ردود الفعل هي دائماً أكثر من الأفعال. الفعل الواحد يجرّ الكثير من الردود خصوصاً أنّ الردّ لا يتطلب أكثر من تأييد الفعل أو معارضته، بصرف النظر عما إذا كان الردّ علمياً، أو مغلوباً بالعاطفة، أو متحيّزاً يغلّف نفسه بالصفة العلمية بحذلقة وادعاءات فهم.
الردّ العلمي هو ذلك الذي يلتزم أحد المناهج المتوافق عليها في هذا المجال. لا يغيب عنه التحيّز أحياناً، لكنّ تحيّزه هو للمعيار المعتمد لا إلى ما دون العلم من معايير وما هو خارجه من قرائن. أما الردّ المغلوب بالعاطفة فهو الدوغماتي الذي لا مجال للنقاش فيه، وهو مناسب جداً - وصحيح - بالنسبة لمن يتبعون الأيديولوجيا نفسها. هو لا يخالف مألوفاً ولا يخرج عن معقول خبروه واعتنقوه، بل كلّ ما هو خارج العقيدة مردود ومرفوض. هذان الردّان صادقان
-غالباً- كلّ بطريقته وبمنهجه، ونسبةً إلى من يتفاعلون معه.
المصيبة كلّها في الردّ الثالث، ذلك المتحيّز الذي يغلّف نفسه بالعلم. هو يدّعي العلمية ما استطاع، فطالما أنّ هناك متفاعلين إيجاباً مع ردّه يمكنه أن يصل أبعد ما يستطيع في النفاق.
هذا النفاق لا يقتصر على تحيّز مغلّف بالعلم عن قصد، بل يتحول لدى متّبعه في مرحلة متقدمة إلى منهج، فلا يعود هناك قصد في تغليف شيء بشيء. كلّ ما هنالك أنّه يتبع المنهج ذاك وقد يمضي عمره كاملاً يظنّ نفسه على حق وغيره على باطل وفي الوقت عينه يزعم العلمية. هو يقترب كثيراً هنا من الدوغماتي الخالص لكنّه يستمر في إنكار الدوغماتية وادعاء العلمية.
هذا النوع من النفاق يفسَّر بازدواجية المعايير، وازدواجية القيم. مثال على ذلك كثيرون ممن يدافعون عن حقوق الإنسان باعتبارات تجارية نفعية نابعة من قيم المنظومة الرأسمالية. هؤلاء يمكنهم أن يؤمنوا بالشيء ونقيضه في الوقت عينه.
ليست المسألة أنّهم يقتنعون بذلك أو لا يقتنعون، لكنّ عقليتهم التي تلتزم ذلك المنهج تتحالف مع النفعية بشكل وثيق. يمكن أن يدافعوا إلى أقصى حدّ عن حقوق فئة ما أمام منبر عام، لكنّهم غارقون في ممارسة الفئوية تجاه تلك الفئة نفسها في حلقاتهم الضيقة. وإذا تبدّلت المعادلات حوّلوا وجهة بندقيتهم إلى مكان آخر. هم في ذلك أسوأ من السياسيين لأنّ السياسيين صادقون في تحيّزهم النابع من أيديولوجيتهم، أي أنّهم صادقون لجمهورهم، مهما بدوا كاذبين لدى جمهور آخر. أما هؤلاء فهم ممّن يغلّف كذبه بالصدق وتحيّزه بالعلمية، ولو بات لا يدرك ذلك.
اقــرأ أيضاً
الردّ العلمي هو ذلك الذي يلتزم أحد المناهج المتوافق عليها في هذا المجال. لا يغيب عنه التحيّز أحياناً، لكنّ تحيّزه هو للمعيار المعتمد لا إلى ما دون العلم من معايير وما هو خارجه من قرائن. أما الردّ المغلوب بالعاطفة فهو الدوغماتي الذي لا مجال للنقاش فيه، وهو مناسب جداً - وصحيح - بالنسبة لمن يتبعون الأيديولوجيا نفسها. هو لا يخالف مألوفاً ولا يخرج عن معقول خبروه واعتنقوه، بل كلّ ما هو خارج العقيدة مردود ومرفوض. هذان الردّان صادقان
-غالباً- كلّ بطريقته وبمنهجه، ونسبةً إلى من يتفاعلون معه.
المصيبة كلّها في الردّ الثالث، ذلك المتحيّز الذي يغلّف نفسه بالعلم. هو يدّعي العلمية ما استطاع، فطالما أنّ هناك متفاعلين إيجاباً مع ردّه يمكنه أن يصل أبعد ما يستطيع في النفاق.
هذا النفاق لا يقتصر على تحيّز مغلّف بالعلم عن قصد، بل يتحول لدى متّبعه في مرحلة متقدمة إلى منهج، فلا يعود هناك قصد في تغليف شيء بشيء. كلّ ما هنالك أنّه يتبع المنهج ذاك وقد يمضي عمره كاملاً يظنّ نفسه على حق وغيره على باطل وفي الوقت عينه يزعم العلمية. هو يقترب كثيراً هنا من الدوغماتي الخالص لكنّه يستمر في إنكار الدوغماتية وادعاء العلمية.
هذا النوع من النفاق يفسَّر بازدواجية المعايير، وازدواجية القيم. مثال على ذلك كثيرون ممن يدافعون عن حقوق الإنسان باعتبارات تجارية نفعية نابعة من قيم المنظومة الرأسمالية. هؤلاء يمكنهم أن يؤمنوا بالشيء ونقيضه في الوقت عينه.
ليست المسألة أنّهم يقتنعون بذلك أو لا يقتنعون، لكنّ عقليتهم التي تلتزم ذلك المنهج تتحالف مع النفعية بشكل وثيق. يمكن أن يدافعوا إلى أقصى حدّ عن حقوق فئة ما أمام منبر عام، لكنّهم غارقون في ممارسة الفئوية تجاه تلك الفئة نفسها في حلقاتهم الضيقة. وإذا تبدّلت المعادلات حوّلوا وجهة بندقيتهم إلى مكان آخر. هم في ذلك أسوأ من السياسيين لأنّ السياسيين صادقون في تحيّزهم النابع من أيديولوجيتهم، أي أنّهم صادقون لجمهورهم، مهما بدوا كاذبين لدى جمهور آخر. أما هؤلاء فهم ممّن يغلّف كذبه بالصدق وتحيّزه بالعلمية، ولو بات لا يدرك ذلك.