صديقتي الجميلة،
لم أجد في طريق عودتي المجلّلة بالخيبة والدم، الأميرات اللاتي كنّ يجلسن على الشرفة المطلّة على ساحة مسجد الأمويين، كما اعتادت جدتي الفلسطينية أن تروي لي الحكاية؛ كل ليلة تريدني أن آوي إلى سريري مبكرة.
لا، وجدت نساء أخريات يغبن وراء ستارة سوداء؛ بوجوه شاحبة وملامح حزينة تقطع ما تبقى من خيوط القلب، يخبئن أشلاء الأحبة، الجيران، والأولاد، مع حكايات الليل والياسمين خلف ستارة قاتمة السواد في خريطة البلاد.
هنا يجيء الوقت على أطراف أصابعه متسللاً، يحمل رائحة موت، كمن يعتذر من ضحيته بعد أن يحدق بوجهها الذي شحبت ملامحه وانسحبت، حيث الغياب ضيف ثقيل الظل ومقيم.
هنا تباغتك عصابات الظلام السوداء، التي تتكاثر في الظلام، عصابات الردة.. عصابات الأخوة، الأصدقاء، الأشقاء، الأعداء القريبون وأولئك البعيدون.
تمضي قدماً دون أن تلتفت إلى الوراء، ودون أن يرف لها جفن، وبلا أغطية يتناسلون من العتمة الكثيفة، والخفيفة، ليس ثمة فرق سوى بأعداد بسيطة لا تعد من الضحايا، معلنين بدء حفلة موت لا تنتهي بكومة أجساد محترقة، ناشفة كحزمة قش.
هنا ليلة مفزعة أخرى منذ إثنين "الكرامة" في آذار 2011.
هنا يختنق الصباح ولا ينهض من فاجعة الليل.
هنا اليد التي تكتب،
اليد التي تخون،
اليد التي تقتل،
هنا اليد نفسها بلا يد.
هنا كنت جثة باردة لا تثير انتباه أحد المارة أو المقيمين، سوى طفل ظنها كرة قماشية فأخذ يركلها في الطريق العام.