لا يمكن للسياسات، التي تنتهجها الدول الأوروبية والأميركية، في استقبال أعداد قليلة جداً من المهجّرين من بلدانهم، إلا أن تنعكس زيادة في الهجرة غير الشرعية، والتي تخلّف آلاف القتلى والمفقودين.
فقد بلغ عدد الذين هُجّروا من أوطانهم في عام 2010، 43 مليون شخص، وفق إحصائيات نشرتها منظمة الأمم المتحدة في عام 2011. ولم تستقبل الدول الأوروبية وأميركا الشمالية من هؤلاء سوى 1 إلى 5 في المائة، على الرغم من الضجة الكبيرة عن الأعداد التي يناقشها الأوروبيون بين بعضهم بعضاً وذلك مقارنة بما استقبلته دول الإقليم في مناطق النزاع.
وخلال الفترة الماضية انضمت سورية، وبلدان أفريقية، إلى قائمة الدول التي أنتجت الأزمات فيها المأساة الإنسانية الأكبر، فالتقديرات المتعلقة بملايين السوريين لا تحمل تضخيماً في الأعداد. وتقول أقل التقديرات إن نصف الشعب السوري البالغ حوالى 22 مليوناً، أصبحوا نازحين داخلياً ولاجئين خارجياً. وعلى الرغم من أن التركيز ظل لسنوات يتمحور حول اللاجئين، في دول الجوار القريبة أو البلدان البعيدة حتى مناطق أميركا الجنوبية وآسيا، إلا أنه حتى في داخل سورية، من بين هؤلاء النازحين، يوجد الآلاف ممن تضطرهم الأوضاع إلى ترك بلدهم بحثاً عن دولة أمان بعيداً عن الجغرافية القريبة من وطنهم.
وبقدر ما ساءت الأوضاع السورية وتعرّض شعبها لمزيد من التنكيل وتدمير البنى التحتية وانتفاء أبسط شروط الحياة، مع خطوات دولية وإقليمية لم تستطع أن تقدّم من واجباتها سوى مناشدات موسمية خلال 5 سنوات لمساعدة مخيم هنا وآخر هناك من الغرق تحت مياه الأمطار وانهيار الخيم تحت الثلوج، فإن الخيارات التي تُركت لهؤلاء السوريين لم تكن سوى المفاضلة بين أمرين يتداولهما الشارع: الموت في بلد محطم أو الموت غرقاً.
وأعلنت الأمم المتحدة أن العام الماضي 2014 كان "الأشد فتكاً بالمهاجرين"، فقد ذهب ضحية عمليات الهجرة 4077 شخصاً ومن بينهم 3419 غرقاً في البحر المتوسط. وتُبرر منظمات الأمم المتحدة ظاهرة الموت في محاولة العبور نحو أوروبا من شواطئ جنوب المتوسط بـ"ازدياد أعداد المهاجرين غير الشرعيين"، فحتى شهر أغسطس/آب الماضي، وصل إلى إيطاليا لوحدها 112 ألف مهاجر، وهي زيادة تُقدّر بثلاثمائة في المائة عن 2013، بينما تُقدّر منظمات أخرى أعداد هؤلاء بأكثر من 200 ألف إذا ما تم ضم بحر إيجة إلى البحر المتوسط، وهو ما ذهبت إليه منظمة "إمكان دار" التركية المتخصصة في مجال حماية حقوق المهاجرين واللاجئين. وما يزيد من حجم الفاجعة قول المنظمة إن عدد المفقودين في محاولة الهجرة عبر البحار، وصل إلى ما يقارب الـ20 ألف إنسان من دون أن يستطيع أحد تحديد مصيرهم، وما إذا كان بعضهم قد دخل أوروبا بأسماء ومعطيات شخصية أخرى. هذا عدا عن إحصاءات الأمم المتحدة التي تفيد بأنه مات حوالى 22 ألف شخص في مياه البحر منذ عام 2000 أثناء محاولة الوصول إلى أوروبا.
وفي حال افتراض أن عدد من حاول العبور بحراً في الأعوام القليلة الماضية هو في المتوسط 120 ألف إنسان، فإن نسبة من غرقوا واختنقوا قبل الوصول إلى الجزر الإيطالية واليونانية لا تقل عن 10 في المائة، وذلك ثمن باهظ جداً في الأرواح كان يمكن تجنبه وفق متخصصين، لو تضافرت الجهود لمحاربة الاستهتار بحياة البشر.
ولا تبدو زيادة أعداد المهاجرين واللاجئين هي السبب في موت كل تلك الأعداد، فالاتحاد الأوروبي ومنذ عام 2013 اتخذ إجراءات تشدد الرقابة على حدوده الجنوبية، وخصوصاً البحرية، بعد سلسلة من الانتقادات اللاذعة لسلطات الهجرة والسياسيين الإيطاليين. لكن تلك الإجراءات، التي جرى الحديث عن تعزيزها في 2014، فشلت فشلاً ذريعاً في وضع حد لمأساة تشير الأرقام إلى تزايد أرقامها بما لا يمكن للإنسانية تحمّله. ففي العام الماضي، وبطريقة ما، اتخذ الاتحاد الأوروبي خطوة أثارت سخط المنظمات الإنسانية حين قرر الكف عن عمليات الإنقاذ والتبرير الرسمي كان "لمنع تشجيع التهريب وركوب المخاطر".
في الربع الأول من العام الحالي، 2015، عادت الأمم المتحدة لتكرر صفة "إحصاء الموتى" ببيانات تُذكّر بأن أعداد من لقوا حتفهم عبر المتوسط بلغ 500 إنسان، وهو رقم غير دقيق إذا ما أضيف إليهم من غرق بعيد صدور "الإحصاء" في كل من بحر إيجة والمتوسط.
جاءت الكارثة الأخيرة لغرق ما بين 700 و900 شخص أمام جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، لتكشف حجم المأساة التي حذرت منها أصوات كثيرة داخل أروقة السياسة الأوروبية. ولم تستطع البحرية الإيطالية إنقاذ سوى 24 مهاجراً وانتشال 28 جثة بحسب ما صرح به رئيس الوزراء الإيطالي، ماتيو رينزي، الذي ثار غضبه من "لا مبالاة الاتحاد الأوروبي" بسبب سياسات حماية الحدود الأوروبية التي تشغل بال ساستها وعينهم على الانتخابات وكسب أصوات الناخبين، بكثير من التشدد تجاه اللاجئين، وقليل من الجهد سوى بإطلاق مشاريع نظرية عن "مساعدة هؤلاء في البلاد القريبة".
فالاتحاد الأوروبي ظل يتعامل بصرامة مع قضية تسجيل اللاجئين في مناطق النزاع، ويرفض منح هؤلاء تراخيص دخول ودراسة طلباتهم كما طالبت، ولسنوات، منظمات إنسانية، إلى أن تفاقمت عمليات التهريب التي لم تنتج سوى المزيد من الكوارث.
الاتحاد الأوروبي... حزن بلا طائل
تكررت تصريحات السياسيين الأوروبيين في الاتحاد الأوروبي حول ضرورة وضع حدٍّ للمآسي خلال السنوات الماضية، وبدا المشهد وكأنه تكرار لخطابات التنديد بالاستهتار الحاصل بحياة الناس وقيمتها. وعلى الرغم من الدعوات منذ عام 2011 لوضع حد لعمليات التهريب الخطرة عبر المتوسط، إلا أن المراقب للخط السياسي والإجراءات العلمية لا يجد تصرفات أوروبية جدية في هذا الاتجاه. فقد باتت أصداء الكوارث في المتوسط معضلة أخلاقية وسياسية للمشرّعين والأجهزة الحكومية التنفيذية، التي تعتمد كثيراً على قضايا تشديد القوانين على الورق بحق الواصلين من اللاجئين، وليس المهربين، أو اتخاذ خطوات عملية لمساعدة هؤلاء في طرق للتقدّم بطلبات اللجوء والهجرة بدل المخاطرة عبر شبكات التهريب، التي تجني مبالغ طائلة منهم وتكدسهم بالمئات في مراكب لا تصلح للعشرات.
مشكلة الهجرة غير الشرعية أن السلطات الأوروبية تعاملت معها بكثير من البيروقراطية وقليل من الإنسانية، بحسب أوصاف متخصصين إيطاليين ومنظمات حقوقية وصحافيين في الاتحاد الأوروبي والمعارضات الحزبية اليسارية.
وتوجّه الاتحاد الأوروبي لعقد اجتماع طارئ على مستوى وزراء الخارجية أو القمة بعد فاجعة غرق كل تلك الأعداد، عدّه مراقبون أوروبيون مؤشراً على "حجم المأزق الأخلاقي والسياسي" لدول الاتحاد، وخصوصاً في العلاقة مع إيطاليا واليونان ودول حوض المتوسط.
فرئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، فهم رسالة رئيس الوزراء الإيطالي الذي دعا إلى قمة عاجلة بالقول: "نحن لا نتحدث عن أمور عادية بل عن الحياة الإنسانية. وإذا لم نتوصل إلى حل لجذور المشكلة، فلن ننجح أبداً في معالجتها، فالاتجار بالبشر هو جرح في خاصرة أوروبا".
اقرأ أيضاً: هل تغلق القارة الأوروبية حدودها بوجه اللاجئين؟
الايطاليون ومنذ العام الماضي لم يلزموا أنفسهم بقرار الاتحاد بوقف عمليات الإنقاذ، ولهذا فهم الأكثر تأثراً بمشاهد موت المئات من المتوجّهين نحو شواطئ الجزر الإيطالية. ولهذا يقول سياسيوها، وعلى رأسهم رئيس وزرائهم، إن القضية لا تكمن في مراقبة الحدود البحرية "بل بملاحقة المهربين الذين يمارسون عبودية".
اجتماع وزراء عدل وخارجية الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ ربما يؤشر إلى حجم المأزق، الذي تعيشه الدول الـ28 في مسألة التعامل مع الهجرة غير الشرعية. وهؤلاء الوزراء يناقشون قضايا ربما تستجيب لمطالب إيطاليا لخطوات أوسع من خطوتها في "مار نوستروم" التي شكّلتها بنفسها، ويتشكك العديد من الوزراء الأوروبيين في الطلب الإيطالي مثلما كان عليه في السابق من أن زيادة عمليات الإنقاذ وتسيير دوريات مشتركة كبيرة ستؤدي لزيادة الهجرة والتهريب. هذه المسائل قد تؤدي في النهاية إلى تعميق الخلافات الأوروبية الداخلية، مما يستدعي بالفعل الاجتماع، على مستوى قادة دول الاتحاد، لاتخاذ حلول ومواجهة كوارث ربما تكون أكبر مع تزايد رحلات الهجرة في الصيف.
ضحايا في محاولات الوصول للسواحل الإيطالية
عام 2015: منذ بداية العام الحالي، قضى 1500 إنسان قبل أن يشاهدوا جزيرة لامبيدوزا الإيطالية. وفي التاسع عشر من أبريل/نيسان الحالي تُقدّر الأرقام بأن 900 إنسان ماتوا غرقاً على بعد 200 كليومتر من شواطئ الجزيرة.
في الخامس عشر منه، فُقد حوالى 400 شخص قبالة السواحل الليبية في طريقهم إلى الجزيرة، وبحسب منظمة "إنقاذ الطفولة" فإن المركب كان يحمل 550 شخصاً بعد انتشال أشخاص من مركب غارق، ليصعدوا إلى متن مركب غرق بالجميع.
وانتشل خفر السواحل الإيطالي في الخامس من مارس/آذار، 121 ناجياً من مركب غارق. وفي الحادي عشر من فبراير/شباط فُقد أثر أكثر من 330 شخصاً بعد تصادم قبالة سواحل جزيرة لامبيدوزا.
عام 2014: قامت البحرية الإيطالية بانتشال 16 جثة من مركب إنقاذ صغير في الرابع من ديسمبر/كانون الأول. وفي الثالث من أكتوبر/تشرين الأول قُتل 130 شخصاً في تصادم أمام السواحل الليبية.
وفي الخامس عشر من سبتمبر/أيلول، قُتل حوالى 700 بعد أن قام مهربون قبالة السواحل المصرية بإغراق متعمد لمركبهم وهم في طريقهم إلى أوروبا، بحسب منظمة الهجرة الدولية، التي وصفت الحادث بأنه جريمة إبادة جماعية. وفي ذلك الحادث قُتل المئات من السوريين والفلسطينيين من غزة.
وقُتل 220 مهاجراً في الخامس والعشرين من أغسطس/آب، في تصادم مركبهم أمام السواحل الليبية. وفي الثلاثين من يوليو/تموز تم انتشال 20 جثة أمام السواحل الليبية، واُنقذ 22 مهاجراً بينما مات بقية ركاب المركب المقدر عددهم بـ150.
في الحادي والعشرين من يوليو/تموز، انتشلت البحرية الإيطالية مركباً غارقاً على متنه 61 شخصاً من حادثة غرق ذهب ضحيتها 20 مهاجراً بحسب الناجين.
ومات 29 شخصاً اختناقاً بسبب حشرهم أسفل مركب، ومنعهم من الصعود لاستنشاق الهواء، وجلهم أفريقيون، في العشرين من يوليو/تموز. وفي الثاني من يوليو/تموز انتُشلت 45 جثة بعد تصادم مركبهم مع مركب آخر.
في 14 يونيو/حزيران انتشلت البحرية الإيطالية 45 جثة من حطام مركب غارق قبالة سواحل ليبيا. وفي الثاني عشر من مايو/أيار غرق مركب يحمل المئات بعد تعطّله بين ليبيا وإيطاليا، فمات 40 شخصاً نتيجة البرد والجوع.
كما فُقد 7 أشخاص وانتُشلت جثث 22 بعد أن تعطل مركبهم في الطريق إلى اليونان في الخامس من مايو/أيار. وفي السادس من فبراير/شباط، قُتل 15 شخصاً غرقاً بعد محاولتهم السباحة إلى السواحل الإسبانية. وفي 20 يناير/كانون الثاني علق مركب وبدأ بالغرق أمام السواحل الإيطالية ومات نتيجة ذلك 12 شخصاً.
عام 2013: غرق 200 مهاجر قبالة السواحل المالطية في الحادي عشر من أكتوبر/تشرين الأول وتم انتشال 186 شخصاً. وفي الثالث منه، تم انتشال 336 جثة وفقدان أثر الكثيرين في أكثر الحوادث إيلاماً منذ سنوات حينها أمام سواحل لامبيدوزا الإيطالية.
وفي العاشر من يوليو/تموز، أنقذ خفر السواحل مركباً من الغرق كان يحمل المئات، ومات بنتيجة ذلك 54 شخصاً من العطش.
عام 2012: في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني أنقذت البحرية الإيطالية 200 مهاجر من عدة مراكب غارقة قبالة سواحل لامبيدوزا. وفي السابع من سبتمبر/أيلول، وعلى الرغم من كل محاولات الإنقاذ، إلا أنه فُقد في نهاية ذلك الأسبوع 58 شخصاً غرقاً بينما تم انتشال 40 مهاجراً.
في العاشر من يوليو/تموز، أنقذ خفر السواحل التونسي مركباً مطاطياً وجدوا بعض الناجين فيه وحوله 54 شخصاً غارقاً تطفو جثثهم. وبحسب ما أخبر الناجون فقد كانوا على متن مركب بالمئات، واعتبر هؤلاء مفقودين، وتم اعتقال قبطان ذلك المركب بعد أن دلّ عليه ناجون ارتيريون.
عام 2011: في الأول من أغسطس/آب، وجدت البحرية الإيطالية مركباً على متنه 25 جثة أثناء محاولة الإبحار نحو إيطاليا، ووجدت 268 مهاجراً من دون تفسير كيف مات الباقون. وفي الثاني إلى الرابع من يونيو/حزيران طفت عند الشواطئ التونسية جثث 150 مهاجراً أفريقياً، ذكرت الأمم المتحدة آنذاك أنهم ضحايا مركب غارق متّجه إلى إيطاليا. واعتبرت المنظمة الدولية أن 270 شخصاً يُخشى أنهم ماتوا أيضاً غرقاً ولم يتم العثور على جثثهم.
وفي نهاية الأسبوع نفسه، مات العشرات في مراكب صيد صغيرة، بينما أنقذت البحرية التونسية 570 لاجئاً أصابهم الذعر وقفزوا من المركب، وقلة منهم استطاع تحمل القفز إلى مراكب نجاة بعد اصطدام متكرر.
في عاصفة بحرية شهدها البحر المتوسط يوم السادس من أبريل/نيسان، فُقد أثر 150 لاجئاً قبالة سواحل جزيرة لامبيدوزا، بينما أُنقذ 48 شخصاً.
وبحسب منظمة العفو الدولية، في عام 2011 فقد 1500 مهاجر غير شرعي حياتهم غرقاً وعطشاً واختناقاً في محاولة العبور نحو الجزر الإيطالية.
اقرأ أيضاً: موسم الغرق في المتوسط