27 سبتمبر 2018
كسورية وليبيا
كل إعلام النظم، وحتى الإعلام الغربي، يكرّر لازمة هي: كسورية وليبيا، مشيراً إلى أن على الشعوب أن تقبل بما تفرضه النظم من نهبٍ عليها، ومن سحق، أفضل من أن تعاني ما تعانيه كل من سورية وليبيا. على الشعوب أن تقبل كل السياسات الاقتصادية التي يفرضها صندوق النقد الدولي، وكل النهب الذي تقوم به الطبقة المسيطرة، والتي تتحكّم في الدولة. هذا هو ملخص الخطاب المعمم، من كل الرأسماليات المركزية والطرفية، وهي "مضطرة" إلى زيادة النهب، وبالتالي، إغراق الشعوب بالفقر الأشدّ من الشديد، الذي يؤدي إلى الموت جوعاً.
يعني ذلك أن الرأسماليات مصمّمة على زيادة النهب، ولا تستطيع التراجع عن ذلك، أو حتى التخفيف منه، فقد لاحظنا أنه على الرغم من أن الثورات عبّرت عن انحدار الوضع المعيشي للشعوب، نتيجة هذه السياسة الاقتصادية، إلا أن النظم استمرت في السياسات نفسها التي أوصلت إلى ذلك، وبخطواتٍ أشدّ حدّة. لهذا، تميل إلى تخويف الشعوب، سواء بإظهار القوة وتشديد العنف، أو عبر خطابٍ تخويفي عنوانه: سورية وليبيا. لكن، يمكن أن نسأل: لماذا حدث ذلك في سورية وليبيا؟ هل هو خطأ تمرُّد الشعوب، أو نتيجة وضع تاريخي فرضته النظم ذاتها، وصنعته هي بالذات؟
دمّرت النظم السياسة والتعليم، وأفقرت الشعوب، وبنت وجودها على أساس سياسة ليبرالية متوحشة اتسمت بالنهب الشامل. وحينما ثارت هذه الشعوب واجهتها بكل وحشية، لأن عليها أن تقبل كل هذا النهب، من دون أن تعترض أو تحتج. وكانت هذه الوحشية هي ما فتح على كل التدخلات الخارجية، سواء لأن الرأسماليات تريد تدمير الثورة قبل أن تصل إليها، أو لأنها تريد حصةً من خلال السيطرة. تتعلق المسألة، إذن، بالنظم ذاتها، بميلها إلى الإفقار الشديد للشعوب، وميلها إلى سحق هذه الشعوب حينما تثور.
بالتالي، ما معنى التخويف بسورية وليبيا؟ إنه يعني ضمن السياسة التي تتبعها النظم (التي تستخدم خطاب التخويف) أن على الشعوب أن تقبل الموت جوعاً، بدل أن تموت قتلاً. هكذا بالضبط. فالشعوب لم تَثُرْ "بمزاجها"، وهي أصلاً لا تميل لا إلى الثورة ولا إلى مخالفة النظم. لكن تثور، وبكل جرأة، حينما ينحدر وضعها إلى حالةٍ من الهاوية، حيث تعجز عن العيش، هكذا بالضبط تعجز عن العيش. وسبب ذلك هو نهب الطبقة المسيطرة وسطوة نظمها. بالتالي، ما قيمة التخويف هنا؟ وما قيمة الميل إلى السيطرة الشديدة، وممارسة القمع والضبط والاعتقال؟ لا شيء، بالضبط لأن ذلك كله يؤثر فقط في أشخاصٍ يخشون ما يخسرونه. لهذا، يبرّرون القبول بالأمر الواقع، ويكرّرون خطاب النظم، ويخوّفون بـ "سورية وليبيا". لكنه لا يؤثر في منْ يقف على حافة الموت جوعاً، حيث يتصرّف "غريزياً"، ومن ثم لا يعود يحسب لما يمكن أن يحدث معه، لأن ما يمكن أن يحدث معه هو حادث معه. التخويف من الموت قتلاً لا يخيف من يقف على حافة الموت جوعاً. الموت واحدٌ بغض النظر عن طريقة حدوثه، هكذا بالضبط.
في الواقع، تعمم الرأسماليات خطاب الخوف من الثورة، وهي تدفع الشعوب إلى الثورة. ولهذا، ليس من أثر لخطابها إلا للفئات التي هي ليست في وضع كارثي، بل إنها تعيش. ولهذا، يبدو خطاب التخويف هذا وكأنه خطاب لـ "الذات"، أي للنظم نفسها التي تريد أن تطمئن على أن استمرار نهبها والتوحّش في النهب لن يفضي إلى الثورة. هو مراوغة ذاتية لتبرير الإمعان في النهب، والقناعة بأنها قادرةٌ على ذلك، بعد أن أخافت الشعوب. وبالتالي، هو خطاب يدلّ على رُعب النظم وخوفها من الثورة، وبالتالي، حاجتها لما يُطمئنها بأن المجزرة الوحشية التي حصلت في سورية، والحرب الدموية التي تجري في ليبيا، كفيلتان بأن تمنعا الثورة ضدها.
لكن، وصل الوضع إلى لحظةٍ بات التخويف فيها بلا جدوى، فالموت يحيط بالشعوب، ولا حلّ أمامها سوى الثورة. هذه حالةٌ غريزيةٌ لا يوقفها العقل، بل يجب أن يُنجحها العقل.
يعني ذلك أن الرأسماليات مصمّمة على زيادة النهب، ولا تستطيع التراجع عن ذلك، أو حتى التخفيف منه، فقد لاحظنا أنه على الرغم من أن الثورات عبّرت عن انحدار الوضع المعيشي للشعوب، نتيجة هذه السياسة الاقتصادية، إلا أن النظم استمرت في السياسات نفسها التي أوصلت إلى ذلك، وبخطواتٍ أشدّ حدّة. لهذا، تميل إلى تخويف الشعوب، سواء بإظهار القوة وتشديد العنف، أو عبر خطابٍ تخويفي عنوانه: سورية وليبيا. لكن، يمكن أن نسأل: لماذا حدث ذلك في سورية وليبيا؟ هل هو خطأ تمرُّد الشعوب، أو نتيجة وضع تاريخي فرضته النظم ذاتها، وصنعته هي بالذات؟
دمّرت النظم السياسة والتعليم، وأفقرت الشعوب، وبنت وجودها على أساس سياسة ليبرالية متوحشة اتسمت بالنهب الشامل. وحينما ثارت هذه الشعوب واجهتها بكل وحشية، لأن عليها أن تقبل كل هذا النهب، من دون أن تعترض أو تحتج. وكانت هذه الوحشية هي ما فتح على كل التدخلات الخارجية، سواء لأن الرأسماليات تريد تدمير الثورة قبل أن تصل إليها، أو لأنها تريد حصةً من خلال السيطرة. تتعلق المسألة، إذن، بالنظم ذاتها، بميلها إلى الإفقار الشديد للشعوب، وميلها إلى سحق هذه الشعوب حينما تثور.
بالتالي، ما معنى التخويف بسورية وليبيا؟ إنه يعني ضمن السياسة التي تتبعها النظم (التي تستخدم خطاب التخويف) أن على الشعوب أن تقبل الموت جوعاً، بدل أن تموت قتلاً. هكذا بالضبط. فالشعوب لم تَثُرْ "بمزاجها"، وهي أصلاً لا تميل لا إلى الثورة ولا إلى مخالفة النظم. لكن تثور، وبكل جرأة، حينما ينحدر وضعها إلى حالةٍ من الهاوية، حيث تعجز عن العيش، هكذا بالضبط تعجز عن العيش. وسبب ذلك هو نهب الطبقة المسيطرة وسطوة نظمها. بالتالي، ما قيمة التخويف هنا؟ وما قيمة الميل إلى السيطرة الشديدة، وممارسة القمع والضبط والاعتقال؟ لا شيء، بالضبط لأن ذلك كله يؤثر فقط في أشخاصٍ يخشون ما يخسرونه. لهذا، يبرّرون القبول بالأمر الواقع، ويكرّرون خطاب النظم، ويخوّفون بـ "سورية وليبيا". لكنه لا يؤثر في منْ يقف على حافة الموت جوعاً، حيث يتصرّف "غريزياً"، ومن ثم لا يعود يحسب لما يمكن أن يحدث معه، لأن ما يمكن أن يحدث معه هو حادث معه. التخويف من الموت قتلاً لا يخيف من يقف على حافة الموت جوعاً. الموت واحدٌ بغض النظر عن طريقة حدوثه، هكذا بالضبط.
في الواقع، تعمم الرأسماليات خطاب الخوف من الثورة، وهي تدفع الشعوب إلى الثورة. ولهذا، ليس من أثر لخطابها إلا للفئات التي هي ليست في وضع كارثي، بل إنها تعيش. ولهذا، يبدو خطاب التخويف هذا وكأنه خطاب لـ "الذات"، أي للنظم نفسها التي تريد أن تطمئن على أن استمرار نهبها والتوحّش في النهب لن يفضي إلى الثورة. هو مراوغة ذاتية لتبرير الإمعان في النهب، والقناعة بأنها قادرةٌ على ذلك، بعد أن أخافت الشعوب. وبالتالي، هو خطاب يدلّ على رُعب النظم وخوفها من الثورة، وبالتالي، حاجتها لما يُطمئنها بأن المجزرة الوحشية التي حصلت في سورية، والحرب الدموية التي تجري في ليبيا، كفيلتان بأن تمنعا الثورة ضدها.
لكن، وصل الوضع إلى لحظةٍ بات التخويف فيها بلا جدوى، فالموت يحيط بالشعوب، ولا حلّ أمامها سوى الثورة. هذه حالةٌ غريزيةٌ لا يوقفها العقل، بل يجب أن يُنجحها العقل.