مع بدء العمليات العسكرية على محافظة الأنبار مطلع 2014، استقبلت محافظة كربلاء، 97 كلم جنوب غرب العاصمة بغداد، المئات من نازحي الأنبار، هرباً من عمليات القصف العشوائي التي طاولت المدن والأحياء السكنية.
ولجأ المئات من أهالي الأنبار إلى كربلاء، التي تبعد عنها 120 كلم جنوبا، فيما أغلقت السلطات الحكومية المعبر الوحيد على جسر بزيبز أمام النازحين من الأنبار، ومنعتهم من دخول العاصمة بغداد، فافترشوا العراء وسكنوا الخيام التي لا تقيهم من برد الشتاء وحر الصيف، وتوفي العشرات منهم، بينهم أطفال ونساء ومرضى وكهول.
ووصف محللون ما تقوم به الحكومة ضد النازحين بالطائفية السياسية؛ خاصة في ظل استقبال أهالي المحافظات الجنوبية للنازحين في الوقت الذي تمنعهم فيه السلطات الحكومية من دخول العاصمة.
وقال المحلل السياسي أثير العبيدي لـ"العربي الجديد" إنَّ "الطائفية السياسية أوصلت البلاد إلى الهاوية التي تمر بها، وما نراه من مشاهد القتل والتفجيرات والقصف على المدنيين لا يخرج عن دائرة السياسيين، فالشعب العراقي من حيث المبدأ بعيد كل البعد عن الطائفية منذ زمن بعيد، والتعايش السلمي منذ قرون طويلة هو السائد، ولم يشهد تاريخ العراقي القديم والحديث وضعا طائفياً مثل ما يشهده في ظل الحكومات المتعاقبة بعد الاحتلال منذ 2003 وحتى اليوم".
واعتبر ناشطون أنَّ استقبال نازحي الأنبار في كربلاء منذ بداية الأزمة يعتبر دليلاً قوياً على أنَّ الطائفية في البلاد سياسية فقط، بينما الشعب نسيج واحد متناسق منذ زمن بعيد.
وقال الناشط مثنى الدليمي: "منذ 2003 وحتى اليوم، شهد العراق تصاعداً في النفَس الطائفي بشكل لا مثيل له بسبب الزمرة الحاكمة في بغداد بسنّتهم وشيعتهم من أحزاب وكتل سياسية، ونجد كبار السياسيين يتحدثون بنبرة طائفية مقيتة يستحي أن يتحدث بها أبسط مواطن عراقي".
وتابع الدليمي لـ"العربي الجديد": "يحاول السياسيون، سنة وشيعة، إسقاط طائفيتهم السياسية على الشارع بأية طريقة، فإذا ما اختلفوا فيما بينهم بدأت التفجيرات تحصد أرواح العراقيين هنا وهناك، وإذا اتفقوا هدأت الأوضاع نسبياً، وهذا دليل قاطع على أنَّ السياسيين هم السبب الرئيس في ما تتعرض له البلاد من دمار وخراب، وأن الشعب العراقي لا ذنب له في ما يجري".
وكشف نازحون من الأنبار في كربلاء أنَّ المواطنين العراقيين في المحافظات الجنوبية استقبلوا نازحي الأنبار وفتحوا لهم بيوتهم، بينما الأحزاب السياسية تحاول تأجيج الشارع ضد النازحين بين الحين والآخر عبر اختلاق الذرائع واتهام النازحين أو اعتقالهم في محاولة لتشويه صورتهم ودق إسفين الطائفية بين النسيج العراقي، لكنها تفشل كل مرة.
وقال لقمان الدليمي (57 عاماً)، أحد نازحي الأنبار في كربلاء: "منذ انطلاق العمليات العسكرية على الأنبار وبدء عمليات القصف العشوائي للمدن والأحياء السكنية؛ توجهت بعائلتي بعد أن اتصلت بأحد أصدقائي الكربلائيين الذي أعرفه من أيام الحرب العراقية الإيرانية، حيث كنا نقاتل معاً على الجبهة، فاستقبلني بكل حفاوة وفتح لي منزله واحتفى بي مع أقاربه".
وبين الدليمي لـ"العربي الجديد": "أجلس مع صديقي الكربلائي ونتابع الأخبار معاً، وحينما نسمع السياسيين وهم يتحدثون بنبرة طائفية مقيتة نحتسي الشاي ونشرب النارجيلة ونضحك على خطاباتهم التي لا تمت إلى الواقع العراقي بصلة".
لكن العديد من النازحين أكدوا أنَّ السلطات الحكومية لم تترك النازحين وشأنهم في المحافظات الجنوبية؛ بل بدأت بملاحقتهم واعتقال العشرات منهم واتهامهم بالإرهاب رغم أنهم في الأساس فارون بعائلاتهم بحثاً عن الأمان.
ويرى عبد الحميد الجنابي، نازح من الأنبار في كربلاء، أنَّ "السلطات الحكومية كلما وجدت النسيج العراقي متماسكا؛ شنت حملة واسعة للحقن الطائفي والتفكك المجتمعي مستعينةً بالمليشيات والأحزاب المدعومة من الخارج، مستهدفةً بالدرجة الأولى القومية العربية لدى عشائر العراق عبر الخطاب الطائفي والمحاصصة الطائفية المقيتة"، على حد تعبيره.