من أكبر ممولي الإرهاب في العالم، وتدخلها في شؤون سورية والبحرين واليمن.
تدرك كلينتون جيدا أن سياسة أميركا نحو الشرق الأوسط تتسم بالتناقض أحيانا. ففي ليبيا مثلا سعت واشنطن إلى تكوين ائتلاف دولي بهدف حماية المدنيين من مجزرة محتملة هدد بها القذافي شعبه، أما في البحرين، فقد امتنعت الولايات المتحدة عن القيام بالتدخل ذاته، رغم خشية كلينتون، كما تقول، من تحول البحرين إلى بركة دماء بعد دخول القوات السعودية والإماراتية إليها. أما في سورية، فقد لعبت العوامل الأميركية الداخلية الدور الأهم، وبالتالي التزمت السياسة جانب الحذر الشديد من التورط المباشر.
وفي الوقت نفسه، حاولت كلينتون، كما تقول، أن تحفز الرئيس أوباما على التدخل لحماية المدنيين، لكنه لم يتحمس للفكرة. ومع أن دولا عربية، وفي مقدمتها السعودية، مارست ضغوطا كبيرة على واشنطن، كما تشرح كلينتون، لتسليح المعارضة السنية، لكن الولايات المتحدة تحفظت في بداية الصراع خوفا من وقوع هذه الأسلحة في الأيدي الخطأ. لكنها قررت في النهاية غض النظر عن تزويد بعض الدول العربية، وعلى رأسها السعودية، المعارضة السورية بالأسلحة.
وفي الوقت نفسه، حاولت كلينتون، كما تقول، أن تحفز الرئيس أوباما على التدخل لحماية المدنيين، لكنه لم يتحمس للفكرة. ومع أن دولا عربية، وفي مقدمتها السعودية، مارست ضغوطا كبيرة على واشنطن، كما تشرح كلينتون، لتسليح المعارضة السنية، لكن الولايات المتحدة تحفظت في بداية الصراع خوفا من وقوع هذه الأسلحة في الأيدي الخطأ. لكنها قررت في النهاية غض النظر عن تزويد بعض الدول العربية، وعلى رأسها السعودية، المعارضة السورية بالأسلحة.
في أكثر من مكان يفضح الكتاب بعض انطباعات الدول الغربية عن العرب وسياستهم. فمثلا وفي خضم الجهد لبناء ائتلاف للتدخل في ليبيا، تسأل كلينتون رئيس حلف الناتو في ما إذا كانت فرنسا قد أكدت استعداد الدول العربية للمشاركة، فيرد بالإيجاب، لكنه يردف قائلاً: "... لكن فرنسا تعلم أن ما يقوله العرب في المحادثات الخاصة عادة ما يتناقض مع ما يقومون به في العلن". وربما يكون أسلوب سرد هذه الرواية وشبيهاتها هو طريقة كلينتون في انتقاد الحكومات العربية - ولكن على لسان فرنسا.