كلفة بواخر الكهرباء الفاشلة تغطي اللبنانيين صحياً

19 اغسطس 2015
مسن بدون مأوى يأكل على الرصيف (جوزيف عيد/فرانس برس)
+ الخط -
سعاد في الثالثة والسبعين من عمرها. تعيش في منزل يتكوّن من غرفة واحدة، ويفتقر إلى الحد الأدنى من معايير الصحة. لسعاد ابنة واحدة، لا أحد يعرف عنها شيئاً. تعيش سعاد من مساعدات تقدمها لها إحدى الجمعيات الخيرية وبعض من الجيران الذين يعطفون عليها. تعاني سعاد من أمراض كثيرة، ضغط وسكري وألم في المفاصل، بالإضافة إلى مشاكل في الذاكرة تجعلها تخلط بين أحداث حياتها.

أمّا سمير، وعمره أيضاً حوالي السبعين، فيتجول منذ الصباح الباكر وهو يمسك "وصفة" الأدوية في يده، يتسوّل عطف المارين وبعض المال، لكي يستطيع تأمين ثمن دوائه الباهظ الثمن.

أبو جورج لا يتسوّل، وبرغم عمره الكبير، ما زال يحتفظ بقواه الجسديّة، ويعمل يومياً ساعات طوال، يبحث بين النفايات عن أشياء يستطيع بيعها ليؤمن مصروفه. يعيش مع زوجته بمفردهما، دون مساعدة أحد.

شفيقة بالكاد تستطيع أن تتحرك. ولداها توفيا في الحرب الأهليّة، وبقي لديها ابنة واحدة، هي التي تعيلها. تقضي نهارها جالسة أمام منزلها، ابنتها في العمل، وبحال أرادت تغيير مكان جلوسها أو الدخول إلى المنزل، تصرخ إلى أحد من جيرانها ليساعدها.


"كل يوم تزداد حالتها سوءاً. في الأشهر الثلاثة الأخيرة، قمنا بإدخالها مرتين إلى المستشفى"، تقول ابنتها رنا، مضيفة "لم أعد أستطيع تحمّل تكاليف المستشفيات، نحن نعيش بالدين".

أربع قصص تلخص المعاناة التي يعيشها اللبناني في شيخوخته. ففي لبنان يعيش المواطن أكثر من نصف حياته في العمل لتوفير الحد الأدنى من حياة كريمة، وحين يبلغ الـ64 عاماً، وفي الفترة التي تزداد حاجته للاستفادة من الضمان الاجتماعي للطبابة، يحرم منه، وإلا فعليه الدخول إلى نظام التأمين الصحي الخاص، الذي يمتاز بأكلاف باهظة جداً.

واللافت في هذا الإطار، أن كلفة شمول كافة اللبنانيين ومن بينهم المسنون بالضمان الصحي، تصل وفق عدد من الخبراء إلى حوالي 600 مليون دولار، في المقابل، تنفق الحكومات اللبنانية ملايين الدولارات على مشاريع فاشلة، منها دفع حوالي 400 مليون دولار لاستئجار بواخر كان من المفترض أن تؤمن الكهرباء في موازاة إنشاء معامل إنتاج طاقة، وقد هدر المبلغ، ولم ينطلق المعمل ولم تأت الكهرباء!

"مشروع قانون ضمان الشيخوخة أقرّ عام 2004 في مجلس الوزراء، إلا أنه توقف في مجلس النواب منذ عام 2008 بسبب النزاعات السياسية"، هذا ما يؤكده الناشط الاجتماعي جوزيف رسام. ويضيف "هناك العديد من الأسباب غير المعلنة التي أدّت إلى عدم إقراره، واحد منها هو المافيات السياسيّة، فهناك العديد من الأشخاص النافذين، إن كان داخل جهاز الدولة أو خارجها، ليس لهم مصلحة في إقرار القانون، كشركات التأمين وبعض الصناديق الخاصة مثلاً. أمّا السبب الرئيسي المعلن فهو إلى من ستكون مرجعيته، وأي من الأطراف سيشرف عليه، هل سيكون مرتبطا بالضمان الاجتماعي أو مستقلا".

أمّا الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي، فيؤكد "أن المحاصصة والفساد المستشري عائقان أمام إقرار المشروع، "لا يوجد محاسبة، فاللبناني غارق في مذهبيته وفرديته، والمسؤولون مستفيدون من هذا الأمر ويتلطون وراءه".


يشير رسام إلى ضرورة أن يكون المعاش التقاعدي مرتبطا حكماً بإنتاجية الشخص خلال فترة عمله، ولكن في الوقت نفسه يؤكد على الحق في مجانية الاستشفاء لكل مواطن لبناني مهما كانت إنتاجيته خلال مراحل حياته كافة. وانطلاقاً من هنا "يجب خلق وتفعيل مبدأ المساواة في موضوع الطبابة بين كل أطياف المجتمع. فلا يوجد امتياز لمواطن دون الآخر".

أمّا عن عدد الذين يستفيدون من القانون في حال إقراره، فيشرح يشوعي أنه و"بحسب الإحصاء الأخير الذي قام به الضمان الإجتماعي عام 2014، فهناك حوالي 700 ألف منتسب للضمان فقط، أي ما تبقى من اللبنانيين لا يطاولهم الضمان"، لافتاً إلى أنه من الطبيعي أن يدخل كل اللبنانيين في لوائح التغطية الصحية". وعن التكلفة المتوقعة للمشروع، يوضح يشوعي "أنه إذا أنجز الموضوع بشكل مدروس يمكن تأمين إيرادات، أمّا في حال عدم وجود رؤية، فسيتسبب ذلك في خسارة لخزينة الدولة".