كردلة... قرية فلسطينية على طريق التهجير القسري

05 يناير 2019
تظاهرة فلسطينية ضد الاستيلاء على الأراضي (نضال اشتيه/ الأناضول)
+ الخط -


كثيرة هي الانتهاكات التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في حقّ قرية كردلة وأهلها، هي المصنّفة "سي" في إطار اتفاقية أوسلو. وتُسرَق مساحات منها لبناء مستوطنات، في حين يُحرم أهلها من الحقوق والخدمات الأساسية.


تقع قرية كردلة الصغيرة في الأغوار الشمالية الفلسطينية، وتتبع لمحافظة طوباس في شمال شرق الضفة الغربية المحتلة، وهي تتعرّض إلى انتهاكات عدّة من قبل الاحتلال الإسرائيلي الذي يحاول سرقة مساحات شاسعة منها وبناء مستوطناته ومعسكراته على تلالها.

تبلغ مساحة القرية نحو ثلاثة آلاف دونم (الدونم الواحد يساوي ألف متر مربع) وهي مصنّفة منطقة "سي" بحسب اتفاقيّة أوسلو الموقعة بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، لكنّها على طريق التهجير القسري. يعيش فيها نحو 500 شخص يعتمدون بالدرجة الأولى على الزراعة بأنواعها الثلاثة المحمية والمكشوفة والأشجار المثمرة، والتي يبدأ موسمها من بداية أكتوبر/ تشرين الأول وينتهي في أواخر إبريل/ نيسان. ثمّ يطرح الأهالي محاصيلهم في أسواق مدن الضفة الغربية ويصدّرونها كذلك إلى بعض من الأراضي الفلسطينية المحتلة في عام 1948.

ويُمنع على أهالي القرية إجراء أيّ تغيير فيها، فيعجزون بالتالي عن التوسّع العمراني، والاستفادة بالحد الأدنى من خدمات البنى التحتيّة، و بناء مسجد للصلاة، وبناء روضة أو مدرسة لتعليم الصغار أو حتى عيادة صحية. يقول رئيس المجلس القروي غسان فقها، المحروم من بناء مقرّ للمجلس فيحمل حقيبة أوراقه ويتنقّل بها، إنّ "تصنيف القرية سي حرمها من التقدم والتطور والخدمات. الاحتلال لا يريد لأهالي القرية البقاء فيها، ويعمد إلى مخططات لتهجيرهم بهدف بناء مستوطنات ومراكز تدريب عسكري ونقاط للرماية العسكرية وغيرها". يضيف فقها أنّ "الاتحاد الأوروبي شرع قبل أشهر عدّة ببناء مبنى صغير من المفترض أن يُستخدم كمجمع لتقديم الخدمات، يضمّ عيادة صحية وروضة أطفال ومقرّ للمجلس القروي. لكن ما يسمّى بتنظيم الإدارة المدنية التابع لقوات الاحتلال اقتحم القرية قبل شهرَين وهدّد بهدم المجمع. والأسبوع الماضي، صادر شاحنة إسمنت بحجة البناء من دون ترخيص".



ولأنّ الاحتلال يعجز عن مواجهة صمود أهالي كردلة في قريتهم، فإنّه يعمد إلى التضييق عليهم. على سبيل المثال، حصّة القرية من المياه تقدّر بخمسة أكواب مكعّبة فقط في الساعة لكل الأهالي، ويفترض أن تستخدم للشرب وريّ المزروعات وسقاية الأغنام، بينما تُضخّ كميات كبيرة للمعسكرات والبؤر الاستيطانية الصغيرة المحيطة بها.

تجدر الإشارة إلى أنّ الاحتلال يصنّف معظم الأراضي المحيطة بالقرية بأنها مناطق عسكرية مغلقة، ويحظر على الفلسطينيين الوجود فيها، ما يعني أنّ مناطق رعي الماشية التي يقصدها الأهالي محدودة. كذلك عمد الاحتلال إلى إغلاق معبر مدينة بيسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة في عام 1948، الذي يبعد عن كردلة نحو كيلومترَين فقط، الأمر الذي يعقّد تصدير منتوجاتهم الزراعية. ويقول فقها إنّه "في حال أراد المزارع تصدير محصوله الزراعي إلى مدينة بيسان، يضطر إلى التوجّه إلى معبر الجلمة الذي يبعد عن القرية نحو 70 كيلومتراً، وهذا يستغرق وقتاً، فتتضرر البضاعة ويفسد بعضها ولا تصل طازجة، ما يخفّض سعرها وقيمتها ويؤدّي إلى خسارة المزارع".

تشتهر القرية بزراعة الخيار، تحديداً الذي يستخدم في المخلّلات، فهو ينضج في خلال عشرين يوماً وسعره مناسب وثابت. لكنّ إغلاق المعابر، بحسب فقها، وقلة الطلب من قبل المصانع، بالإضافة إلى غياب ما تطلّبه الزراعة من أدوية وأسمدة نتيجة منعها من قبل سلطات الاحتلال بذرائع أمنية وبحجة استخدامها في صناعة الصواريخ، كل ذلك أثّر على تطوّر القطاع الزراعي في القرية. من جهة أخرى، فإنّ تراجع هطول الأمطار بشكل كبير في خلال السنوات الأخيرة كان له أثره السلبي، فساهم الجفاف وتغيّر المناخ بشكل أو بآخر في الحدّ من نموّ القطاع الزراعي وتكبّد المزراعين خسارات كبيرة. وقد أُجبِروا على ترك أراضيهم والتخلي عن الزراعة والبحث عن وسائل أخرى للعمل وتأمين قوتهم اليومي.

وتعاني كردلة من شحٍّ في المياه على الرغم من وقوعها على حوض مياه كبير يعدّ ثاني أكبر حوض مياه في فلسطين، فالاحتلال يسيطر عليه ابشكل كامل في حين يمنع المجلس القروي من حفر الآبار لاستخراج المياه. ويسرق الاحتلال نحو ألفَي كوب مكعّب من المياه لمصلحة مستوطناته المنتشرة في الأغوار الشمالية وثكناته العسكرية، ويحرم أهالي القرية من الحصول على حصتهم الكاملة من المياه.



منذ ما قبل احتلال الضفة الغربية، يعيش أهالي القرية في بيوت حجرية، وقد تمكّن البعض بعد الاحتلال من بناء بيوت من حجارة الطوب. لكن في ظلّ البناء المحدود وعدم توفّر تراخيص له، يعيش كثيرون في بيوت من حديد وأخرى من قماش لا تقيهم حرّ الصيف ولا برد الشتاء. ويقول فقها إنّ "الإجراءات التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي على أهالي كردلة تدفع إلى التهجير. في القرية وحدها أكثر من ثمانية شباب لم يتمكنوا من البناء بسبب إجراءات الاحتلال، وقد اضطروا إلى النزوح إلى مناطق وقرى مجاورة بهدف الزواج والبناء وعيش حياة طبيعية أسوة بأي شخص في العالم".