ينشر موقع "العربي الجديد" حلقات مترجمة من كتاب "أريغو ساكي.. كالتشيو توتالي"، تتناول حياة أسطورة التدريب، والذي لم يلعب الكرة بشكل احترافي خلال مسيرته، ونجح في قيادة العديد من الفرق إلى القمة في فترة الثمانينيات، في ما يلي الحلقة الخامسة عشرة:
كانت نهائيات يورو 1996 ستلعب في إنكلترا تحت شعار "الكرة تعود إلى موطنها". كان الإنكليز يدعون أنهم هم من ابتكروا هذه الرياضة الجميلة. لم يكن هذا فقط هو الأمر البارز، بل إن البطولة كانت ستلعب لأول مرة بمشاركة 16 فريقاً.
تأهلنا للبطولة كثاني مجموعتنا خلف كرواتيا بفارق الأهداف وبسبب المباراة التي فازوا علينا بها في ملعبنا. كانت هذه فترة مليئة بالمتغيرات والمستويات المتباينة. كان يجب علينا هضم المجهود الذي بذلناه في المونديال والعثور على طرق جديد للتأهل لليورو في إنكلترا.
التأهل لليورو والخطأ الأول
بمجرد تأهلنا ارتكبت واحدا من أخطائي المتنوعة: الاستعداد لليورو عبر مواجهة خصوم أكثر سهولة وذلك لكيلا ترهقنا الانتقادات كثيرا ولكن هذا الأمر لم يكن صحيحا بالمرة، فالفريق كان بحاجة إلى مواجهة منتخبات كبيرة وفرق ناضجة لكي يتمكن من مجابهتها لاحقا في البطولة بثقة أكبر.
يأتي هذا بخلاف أنه قبل الذهاب لإنكلترا فقدنا اثنين من أهم لاعبينا: شيرو فيرارا الذي تعرض لإصابة في ودية بلجيكا وأنطونيو كونتي الذي كان أصيب في نهائي كأس أوروبا للأندية مع يوفنتوس.
انتقدتني الصحافة بسبب التغييرات التي أدخلتها على الفريق لأنني لم أستدع لاعبين مثل بيناريفو وبانوتشي وفيالي وسينيوري، ولكن سأقولها مجددا أنا أختار اللاعبين بناء على قدرتهم الوظيفية الممكنة داخل الملعب بالشكل الذي يساهم في جعل الفريق يلعب ككتلة واحدة.
كانت مجموعتنا تضم ألمانيا وروسيا والتشيك. واحدة من مجموعات الموت التي تظهر في كل بطولة، ولكن لم يكن لدينا أي خوف من المنتخبات الأخرى. خضنا مباراتنا الأولى في 11 يونيو/حزيران أمام روسيا على ملعب أنفيلد.
عقب فترة جس النبض في البداية تمكنا من السيطرة على المباراة ثم سجل كاسيراجي ولكن الروس تمكنوا من التعادل (ق25). خلال الاستراحة بدأت أتحدث مع اللاعبين وشرحت لهم الأخطاء التي ارتكبوها، ومع بداية الشوط الثاني عدنا للهجوم على روسيا الذي ترجمت نتيجته في الهدف الثاني الذي جاء بعد لعبة مشتركة بين زولا وكاسيراجي. فزنا على الفريق الأكثر صعوبة الذي أكمل مرحلة التصفيات بالفوز بثماني مباريات وتعادلين دون التعرض لأي هزيمة.
حينما تفوز بالمباراة الأولى في بطولة مثل المونديال أو اليورو، لا أقول إنك تسترخي، ولكن تعرف أنه يكفيك تعادلان من أجل العبور للدور التالي. ارتكبت هذه المرة خطأ جديداً في مسألة التقييم. تذكرت تجربتي الصعبة في المونديال ووصولنا للنهائي في قمة الإرهاق، لذا أدخلت خمسة أسماء جديدة على الفريق في مواجهة التشيك. كنت أرغب في منح قدر من الراحة لبعض اللاعبين ولكن الثمن الذي دفعناه كان غاليا.
تمكنت التشيك عقب لعبة جماعية من إيصال الكرة لنيدفيد الذي سدد كرة قوية ليسجل. لم يكن التعادل الذي سجله كييزا كافيا للدخول مجددا في المباراة لأنه عقب مرور نصف ساعة من الشوط الأول كان أبولوني قد تعرض للطرد وارتكبت مجددا خطأ في مسألة التقييم أو ربما كان يتعلق بالتركيز.. في الحقيقة لا أدري!
لا يمكنك أن تقلل أبدا من قيمة الخصم، حينها لم أتخذ فورا القرارات اللازمة لمعالجة مسألة الطرد. "نمت واقفا" كما يقولونها في العامية. لا أدري.. قبل المباراة كنت في حالة هدوء كبيرة دون أي توتر وحينما قاس لي الطبيب الضغط أخبرني بأن الأمور عادية على غير العادة. الحقيقة أنني لم أكن بنفس عزم وإصرار المونديال والفريق كان يضم بعض اللاعبين الذين تقل قوة شخصيتهم عمن كانوا معي في الولايات المتحدة.
بهذه الطريقة مني مرمانا بالهدف الثاني في الدقيقة (35) ولكن الأمر بات متأخرا لأن الإجراءات المضادة التي اتخذتها لم تكن بنفس التأثير الذي سيحدث لو اتخذتها بصورة فورية كما فعلت في مونديال 1994 حينما أخرجت روبرتو بادجيو. خسرنا بهدفين لواحد في مباراة كنا نحن من سيطر عليها في الحقيقة. لا يجب نسيان أيضا أن التشيك وصلت لاحقا لنهائي البطولة.
أصبحت مسألة التأهل معقدة. كان علينا أن نواجه ألمانيا في 19 يونيو/حزيران بعد أن ضمنت الأخيرة التأهل. لم يكن أمامنا أي حل سوى الفوز. سيطرنا على اللعب لدرجة أن بيرهوف الذي كان يتحدث الإيطالية بشكل مثالي قال لي بين الشوطين "ولكن.. يا لجمال طريقة لعبكم!".
هاجمنا كثيراً: تسديدة من فوسير أمام منطقة الجزاء وفرصة كاسيراجي التي لا تنسى حينما ضغط على سامر وسرق الكرة وانطلق نحو المرمى وتعرض للعرقلة داخل المنطقة. ضربة جزاء! كان زولا هو من تقدم للتسديد ولكنها وضعها بدون العزم المطلوب ليتصدى لها الحارس كوبكه بكل سهولة.
ملخص المباراة هو أنه نحن هاجمنا وهاجمنا بتسديدات وعرضيات ومراوغات ولكن كان التعادل السلبي هو سيد الموقف، في مباراة تألق فيها حارس الألمان بشكل رهيب لنودع البطولة. لم ترحمني انتقادات جانب كبير من الصحافة. كانوا يسعون وراء استقالتي. أتذكر أنني قلت في المؤتمر الصحافي الذي أعقب المباراة "لماذا؟ هذا ليس فشلاً. نحن لعبنا بشكل جيد".
كانت مباراة ألمانيا تحديدا واحدة من أفضل 53 مواجهة خضتها مع المنتخب. لعبنا كرة جميلة وسريعة وسلسة وهجومية وعدوانية وحاصرنا مرمى الخصم، ولكن المشجع الإيطالي لا يعرف كيف يسامح! كرة القدم بالنسبة لنا ليست رياضة أو عرضا ممتعا بل شيء يتعلق بالفوز فقط وأي شيء آخر ليس له معنى. في إيطاليا لا مانع للخداع من أجل تحقيق الفوز.
هناك جانب كبير من الصحافة اتبع هذه الفلسفة أيضا؛ ربما بسبب الكسل أو لكونها موضة أو بسبب الجهل، لهذا فإن الجدل والانتقادات بدون أي سبب تكون دائما في الصدارة، أما مسألة الترفيه الرياضي واللعب الجميل أصبحت تأتي في المقام الثاني. في إيطاليا إذا فزت ولو بأقل صورة ممكنة تصبح بطلا، وإذا ما خسرت فإنك حقير فاشل. لم تكن هناك أي فرق في اليورو تلعب أفضل من فريقنا. حينما تعرضنا للإقصاء من البطولة أتذكر أن مولر وكلينسمان قالا في مؤتمر صحافي إن الألمان تعلموا درسا من إيطاليا وإنهم إذا ما كانوا يرغبون في الفوز بالبطولة فعليهم اللعب بنفس طريقتنا.
العودة
خلال تلك الفترة، وعقب النجاحات الكبيرة التي حققها فابيو كابيلو مع الميلان، لم يكن الـ"روسونيري" يمرون بأفضل مستوياتهم. بدأت الاتصالات مع غالياني وبرلسكوني وقررت العودة. هذا الأمر يثبت مرة أخرى أنني لم أرحل في المرة الأولى لأن الرئيس كان لا يرغب في استمراري.
كانت آخر مباراة لي مع المنتخب في السادس من نوفمبر/تشرين الثاني في ساراييفو. كانت ودية وخسرناها بهدفين لواحد. كانت نهاية أحد فصول حياتي لأعود مجددا نحو ميلان وهو القرار الذي لم يكن يجب أن أتخذه أبدا.
عدت في الثالث من ديسمبر/كانون الأول 1996 لميلان لأخلف أوسكار واشنطن تاباريز الذي كان جاء خلفا لفابيو كابيلو بعد انتقال الأخير لتدريب ريال مدريد. طوال تاريخي الكروي لم يكن سبق لي أبدا العمل بعد مدرب في منتصف الموسم. لماذا؟ لأنني كنت دائما أحب أن ألعب بأوراقي وليس أوراق آخرين؛ بمعنى آخر لم أكن أرغب في استلام فريق يصعب تغيير طريقة تفكيره دون وجود فترة إعداد.
يجب أيضا إدراك أن الفريق كان يضم لاعبين أصحاب سن معينة. لديهم رغبة في تقديم العون ولكنهم لا يستطيعون، فيما كان هناك آخرون أقل حماسا، بل إن البعض لم تكن لديه أي رغبة في بذل مجهود. كل ما كانوا يسعون وراءه هو الرحيل، فقبلها بعام كان قانون بوسمان قد غير خريطة كرة القدم.
لا أدري.. ربما كان اللاعبون يفضلون مدربا مثل كابيلو. ربما شعروا بالاستياء والضيق من كوني أسعى دائما وراء المثالية وأدق التفاصيل ورغبتي المستمرة في التجديد. ما فاز به هذا الفريق مع كابيلو لم يكن قليلا أبدا: ثمانية ألقاب في أربع سنوات.
بسبب الجهل الرياضي والكروي ينظر إلى المدرب على أنه ساحر ولكنه مجرد إنسان عادي. المدرب هو شخص مهني قد تكون لديه أفكار لامعة أو جيدة أو طبيعية أو متواضعة. ربما يكون موهوبا بقدرات تعليمية عالية تساعده على نقل أفكاره وربما لا يمتلك قدرة على إقناع اللاعبين لكي يطبقوا فكره في الملعب. لكي تحدث كل هذه الأمور يحتاج لفترة من التجهيز والإعداد للوصول لهدفه. أعتقد أنها مفاهيم وأمور واضحة ولكن مسألة قبولها صعبة، ليس فقط من قبل الجمهور بل بقطاعات أخرى مرتبطة بهذه الرياضة.
أنا مدرب ولست ساحرا. بمرور الوقت أدركت أن عودتي لميلان بهذه الطريقة كانت خطيئة. عدت بسبب الحب لكن دون استخدام العقل. كانت فترة صعبة: خرجنا من كل المنافسات وأنهينا الدوري في المركز الحادي عشر دون أي أمل في المستقبل. كانت أسوأ نتيجة في عهد برلسكوني. كانت نهاية حقبة لجيل كبير من الأبطال.