كتل شبابية بلا مشروع

18 مارس 2015

تظاهرة شبابية في القاهرة (12ديسمبر/2014/الأناضول)

+ الخط -

الشباب، هذه الطاقة الغالبة في وجودنا العربي، تاهت في مشاريع مناقضة لطموحاتها. وعي القبيلة لم يغادر القوى التقليدية، حتى تلك التي لبست ثوب الحداثة، ولم تتمكن من تخليق حداثة عربية، بل ظلت مسجونة في شكليات المظهر والألفاظ، ولم تخلق وجودها كحياة نابضة بالحياة، إنها تركيبات مشوهة. التقليد مشنقتها.

الأجيال الجديدة تائهة في فراغ معرفي، فهي لم تعد قبلية، ولم تعدّ ترى العشيرة إلا صورة غامضة، إلا أن قيود القوى المختلفة التي أفرزتها الحداثة، بشكلها الأكثر انخراطاً في حضارة النقيض الذي لم يفقه إنسانيتنا، أو الرافضة له، والباحثة عن ماض مزور مسجون في وعي عصبوي بليد! هذه الكتل الشابة بلا مشروع، وهي المشروع في الوقت نفسه.

ما زال وعي القبيلة يطاردنا كمعتوه أعمى. وليست الحوثية في اليمن إلا تجسيداً أعلى لهذا الوعي الذي يدمج العقيدة بالعرقية، بالصرخة المغلقة، ويتحول الماضي بكل قبحه إلى ثورة في خليط خميني قبلي، بمجرد أن يشتغل ينتج الدمار والتخلف والضياع، فلا ماض ولا حاضر ولا مستقبل. إنها عدمية محترفة في نسج الانتحار.

الشباب العربي في ملحمة مقاومة لإثبات نفسه، إلا أنه يغوص في بحر لزج، لم يفقه بعد عصره ولم يفقه بعد ماضيه.. الهوية تائهة في فضاءات مخادعة.

لا يمكن أن نبدع ثورةً سياسية، والثقافة لم تفقه بعد وجودها المبدع في هذا العصر. نحن لا ننتج ثقافة إنسانية مستوعبة للقبيلة، للطائفة، للاختلاف، بل ننتج دموية من التناقضات، وكأننا في غابة بلا حضارة. نمتلك وجودنا وحضارتنا هي نحن، لكننا ننكر وجودنا كما هو، ولا نريد أن نكتشف المستقبل بالروح العظيمة التي هي نحن.

ما زالت القبلية تتشكل عبر ثورة بوعيها، وليست الشعارات الثورية إلا استنساخا للتجربة الأوروبية، حتى في تجسداتها الأصولية، فالإسلام السياسي ليس انبعاثا للإبداع، بل تقليد نقيض مقاوم للحداثة التي لا تشبهنا. لم نتمكن من خلق حداثتنا الإنسانية، وهذه الكتلة الشابة هي الأمل، لكنها ستمر بمخاضات مؤلمة، أما الولادة العبقرية فستأتي لا محالة. فقط نحتاج أن نغادر الماضي، من دون أن نتخلى عنه، فهو وجودنا الذي لن يشبه مستقبلنا الذي ننتظر.

F0890F44-95EE-48D4-AA9D-180AEC418B3A
نجيب غلاب

كاتب وسياسي يمني