ثار الجدل ولم يتوقّف إلى اليوم، عقب إقرار مجلس كلية الإعلام في جامعة اليرموك الأردنية (شمال)، خطة جديدة لبرنامج "الماجستير" في الإعلام، بإجراء تعديلات وصفت بـ"الجوهرية" على أسس القبول، كان أبرزها، "اقتصار القبول في البرنامج على حملة درجة البكالوريوس في الإعلام "فقط"، بعد أن كان مفتوحًا للتخصّصات الأكاديمية كافة.
هذا القرار، الذي وُصف في أوساط كثير من المتابعين، بالمفاجئ، أعاد الكرة لميدان الحديث عن المخرجات الحقيقية لكليات الإعلام في الأردن، والى أي مدى من الممكن أن يؤثر سلبًا هذا القرار على جودة هذه المخرجات، وسط شبه إجماع في الحالة الإعلامية الأردنية الآن، أن هذه الكليات، لم تُفلح، ووفق خططها الدراسية، سواءً النظرية أو العملية، في إنتاج مخرجات، تواكب متطلّبات الساحة الإعلامية والصحافية.
بل إن خبراء في الإعلام الأردني، ومنهم الباحث والمحلّل السياسي معاذ البطوش، والذي توقّع خلال حديثه لـ"جيل"، أن تكون نتيجة هذه الإجراءات "الغريبة"، كارثية، مرجحًا، أن "اتخاذ خطوات كهذه، من شأنها أن تعبد الطريق لقوانين تصدر من كل كلية إعلام في الأردن مستقبلًا، تمنع على الآخرين دراسة تخصّصاتها".
"إلكترونيا"، تفاعل ناشطون ضد هذه القرارات، على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، ورأوا فيها "رجوعا للخلف، وتخلفًا عن نهج الدول المتقدّمة أكاديميًا"، في حين علق آخرون على القرار، بـ"الخطوة المتعجّلة، التي تعالج الخطأ بخطأ أشدّ منه وأخطر".
ولا تخفى بالأساس، العديد من المصائب التي تعصف بالمنظومة الأكاديمية الإعلامية في الأردن، على أي متابع، وليس فقط، كما يرى ناشطون، ببعض القرارات التي صدرت عن كلية الصحافة والإعلام في جامعة اليرموك مؤخرا، تتعلق ببرنامج "الماجستير".
فـ"الإشكالية الحقيقية تبدأ بمعايير اختيار الطلبة أولًا لدراسة مواد الصحافة والإعلام، ذلك أن تعليمات مجلس التعليم العالي، وهي الجهة المسؤولة عن تنظيم التعليم الجامعي في الأردن، يُعدّ فيها المعدل شرطًا وحيدًا لاختيار الطالب، دون الالتفات إلى موهبته، ومدى رغبته أو قدرته على خوض غمار هذا الاختصاص"، بحسب هؤلاء الناشطين.
ولا تتوقّف الأمور عند رغبة الطالب وموهبته؛ بل إن الكثير من حملة شهادة الدكتوراه في مجال الإعلام، هم غير ممارسين، ولا يملكون مهارات التطبيقات الإعلامية، حتى إنهم لا يكتبون الأبحاث ولا يطوّرون قدراتهم، فـ"هناك نسبة لا بأس بها ممن يدرسون في كليات الإعلام، متخصّصون في علم الاجتماع، والسياسة، والإدارة، والتربية، بالإضافة إلى عدم استقرار أعضاء هيئة التدريس الجيّدين، نظرا للحوافز والمغريات الخارجية خاصة في السوق الجامعي الخليجي"، وفق أحد أساتذة الإعلام في كلية الصحافة والإعلام في جامعة اليرموك.
وأضاف المتحدّث، الذي فضل عدم الإفصاح عن هويّته في حديثه إلى "جيل"، أن "الجامعات تضطر للاستعانة بعدد من الأساتذة الأجانب، وبعضهم عناصر غير مؤهّلة، ويفتقر إلى المهارات التدريبية والتعليمية، ومخرجاتها ظاهرة للعيان".
ووفق ما تقدّم، تعجز كليات الإعلام في الأردن، ومنها كلية الصحافة والإعلام في "اليرموك"، عن توفير عضو هيئة تدريسية يجمع بين المهارات التطبيقية والخبرة العملية وشهادة الدكتوراه في مجال الإعلام، والنتيجة "تدريس بعض المساقات التطبيقية، أو التي تحتاج جزئيًا إلى تطبيقات عملية، بشكل نظري".
على ما يبدو، فإن مناحي الضعف التي تعتري كليات الإعلام في الأردن، خاصّة كلية الصحافة والإعلام في جامعة اليرموك، وكما يراها نائب عميد الكلية خلف الطاهات، تتجسّد فعليا، وبصورة جلية في أن "المساقات العملية، والتي تشكل 70% من الخطة الدراسية، تدرس نظريا"، معللا ذلك بـ"غياب المهارات المطلوبة لدى المدرسين، وغياب البنية التحتية التكنولوجية، وبالتالي، تبقى المحاضرات نظرية من دون نقاش وتفاعل".
وطالب الطاهات في حديث إلى "جيل"، بثورة إصلاح تجتاح ليس فقط كلية الإعلام في "اليرموك"، بل كل كليات الإعلام، مشددًا، على "استمرارية التحديث والتجديد في معرفة المدرّسين، ومراجعة الخطة الدراسية ومدى مطابقتها لسوق العمل ومدى تطابق الخطة الدراسية مع ما يدرس في الجامعة".
هيئة اعتماد مؤسّسات التعليم العالي، وهي الجهة التي ترسم الخطوط العامة للتعليم العالي في الأردن، وتشرف على مخرجات جودته، تشترط في معايير تخصّصات الصحافة والإعلام، توفير "مختبر للتحرير والإخراج الصحفي، موصول بشبكة الإنترنت، يحتوي على أجهزة حاسوب، بالإضافة إلى مستلزمات التصوير والتسجيل"، وفق مدير الهيئة بشير الزعبي.
ويبين الزعبي في حديث إلى "جيل"، أن الجامعات، وفقًا لمعايير الاعتماد الخاص للتخصّصات الإنسانية، ومنها الإعلام، تلتزم بتخصيص مكتبة إعلامية توفّر للطلبة إمكانية الاطلاع على الصحف والدوريات، وقواعد البيانات، والمواد السمعية والبصرية، المعاجم والموسوعات والمراجع اللازمة للتخصّص، إضافة لالتزامها بتوفير الكتب.
إلا أن أيّا من ذلك، وعلى أرض الواقع، غير متحقق بشكل كبير جداً، فطلاب الإعلام، سواء في "اليرموك" وغيرها، يعتمدون بشكل رئيسي على ما تسمّى "كرّاسات"، يجمعها المدرس من مصادر مختلفة، ويشتريها الطلاب من مكتبات داخل الجامعة، ليحفظوا ما فيها، ويمتحنون بها لاحقًا.
"غالبية المسابقات نظرية، وتعتمد في تقييم الطالب على الامتحانات النظرية بنسبة 90% من العلامة، بالإضافة إلى 10% على المشاركة، أما في المساقات التطبيقية، فيعتمد تقييم الطالب بنسبة 40-60% من علامة الطالب على الامتحانات النظرية، والبقية على التطبيقات الإعلامية"، بحسب عدد من طلبة كلية الصحافة والإعلام في جامعة اليرموك.
وتبرز الكارثة، عندما يتبيّن أن القضايا الإعلامية الراهنة، شبه مغيبة عن المساقات، سواء في الكراسات أو المحاضرات، التي تقتصر على معلومات نظرية قديمة غير متصلة بسوق العمل.
فمثلًا، تستند كراسة "أخلاقيات الإعلام" في كلية الصحافة والإعلام في "اليرموك"، والتي اطلع عليها "جيل"، على "ميثاق شرف نقابة الصحافيين الأردنيين" فقط، مع أنها غير محدثة منذ عام 2003، وهي محل جدل بين الصحافيين لما فيها من قيود على حريّة الإعلام، كما وتغيب عن الكراسة، النماذج الدولية المتنوّعة في أخلاقيات الإعلام.
أما مساق "الصحافة الإلكترونية" أيضا في اليرموك، فإنه يدرّس نظريا، بتتبع تاريخ تطور الإنترنت وسمات الصحافة الإلكترونية، وفقا لطلاب حديثي التخرج من كلية الصحافة والإعلام في جامعة اليرموك.
الكلية تعترف بذلك التقصير، وتؤكّد على لسان نائب عميد الكلية، خلف الطاهات، "أن أعضاء الهيئة التدريسية ملتزمون بتقديم خطة دراسية، ووصف للمساق وخارطة طريق وأدوات وطرق التدريس وتقييم الطلاب، في بداية كل فصل، لكنهم لا يطبقون ذلك خلال المحاضرات.
"أصحاب الأوراق الصفراء، أي الكراسات القديمة، من أولى المشاكل الواجب حلّها.. فكثير منهم يرفض تحديث الخطة الدراسية، خشية إلغاء كراساتهم"، وفق تعبير الطاهات.
أخيرًا، تستمر كليات وأقسام الإعلام في الأردن، وخاصة "اليرموك"، في تخريج مئات الطلبة، ممن حفظوا "دوسيهات" قديمة وغير مفيدة، وامتحنوا ونجحوا في اختباراتها، فينتقل قسم منهم إلى وسائل الإعلام، ليصبحوا صحافيين أو إعلاميين، وهم بالكاد قرؤوا كتابًا أو مرجعًا معمقًا في الإعلام، لتتفاقم مشكلة ضعف مقدّرات الصحافيين، المتعلقة بالثقافة والمعرفة.