04 نوفمبر 2024
كردستان لم تنفصل.. ولكن
بدأت أزمة إقليم كردستان العراق في الانفراج، بعد أن تغير موقف رئيس الإقليم مسعود البارزاني، بقبول الحوار وتأجيل أعمال نتائج الاستفتاء التي جاءت بتأييد الانفصال عن العراق بنسبة تجاوزت 92%. فبعد أيام قليلة من إجراء الاستفتاء في 25 سبتمبر/ أيلول الماضي، ووصول الأزمة إلى حالة عناد متبادل بين طرفيها الرئيسييْن، الحكومة المركزية العراقية في بغداد وحكومة إقليم كردستان في أربيل، حدث تحول إيجابي مفاجئ. على خلفية تدخل المرجع الشيعي علي السيستاني، وتبنيه موقفاً أكثر وضوحاً من الأزمة وتفاعلاتها، بعد أن ظلت المواقف والإشارات الصادرة من النجف غامضة، وغير حاسمة.
وعلى الرغم من محاولات عدة، قامت بها أطراف عربية وإقليمية ودولية، لإقناع الأكراد بالتخلي عن الاستفتاء، إلا أن موقف البارزاني كان مُتشدداً بشأن ضرورة إجراء الاستفتاء. ولم يكن واضحاً سبب هذا الموقف المتصلب، هل لأن الاستفتاء يعد بذاته غاية نهائية، أم أنه متطلب ضروري لا بد من استيفائه، لتحقيق غاية أبعد، هي بالطبع الانفصال وإعلان دولة كردية.
انكشف هذا الغموض، بعد إعلان السيستاني رفض المرجعية أي مساسٍ بوحدة العراق، ودعوته الطرفين إلى الحوار والتفاهم السلمي. مؤكداً رفضه استخدام القوة المسلحة، وأن المدخل الصحيح لحل الأزمة هو المدخل السلمي. وعلى الرغم من أن مبادرة السيستاني لم تختلف كثيراً عن مبادرات ووساطات أخرى، عراقية وخارجية، إلا أن تدخل المرجعية الدينية كان كفيلاً بأن يعدل البارزاني مواقفه، ويغير تكتيكه في إدارة الأزمة.
بالتأكيد، لم يكن مسعود البارزاني يتوقع ترحيباً بالاستفتاء، سواء داخل العراق أو من الدول المجاورة المعنية مباشرة به. بل كان بالتأكيد يعلم جيداً أن المشهد السياسي داخل النسيج الكردي نفسه ليس مواتياً لإعلان الانفصال. لكنه أيضاً يدرك أن السيولة تضرب منطقة الشرق الأوسط، وأن عملية تفكيك وتركيب تجري على قدم وساق في اتجاهات مختلفة.
وصار لبعض القوى والمكونات الداخلية والإقليمية وزن أكبر، ودور أهم، بحكم امتلاك أوراق ضغط أو قدرات خاصة تلائم المهام المطلوبة.
مثال ذلك الحرب على "داعش"، وما فرضته من دور جوهري للأكراد. سواء في العراق بواسطة البشمركة، أو في سورية، فيما عرف بقوات سورية الديمقراطية "قسد". وكلاهما منح زخماً للمسألة الكردية، وأعطى الأكراد مزيداً من الثقة والحماس في الوقت ذاته، للتحرك نحو استعادة كيانهم السياسي المستقل المفقود.
ويؤكد ذلك أن ردود الفعل المباشرة على إعلان الأكراد إجراء الاستفتاء لم تكن بالقوة والحزم اللازمين، خصوصاً من القوى الكبرى، سواء الولايات المتحدة أو روسيا، فضلاً عن الاتحاد الأوروبي. بل ترفض القوى الإقليمية، بما فيها إيران وتركيا اللتان ترفضان بشدة انفصال كردستان، أصيبت بحالةٍ من الارتباك، أو ربما التردد. فلم تبادرا إلى اتخاذ إجراءات عقابية ضد كردستان، إلا بعد إتمام عملية الاستفتاء فعلياً.
الدلالة في تلك الملابسات، أن استفتاء كردستان لم يكن مقصودا منه الوصول إلى الانفصال الفعلي بشكل عاجل. وهو ما يفسر تراجع البارزاني، وقبوله الحوار والتفاهم. كان هدف البارزاني مزدوجاً، مرحلياً رفع سقف المطالب وتحسين الموقف التفاوضي مع بغداد، فيما يتعلق بالموارد وتقسيم النفوذ والدور، سواء في داخل العراق أو خارجه، تحديداً في سورية.
على التوازي، من شأن الاستفتاء أن يخلق أمر واقع جديد. حيث يُرسي أساساً قانونياً للانفصال، يمكن البناء عليه لاحقاً عندما تسمح الظروف. كما أنه يمثل بالنسبة للبارزاني ورقة انتخابية، ومدخلاً لتكريس سلطته واستعادة شعبيته التي تراجعت أخيرا، في ظل معارضة منظمة وقوية لسياساته وإدارته الإقليم.
الاستفتاء لا يعني انفصال كردستان عن العراق.. لكنه إعلان رسمي مدعوم بتأييد شعبي، بأن الحلم الكردي الذي طال انتظاره عقوداً، صار قابلاً للتحقق، عاجلاً أو آجلاً.
وعلى الرغم من محاولات عدة، قامت بها أطراف عربية وإقليمية ودولية، لإقناع الأكراد بالتخلي عن الاستفتاء، إلا أن موقف البارزاني كان مُتشدداً بشأن ضرورة إجراء الاستفتاء. ولم يكن واضحاً سبب هذا الموقف المتصلب، هل لأن الاستفتاء يعد بذاته غاية نهائية، أم أنه متطلب ضروري لا بد من استيفائه، لتحقيق غاية أبعد، هي بالطبع الانفصال وإعلان دولة كردية.
انكشف هذا الغموض، بعد إعلان السيستاني رفض المرجعية أي مساسٍ بوحدة العراق، ودعوته الطرفين إلى الحوار والتفاهم السلمي. مؤكداً رفضه استخدام القوة المسلحة، وأن المدخل الصحيح لحل الأزمة هو المدخل السلمي. وعلى الرغم من أن مبادرة السيستاني لم تختلف كثيراً عن مبادرات ووساطات أخرى، عراقية وخارجية، إلا أن تدخل المرجعية الدينية كان كفيلاً بأن يعدل البارزاني مواقفه، ويغير تكتيكه في إدارة الأزمة.
بالتأكيد، لم يكن مسعود البارزاني يتوقع ترحيباً بالاستفتاء، سواء داخل العراق أو من الدول المجاورة المعنية مباشرة به. بل كان بالتأكيد يعلم جيداً أن المشهد السياسي داخل النسيج الكردي نفسه ليس مواتياً لإعلان الانفصال. لكنه أيضاً يدرك أن السيولة تضرب منطقة الشرق الأوسط، وأن عملية تفكيك وتركيب تجري على قدم وساق في اتجاهات مختلفة.
وصار لبعض القوى والمكونات الداخلية والإقليمية وزن أكبر، ودور أهم، بحكم امتلاك أوراق ضغط أو قدرات خاصة تلائم المهام المطلوبة.
مثال ذلك الحرب على "داعش"، وما فرضته من دور جوهري للأكراد. سواء في العراق بواسطة البشمركة، أو في سورية، فيما عرف بقوات سورية الديمقراطية "قسد". وكلاهما منح زخماً للمسألة الكردية، وأعطى الأكراد مزيداً من الثقة والحماس في الوقت ذاته، للتحرك نحو استعادة كيانهم السياسي المستقل المفقود.
ويؤكد ذلك أن ردود الفعل المباشرة على إعلان الأكراد إجراء الاستفتاء لم تكن بالقوة والحزم اللازمين، خصوصاً من القوى الكبرى، سواء الولايات المتحدة أو روسيا، فضلاً عن الاتحاد الأوروبي. بل ترفض القوى الإقليمية، بما فيها إيران وتركيا اللتان ترفضان بشدة انفصال كردستان، أصيبت بحالةٍ من الارتباك، أو ربما التردد. فلم تبادرا إلى اتخاذ إجراءات عقابية ضد كردستان، إلا بعد إتمام عملية الاستفتاء فعلياً.
الدلالة في تلك الملابسات، أن استفتاء كردستان لم يكن مقصودا منه الوصول إلى الانفصال الفعلي بشكل عاجل. وهو ما يفسر تراجع البارزاني، وقبوله الحوار والتفاهم. كان هدف البارزاني مزدوجاً، مرحلياً رفع سقف المطالب وتحسين الموقف التفاوضي مع بغداد، فيما يتعلق بالموارد وتقسيم النفوذ والدور، سواء في داخل العراق أو خارجه، تحديداً في سورية.
على التوازي، من شأن الاستفتاء أن يخلق أمر واقع جديد. حيث يُرسي أساساً قانونياً للانفصال، يمكن البناء عليه لاحقاً عندما تسمح الظروف. كما أنه يمثل بالنسبة للبارزاني ورقة انتخابية، ومدخلاً لتكريس سلطته واستعادة شعبيته التي تراجعت أخيرا، في ظل معارضة منظمة وقوية لسياساته وإدارته الإقليم.
الاستفتاء لا يعني انفصال كردستان عن العراق.. لكنه إعلان رسمي مدعوم بتأييد شعبي، بأن الحلم الكردي الذي طال انتظاره عقوداً، صار قابلاً للتحقق، عاجلاً أو آجلاً.