كتَبَ فلان الفلاني

19 يوليو 2016
تشعر أنّك بدأت تمارس على نفسك استبداداً عظيماً(اسحق إسرايلز)
+ الخط -

في تلك الجلسة، هو محور الحديث. لا تذكر كيف تحوّل الحديث صوبه. الجميع يبدي إعجابه به وبحبكته وأبطاله. يكفي أنّه لفلان الفلاني. كاتب كبير. لا شكّ في ذلك. لمزيد من الدقّة، من غير المسموح الشكّ في ذلك. لا تشارك في الحديث. لم تقرأ "الكتاب التحفة". تشعر في قرارة نفسك، بشيء من الإحراج. تحاول التلهّي بهاتفك. أنت من أشدّ معارضي استخدام ذلك الجهاز المتطفّل في جلسات الأصدقاء.. في أيّ من الجلسات. تتحجّج بمسألة طارئة.

يكملون "دردشتهم الثقافيّة" حول ذلك الكتاب الذي حقّق أرقام مبيعات عالية. لم يصدر حديثاً، عمره أكثر من خمس سنوات. لكنّه يستحقّ النقاش. هو ليس نقاشاً، بقدر ما هو امتداح يصل إلى حدّ التمجيد. تمجيد بفلان الفلاني. تمجيد يصل إلى حدّ "التأليه".

تشكّك في قدرتك على التقييم. لم تتمكّن في يوم من إتمام قراءة أيّ إنتاج أدبيّ يحمل توقيعه. لكن، ربما تكون روايته هذه مختلفة. لا يُعقَل أن يكون جميع المشاركين في هذه الجلسة على خطأ. وتشكّك أكثر في نفسك، في حكمك على الأعمال الأدبيّة. ربما الأدب بمجمله لا يستهويك. لكنّك تستمتع بإنتاجات آخرين. وتشكّك أكثر في قدرتك على التقييم. الجميع يهلّل له ويتناوله بكثير من الحماسة والانبهار.

تقصد المكتبة الأقرب، بالأحرى تلك التي ما زالت تفتح أبوابها حتى هذه الساعة. إنّها التاسعة وخمس أربعين دقيقة ليلاً. فضولك يستعجلك، لا بل هي رغبة في ألا تكون على الهامش. رغبة في ألا تكون "جاهلاً"، أقلّه في نظر نفسك. من الصعب، لا بل من المؤلم والمخزي أن تشكّك في نفسك. وتشتري "الكتاب التحفة" الذي حقّق مبيعات عالية وتُرجِم إلى لغات عديدة لا تُقتصَر بالفرنسيّة والإنكليزيّة والإسبانيّة. "الكتاب التحفة" الذي يُعَدّ مؤلّفه من أبرز كتّاب العصر، ليس فقط على المستوى العربيّ، وإنّما عالمياً أيضاً. مؤلّفه يشارك في ندوات أدبيّة في بقاع عديدة من المعمورة، وفي مناظرات متلفزة وغيرها.

تصل إلى المنزل، تستلقي على سريرك. هذه وضعيّة القراءة الأحبّ لديك. تفتح الصفحة الأولى من الكتاب الذي يأتي في أكثر من ثلاثمائة وثمانين صفحة من القطع الوسط. تعيد قراءة المقطع الأوّل، قبل أن تنتقل إلى الثاني. إحدى وعشرون صفحة. تشعر أنّك بدأت تمارس على نفسك استبداداً عظيماً. تعجز عن الذهاب أبعد من ذلك. تطوي الكتاب. المؤلّف من أشدّ مناهضي الاستبداد والدكتاتوريّة في العالم العربيّ. من المشروع إذاً عدم الرضوخ لاستبداد كلامه وحبكته وأبطاله.

تطوي الكتاب. غداً، عند انتهاء دوام عملك، تقصد تلك المكتبة من جديد. هي تعتمد سياسة استبدال الكتب خلال أسبوع من تاريخ الشراء.


المساهمون