ماديرا هي جزيرة الربيع الأبدي، فالحرارة نادرا ما تتخطى هناك 33 درجة؛ ما يخلق ظروفا مثالية للعب الكرة، ولكن هذا هو الشيء الوحيد الذي كان يساعد حينها لأن كرة الشارع كانت هي من تحكم: حجران بدلا من القائمين وزجاجة بلاستيكية أو كرة مصنوعة من الحقائب المملوءة بالورق لتبدأ المباراة في الشارع المجاور للمنزل. هذا هو سحر كرة القدم: يمكن للجميع الارتجال واللعب دون حاجة إلى تكنولوجيا.
حينما بدأ رونالدو في تلقي الكرات كهدايا، كان دائما يجلب كرته معه ليلعب مع بقية الصبية كما يرغب ووفقا لقواعده، ففي النهاية مالك الكرة هو من يسن القواعد دائما. كانت هذه المباريات تبدأ بعد المدرسة وكان الظلام يحل قبل أن تنتهي. كان كريستيانو هو الأكثر تنافسية بين الجميع. كان هو الأفضل في تلك المباريات التي دائما كانت تتوقف لمرور تلك الحافلة أو تلك السيارة. لعب الكرة كما يجب في تلك المساحة الصغيرة كان مستحيلا، ولكن كريستيانو كان يراوغ الجميع. فنياته سمحت له بذلك وظروف الشارع ساعدت على تطويرها.
في الأوقات التي لم يجد رونالدو فيها أحدا للعب معه كان يذهب بالكرة ويبدأ في ركلها بالحائط لترتد اليه ثم يعيد الأمر مجددا لساعات وساعات أخرى، وفي أوقات أخرى يذهب للشاطئ بحثا عن تحديات جديدة.
في أندورينيا
يقول ريكاردو سانتوس صديق رونالدو ونجل رئيس نادي أندورينيا في تلك الفترة "الطبيعة الموجودة في كرة الشوارع تعطيك روح التباهي والثقة"، فيما يضيف الصحافي نونو لوش "في قرية صغيرة، ليس لديك خيار سوى التحلي بشخصية قوية. إذا لم تفعل هذا ستتعرض للالتهام. إما أن تخطو عليهم أو يخطوا عليك".
يضيف ريكاردو "حينما انضممت لأندورينيا في عمر التاسعة. كان هو هناك بالفعل، وبعدما بدأنا اللعب في النادي لم نعد نلعب في الشارع كثيرا". كان هذا هو الانتقال الأول من اللعب بحرية للعب وفقا لقواعد.
لم يشعر كريستيانو بالغربة في أندورينيا. كان محاطا بوجوه معروفة: والده دينيس وصديقه ريكاردو سانتوس وابن عمه نونو بل وشقيقه هوجو. يتذكر ريكاردو تلك الفترة قائلا "استمر معنا لمدة موسمين ولكنه كان يلعب أمام فتية أكبر منه بعامين. اعتدنا اللعب على أراض ترابية وكان هو الأفضل بكل وضوح. كان مهاجما منتشرا في كل مكان. يحب التقدم والمراوغة. لم يتغير كثيرا".
خلال الأسابيع الأولى كان رونالدو يشعر بالخوف بعض الشيء: الجميع كان يبدو ضعف حجمه ولكنه لم يحتج لوقت طويل لتطوير علاقاته مع بقية الفتية لأن لعبه كان يتحدث عنه، على الرغم من ذلك إلا أن هذا لم يمنعهم من إطلاق اسم شهرة عليه وكان "نودلز" لأنه طويل ورفيع للغاية.
يقول ريكاردو حول الأمر" لم نكن نظن أنه ضعيف. لم يكن في حاجة إلى أي حماية من الفتية الأكبر منه. كان باستطاعته الاعتناء بنفسه". ليس نفسه فقط بل والفريق أيضا؛ مثل تلك المرة التي كان أندورينيا متأخرا فيها بثلاثة أهداف ومع نزول رونالدو انتهت المباراة بأربعة أهداف لصالحه أو تلك المرة التي كان فيها مهزوما بهدفين ومع نزوله انقلبت الأمور للفوز بثلاثة أهداف.
كريستيانو لم يكن يحب الخسارة لذا أطلق عليه زملاءه في الفريق لقب "الطفل الباكي". كان يبكي ويبكي في غرفة الملابس بل وفي أرض الملعب إذا ما كان فريقه يخسر. دموعه كانت قريبة لدرجة أنه حينما كان يمرر الكرة لزملائه ويفشل هؤلاء في التسجيل كان يبكي. ولكنه أيضا كان يغضب.
يعترف كريستيانو بهذا الأمر حيث يقول "حينما كنت طفلا كنت أشعر بالاستياء عند الخسارة". كل خسارة عبارة عن وقت ضائع من الحياة لمن هم مثله. ليس هناك مكان للفشل أو الشكوك. فقط الأهداف والانتصارات هي الأمور المقبولة.
بخلاف "نودلز" و"الطفل البكاء"، كان من ضمن الأسماء الأخرى التي أطلقها زملاء رونالدو في الفريق عليه "النحلة الصغيرة"، بسبب سرعته في لدغ الخصوم، فيما أن أول لقب حصل عليه وهو في عمر الثامنة كانت جائزة أفضل لاعب في بطولة محلية والتي يعرضها الآن بفخر في متحفه بفونشال.
الدراسة والكرة
كان أندورينيا يرغب في أن يصبح كريستيانو رمز الأكاديمية ولكن نجم العلاقة بينهما بدأ في الخفوت بعدما قال أحد الإداريين بالنادي لصحيفة (آبولا) المحلية تعليقات غير مقبولة بخصوص والدة رونالدو الذي شعر منذ تلك اللحظة ببعد عن تلك المؤسسة.
تقول ارما جراشا، إحدى مدرسات رونالدو في تلك الفترة "التربية البدنية كانت مادته المفضلة. كان دائما هو الخيار الأول للأنشطة التي تحتاج لأقصى درجات التناسق". كان هذا التناسق هو من جعله جيدا في كل شيء مثل التنس والسباحة وتنس الطاولة، كما قدم له عذرا مناسبا للابتعاد عن الكتب والدراسة.
تقول دولوريس والدة رونالدو حول الأمر "دائما ما حلمت بابن يلعب كرة القدم لأنني أحب الرياضة. في بعض الأحيان كان رونالدو لا يذهب لدروسه من أجل اللعب. أخبرني مدرسه بأنه يجب على إخباره بالتوقف عن هذا ولكن لم أعاقبه. كان يجب أن يتدرب كثيرا ليصبح لاعبا عظيما".
كانت علاقة كريستيانو بوالدته قوية للغاية وحينما بدأ ممران مختلفان يظهران في حياته قال لها "أمي.. إما أذهب إلى المدرسة أو ألعب للكرة". علمت دولوريس أن عليها الاجابة "إذا ما كانت كرة القدم هي ما ترغب فيها فلتتقدم للأمام". بهذه الطريقة أصبحت للكرة الأولوية القصوى.
الطريق لناسيونال ماديرا
لفت كريستيانو أنظار الجميع في أندورينيا ووصلت هذه الأنباء إلى مدرب فريق الشباب بناسيونال ماديرا؛ لذا بدأت محاولات ضم اللاعب والتي كللت بالنجاح في صيف 1995 ولكن لماذا انضم إلى ناسيونال في ظل وجود ماريتيمو الذي يتمتع بسمعة أفضل في صقل النجوم منذ الصغر ويعد من ضمن أكبر خمسة أو ستة أندية في البرتغال؟
الحقيقة أن كريستيانو ووالده دينيس كانا يميلان بصورة أكبر لماريتيمو، فمنشآته كانت قريبة أكثر من المنزل وسمعته كانت تجعله بمثابة الخطوة التالية الملائمة، ولكن مطالب أندورينيا المادية جعلت رئيس ماريتيمو ينهي المفاوضات، أو هكذا قالوا.
حينها بدأ فرناندو سوسا، الذي اختاره دينيس والد كريستيانو عرابا لنجله لدى مولده، في التفاوض مع ناسيونال الذي حينما علم بأن ماريتيمو كان وراء هذه الموهبة لم يتأخر في تلبية "المطالب المادية": طقما ملابس للفريق و20 كرة. هذا هو ما دفعه النادي من أجل ضم اللاعب أو هكذا تقول القصة التي يعرفها الجميع.
داخل هذه القصة هناك تفاصيل صغيرة لم تحك وربما كان من الممكن أن تغير حياة رونالدو وربما تاريخ كرة القدم، وهي أن السبب وراء عدم انتقال رونالدو لماريتيميو كان رئيس قطاع الشباب في الأخير برناردينو روسا الذي فوت اجتماعا مع مسؤولي أندورينيا بخصوص مسألة ضم اللاعب لأنه كان مرهقا للغاية لدى خروجه من عمله الآخر في أحد المصارف.