كتبٌ من "رفح".. لا يوجد حصار في غزّة

01 يونيو 2017
(تظاهرة غزّة تقرأ، محمد أسد)
+ الخط -
لم يسلم المشهد الثقافي كغيره من المجالات الأخرى في قطاع غزة من الحصار المفروض عليه منذ عشرة أعوام، عندما فازت حركة حماس في الانتخابات التشريعية مطلع 2006، حتى أصبحت المدينة الساحلية مغلقة عن العالم.

بات القرّاء يلتقطون بلهفة كل ما يأتي من كتب الخارج عبر معبر رفح البرّي مع الحدود المصرية، الذي لا يفتح بوابته سوى أيّام قليلة طيلة السنة ليكون رئة القطاع التي يتنفّس منها، ليس فقط للحالات الإنسانية، بل للقرّاء، الطلبة، المعارض الثقافية، والمكتبات المتعطّشة للكتب بأنواعها أيضًا.

بعد انتظار طال كثيرًا استطاعت طالبة الدراسات العليا بجامعة الأزهر في غزّة هيام المجدلاوي، الحصول على المراجع الأكاديمية عبر معبر رفح الذي يمثّل شريان حياة السكان، بعدما توقّفت عن الدراسة لفترة.

تقول الطالبة: "من المفترض إنهاء دراسة الماجستير في اللغة العربية والنقد منذ عام، لكن بسبب إغلاقات المعبر المتكرّرة تأخرت في ذلك، رغم حاجتي الكبيرة لتطعيم المواد البحثية بخمسة مراجع مصرية لا بديل عنها في قطاع غزة".

حصلت الفتاة على الكتب التي تحتاجها عبر إحدى صديقاتها التي جاءت لغزة عن طريق معبر رفح، رغم أنها تعرّضت لمصادرة بعضٍ من كتبها على أيدي الجهات المصرية بحجّة احتوائها مضامين سياسية.

ويعتمد القرّاء الغزيون في حصولهم على المواد الثقافية على معبر رفح البري جنوبًا، أو معبر بيت حانون " إيرز" شمالًا، الواقع تحت سيطرة الاحتلال الصهيوني، متحكمًا في جواز الدخول إلى القطاع أو المنع، وكانت سلطات الاحتلال قد منعت منذ عام وصول أيًّ من الكتب، ما جعل القرّاء يعتمدون بشكل أساسي على البوابة المصرية علّها تطفئ القليل من ظمأهم إلى القراءة.

وبيّنت الإحصائية السنوية لهيئة الحدود والمعابر أن السلطات المصرية فتحت بوابة المعبر خلال العام المنصرم أمام حركة المسافرين بالاتجاهين 41 يومًا، بينما تم إغلاق المعبر لمدّة 324 يومًا، والعام الحالي أغلق لمدّة 61 يومًا متتالية.

الشاب الغزي مصعب أبو توهة، أنهى دراسته في الأدب الإنكليزي، يرى أن حاجة قطاع غزة لا تكمن فقط في تلبية الأغراض المادية بل الروحية أيضًا، مؤمنًا بأن القراءة من شأنها أن تُنشئ أفرادًا يتحلّون بأخلاق أكثر إنسانية، وعلى مستوى من الذكاء، فالكتب تفتح أعينهم إزاء القضية الفلسطينية والعالم.

ويجد القراء الغزيون في مطالعة الكتب وقراءتها تذكرة سفر تنقلهم للعالم خارج حدود مدينتهم المحاصرة التي تفتقد لأبسط مقومات الحياة، وغذاءً روحيًا يكسبهم حريّة ونموًا فكريًا.

يتحدّث الشاب أبو توهة قائلًا: "استلمت كتبًا من أماكن مختلفة حول العالم، مجتازةً المعبر الإسرائيلي والمصري، لكن خلال فترات متقطعة رغم حاجتي لها، تنوّعت ما بين كتب الأدب والسياسة وعلم الاجتماع".

ويضيف: أسعى لتوفير أكبر عدد ممكن من الكتب الأجنبية في حال تم فتح المعبر في الأيّام المقبلة، متابعًا حديثه أن غزة تضم عددًا كبيرًا من المثقفين الذين يقرأون كتبًا أجنبية ويأملون بالحصول عليها.

يمتلك أبو توهة قرابة 700 كتاب متعددة اللغات، كما يرغب في إنشاء مكتبة عامة يتوجه إليها كافة أهل غزة كمكان آمن وهادئ حيث يمكنهم الجلوس والقراءة، إذ إن معظم الناس يقضون أوقات فراغهم في مقهى، أو ما شابه ذلك، بسبب انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة.

كما تعتمد المكتبات والمعارض الثقافية التي تقام في غزّة أحيانًا على البريد السريع لكي تحصل على الكتب عندما يستمرّ إغلاق المعبر لفترة طويلة، ما يزيد من كلفة اقتنائها.

ووصل عدد "البعائث البريدية" الخارجية الواردة إلى غزّة والتي تحتوي على كتب 714633 بعثة، وذلك حسب إحصائية وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في قطاع غزة، التي نشرتها عبر موقعها الإلكتروني.

من ناحيته، يقول معتز لافي، صاحب مكتبة آفاق، المعروفة بوجودها منذ القدم بالقطاع: "إنه بمجرد فتح بوابة رفح يتهافت القرّاء إلى المكتبة للحصول على كتب تسد شغفهم بعد فترة من الانقطاع"، ويضيف أنه قام أخيرًا بشراء عدد كبير من الكتب الممتدة على سور الإسبكية المصري الذي يحوي كتبا قيمة منخفضة الثمن تتناسب مع دخل بعض القراء الغزيين.

وتضم أروقة المكتبة 70 في المائة روايات أدبية، والجزء الآخر يضم كتب تنمية بشرية، سياسية ودينية، فأغلب المرتادين هم من فئة الشباب ممن يفضلون الروايات.

ويشير إلى أن بعض الإصدارات الحديثة التي حصدت جوائز البوكر من المفترض وصولها إلى غزة بداية العام لكنها اجتازت المعبر متأخّرة، ما قلّل الطلب عليها.

توجد في قطاع غزة 41 مكتبة، "منها ما يقدّم استعارة"، أكبرها من حيث عدد الكتب مكتبة بلدية "بني سهيلا" والتي تمتلك 40 ألف كتاب، إلا أن المكتبة مغلقة منذ عام 2008، تليها مكتبة بلدية غزة التي تحتوي على 25 ألف كتاب، والمكتبات الأخرى موزّعة على مستوى المحافظات، ناهيك عن المكتبات الثقافية التجارية التي تقدم كتبها مقابل أسعار معيّنة، ومكتبات المخيمات، لكن عدد كتبها محدود كما عدد زائريها.

مدير عام المعارض والمكتبات في وزارة الثقافة التابعة لحماس محمد الشريف، يبيّن أن المعارض الثقافية أيضًا تتأثر بفتح البوابة المصرية وتزويدها بالكتب التي تلبّي رغبة الروّاد بمختلف أعمارهم وتصنيفاتهم.

كما يوضّح أن وزارة الثقافة تتعاون مع دور نشر لبنانية ومصرية للحصول على الكتب، وتم استقبال 500 كتاب أخيرًا من بين عشرة آلاف عالقة على المعبر ستشارك في معارض من المفترض إقامتها على أرض السرايا في قطاع غزّة خلال الأيّام المقبلة.

المساهمون