(كتاب ساكي 13) كواليس وحكايات دور المجموعات بمونديال 1994

04 يناير 2017
ساكي ورحلة مونديال أميركا 94 (Getty)
+ الخط -

ينشر موقع "العربي الجديد" حلقات مترجمة من كتاب "أريغو ساكي.. كالتشيو توتالي"، تتناول حياة أسطورة التدريب، والذي لم يلعب الكرة بشكل احترافي خلال مسيرته، ونجح في قيادة العديد من الفرق إلى القمة في فترة الثمانينيات، في ما يلي الحلقة الثالثة عشرة:

كنت المدرب الذي قاد الميلان لقمة العالم . وفي عيون الناس والساسة كنت أحد رجال برلسكوني الذي تولى رئاسة الحكومة قبل سفرنا بوقت قليل. بهذه الطريقة أصبحت بالنسبة لبعض الصحافيين هدفاً مثالياً لتوجيه ضربات غير مباشرة له. خلقت كل هذه الأمور ضغوطا فوق عملي، لدرجة أن صحف مثل (لونيتا) و(الميسادجيرو) أوصت مراسليها بمهاجمة المنتخب.

يمكن القول بمعنى آخر أن تحدي مونديال الولايات المتحدة اكتسب أبعادا سياسية. ساهم برلسكوني بنفسه في هذا الأمر لتحقيق أغراض انتخابية. في العاشر من مايو/أيار وقبل سفرنا بوقت قليل كان رئيس الحكومة تولى مهام منصبه وكما جرت العادة كان يجب على المنتخب أن يزوره. دار بيننا أثناء الزيارة هذا الحوار:

-أريغو تنتظرك مهمة صعبة، ولكن إذا ما نجحت أيضا هذه المرة سأجعلك وزيراً للرياضة!

- لم أخلق للسياسة. بالنسبة لي لا أعترف سوى بلونين: الأبيض والأسود، وهنا يبدو لي أن الرمادي هو من يسيطر على الأمور.

أيرلندا
حين وصلنا إلى مطار نيويورك لم نجد سوى مائة مشجع في انتظارنا. لم يكن الحشد المأمول مقارنة بنسبة الإيطاليين المقيمين في الولايات المتحدة. تفهمنا فوراً أنه يجب علينا أن نكتسب ثقة المشجعين هناك قبل أي شيء.

كان المناخ حاراً للغاية مع نسبة رطوبة هائلة. هذه الأمور جعلتنا ندرك أن مهمة التأهل ستكون صعبة. هذه الأجواء كانت تصعب كثيرا من عملية التعافي، فيما كانت مواعيد التدريبات مستحيلة. كنا نبدأ في السابعة صباحاً قبل أن يصبح الحر خانقاً كما هو الحال في الظهيرة، ولكنه كان يتعدى 30 درجة دائما على أي حال.

كان يتوجب علينا مواجهة أيرلندا في 18 يونيو. حينما وصلنا للملعب شاهدنا في الخارج أناسا يحملون أعلام أيرلندا، وقلنا هذا أمر جيد يبدو أن جماهيرنا تنتظرنا في الداخل. كنا نعرف أن البيع المسبق للتذاكر كان جيداً، وأن الإيطاليين حصلوا على أغلب التذاكر. حينما دخلنا الملعب وجدنا أعلام أيرلندا تكسو الاستاد. أدركنا حينها أن الإيطاليين باعوا تذاكرهم للأيرلنديين بمبالغ أكبر. كان يجب علينا أن نكتسب ثقة جماهيرنا.

كانت بداية المباراة سيئة ولم يكن السبب هو الإعداد بل ارتكابي لخطأ في التشكيل. لم يكن سينيوري وروبرتو بادجيو يكملان بعضهما. تاسوتي كانت ينطلق على الأطراف وبادجيو كان في بعض الأحيان يمثل ضغطا عليه. كان الخطأ الذي ارتكبته هو أنني راهنت على أفضل اللاعبين وليس أفضل العناصر التي تعمل معا كفريق. كنت قد خنت عقيدتي. لم يكن هناك فريق. لم يكن هناك لعب. يأتي كل هذا أيضا بجانب حالة الصدمة التي كنا نعاني منها بسبب المناخ.

في ظل هذه الأجواء والحرارة والرطوبة كانت مسألة تحقيق الأهداف التي يفرضها لعبي بكل ما في الأمر من لعب سريع وعدواني وتغطية المساحات أمرا معقدا للغاية، لذا فإنه في الدقيقة 11 من الشوط الأول سجل الأيرلنديون هدف المباراة الوحيد بعد خطأ من باريزي. كان عنوان صحيفة (لاغازيتا ديلو سبورت) في اليوم التالي هو "إيطاليا تنكسر. ساكي الكارثة". كان الخطأ الأكبر الذي ارتكبته يتعلق بصورة اللعب ككل كفريق، ولكن الكثير من الصحف لم تدرك هذا وانتقدت عددا من اللاعبين.

النرويج
أتذكر أن توتري كان هائلا في الأيام الخمسة التي تلت مواجهة أيرلندا. لم يكن المناخ يساعد بأي حال من الأحوال. لم تنخفض درجة الحرارة ليلا عن 30 درجة، لذا كان علينا أن ننام مع مكيف الهواء، الأمر الذي لم يكن مثاليا.

لم يكن هناك أي مجال لنخرج من المونديال. تحدثت مع باريزي وأخبرته بضرورة ألا تظهر مساحات بين الفريق وتكلمت مع بيناريفو بخصوص المشاكل التي قد تحدثها تحركاته في دفاع الفريق. لم يكن صراخي في كل مران أو مباراة بدون سبب. بل للتأكيد على إيصال الرسالة.

كان التوتر سيد الموقف، سواء في أوقات التدريبات أم الراحة. أتذكر أن (لاغازيتا ديلو سبورت) نشرت في 23 يونيو على صفحتها الرئيسية صورة لوجهي بعدما أضافت إليه قرنين وعنونتها "لنضع قروناً صغيرة" وكتبت تحتها بحروف أصغر "ساكي الفايكنغ". كانت الصورة غامضة بالنسبة لي. لم أفهمها. على أي حال كان يجب علينا أن نسعى وراء الفوز. لم يكن هناك بديل آخر.

دخلنا أرض الملعب أمام النرويج من أجل تحقيق الفوز. لم يكد يمر وقت طويل حتى هدد روبرتو بادجيو مرماهم بأول تسديدة. ثم جاءت رأسية بيرتي في العارضة. كنا قريبين للغاية من التسجيل، ولكن فجأة تعقدت المباراة: تأخر بيناريفو في التقدم واخترق ليونهاردسن الدفاع وانفرد بباليوكا ليحاول الأخير قطع الكرة منزلقا خارج منطقة الجزاء ليحصل على بطاقة حمراء.

لعبنا بـ10 لاعبين منذ الدقيقة 21. كان يجب عليّ اتخاذ قرار سريع في هذه اللحظة. كان يجب أن يكون هذا القرار الأكثر صوابا من وجهة النظر التكتيكية، ولكنه في نفس الوقت الأقل شعبية في تلك اللحظة وسيعتبره البعض فضيحة. كان يجب علينا اللعب 70 دقيقة تقريبا بعشرة لاعبين أمام 11 في درجة حرارة 38 وتحت شمس حارقة والفوز بالمباراة. كان قراري هو إرسال روبرتو بادجيو لدكة البدلاء.

حينما اتخذت القرار اندهش الجميع. لقد تقبل الأمر بشكل سيئ للغاية. تساءل وهو يلتف "أنا؟". نظر إلى بقية اللاعبين وهو لا يصدق ما حدث. كان بادجيو يشعر بالضياع ووضع أصبعه على رأسه كما لو كان يقول عني "إنه مجنون". لم يكن بادجيو يمر بفترة جيدة. كان يشعر بثقل المونديال فوق كاهله بعدما قدم موسما عظيما في الدوري، والجميع كان ينتظر شيئا كبيرا منه في كأس العالم.

لم أكن مجنونا على أي حال. سبب التغيير كانت له جوانب تكتيكية صرفة. كنت أحتاج لأناس قادرين على الركض كثيرا ومهاجم يعمل على توسيع المسافات بين خطوط الخصم. مهاجم يلعب في المساحات دون كرة. شخص يشغل الفراع الموجود في العمق لكي يبعد خط دفاع الخصم عن لاعبي الوسط. مهاجم يسمح بفتح ثغرات في النظام الدفاعي لكي يدخل أحد لاعبينا بين الخطوط.

المهم أن من تبقوا في الملعب قاموا بمباراة عظيمة. لعبوا بكل ما لديهم من إصرار. لم يحدث أبدا في أي مباراة قدتها أن يطلب من ثلاثة أو أربعة لاعبين أن يتم استبدالهم بسبب ارتفاع درجة الحرارة والإرهاق والتشنجات العضلية. يكفي فقط أن تعرف أنه في بداية الشوط الثاني تعرض باريزي لقطع في الرباط الهلالي للركبة. أخرجناه وحاولنا تشجيعه لأنه كان سيغيب عنا طوال البطولة وأدخلنا أبولوني بدلا منه واتجه كوستاكورتا لشغل مركزه.

على الرغم من كل هذه الصعوبات فإن الفريق لعب بشكل متكامل. لم نرغب في الانهيار أمام هذه الظروف. بيرتي كان يضغط كمجنون ويصارع على كل كرة وألبرتيني كان لاعبا مختلفا عن المباراة الأولى. سينيوري قام بعمل مضاعف، ولكن جاءت فاجعة جديدة؛ تعرض مالديني لالتواء في كاحله بعد أن استهلكت كل التغييرات. لم يكن أمامي من حل سوى إرساله إلى الجناح الأيسر. هناك تضع لاعبك الأعرج حينما تستدعي الحاجة.

جاء الهدف أخيرا في الدقيقة 69 من خطأ أرسله سينيوري وحوله دينو بادجيو برأسه لداخل المرمى. أفضل ما في الأمر أن اللعبة التي جاء منها الهدف كانت من ضمن الأمور التي تدربنا عليها. على الرغم من الطرد والإصابات والظروف المعاكسة إلا أن العمل كان يأتي بثماره.

ساهم الفوز على النرويج في تغيير الأجواء المحيطة بالفريق. أصبح الجمهور أخيرا يرغب في مشاهدة إيطاليا. لقد اكتسبنا ثقتهم بلعبنا وشجاعتنا وتفوقنا على المعاناة. وفي النهاية كان قراري صائبا باستبدال دي بادجيو الذي أتذكر أن أول شيء قاله لي بعد المباراة "ولكن هل كنت لتستبدل مارادونا؟"، فأجبته "انظر.. لمصلحتك الشخصية وتلك التي تخص الفريق كنت لأستبدله. فعلت هذا الأمر كثيرا مع فان باستن وخوليت".

المكسيك
المباراة الأخيرة من أجل التأهل لثمن النهائي كانت أمام المكسيك في 28 يونيو. كان يجب علينا بل وبإمكاننا الفوز. كان الجو حارا وخانقا للغاية. كنا نلعب في واشنطن في مباراة أدارها الحكم لامولينا. ظهر إصرارنا منذ الدقيقة الأولى. كان الفريق يتحرك ككتلة واحدة. دفع كاسيراجي وسينيوري دفاع المكسيك لبذل الكثير من الجهد. كان الهادف قادما. سدد البرتيني كرات رائعة على مرماهم وأيضا كان لروبرتو بادجيو فرصه. سجل ماسارو بعد تمريرة مليمترية من البرتيني. كانت الأمور تسير بشكل جيد ولكن المكسيك تعادلت بعد 12 دقيقة من الشوط الثاني بتسديدة من برنال.

كان يجب علينا الفوز. التعادل لم يكن كافيا. لاحت لنا فرصة أخرى بالتعاون القائم بين ماسارو وروبرتو بادجيو، مثل تلك التي كانت في الدقيقة 23 بالشوط الثاني حينما راوغ دي بادجيو الحارس وأرسل عرضية لم تجد من يودعها الشباك. انتهت المباراة بالتعادل ولكن لحسن الحظ خسرت روسيا مباراتها وتأهلنا كأفضل ثالث.

شعرت في المؤتمر الصحافي براحة كبيرة وقلت "في هذه المباريات الثلاثة واجهنا فرقا قوية ولكن إيطاليا لم تلعب أبدا بشكل سيئ واضطرت لمواجهة جرعة زائدة من الحظ السيئ". كنا حققنا هدفنا الأول وهو الوصول للأدوار الإقصائية التي كان يجب علينا أيضا أن نعود لنعاني فيها.