كبار السنّ في اليمن... عمل لا ينتهي

24 يناير 2020
العمل في البناء منهك (العربي الجديد)
+ الخط -

تكثر المطالبات الموجّهة إلى السلطات في اليمن، وكذلك إلى المنظمات الدولية العاملة في المجالين الإنساني والصحي في البلاد، بهدف تقديم المساعدة للأشخاص المسنّين، حتى لا يضطروا إلى الاستمرار بالعمل

ما زال يمنيون كثر من كبار السنّ يمارسون أعمالاً شاقة لإعالة أسرهم، على الرغم من أنّ الوقت قد حان حتى يرتاحوا، ونراهم في أعمال مختلفة. منهم بائعون متجوّلون، أو يعرضون سلعهم على الأرصفة، وآخرون حمّالون أو يعملون في البناء أو جمع العلب البلاستيكية الفارغة أو تنظيف الشوارع. فتلك الأعمال هي كلّ ما يُتاح لهم كمصدر عيش، بعدما ضاقت بهم الحال في البلاد.

محمد يحيى (65 عاماً) واحد من هؤلاء، وهو من مديرية شعوب في صنعاء. يخبر "العربي الجديد" قائلاً: "أستيقظ يومياً عند الساعة الخامسة صباحاً، وأتوجّه إلى عملي، في مجال البناء، علماً أنّ وضعي الصحي في تراجع مستمرّ منذ عدّة سنوات". يضيف يحيى أنّ "مهنة البناء متعبة لمن هم في مثل سنّي، لكنّني لا أجيد غيرها منذ صغري، بالتالي فأنا مضطرّ إلى العمل فيها وكسب المال حتى أتمكّن من الإنفاق على أسرتي المؤلّفة من تسعة أفراد"، مشيراً إلى أنّه يعمل "لمدّة تسع ساعات طوال أيام الأسبوع، ما عدا يوم الجمعة الذي أمضيه مع أسرتي".



يُذكر أنّ يحيى يعمل مياوماً، ويتقاضى خمسة آلاف ريال يمني (نحو 20 دولاراً أميركياً) في اليوم الواحد. ويوضح يحيى أنّ "وضعي المعيشي تراجع كثيراً منذ بدء الحرب في البلاد، قبل نحو خمسة أعوام، بسبب توقّف العمل من وقت إلى آخر، بالإضافة إلى عدم انتظام صرف معاشي من الضمان الاجتماعي الذي توقّف مع بداية الحرب قبل أن تتكفل إحدى المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة بصرفه قبل عامَين، لكن بطريقة غير منتظمة".

بدوره، تحدّث الحاج أحمد صالح (61 عاماً)، وهو من سكان منطقة شملان في صنعاء، عن عدم انتظام صرف راتبه التقاعدي منذ أكثر من ثلاثة أعوام، وهو الأمر الذي دفعه بحسب ما يخبر "العربي الجديد" إلى "العمل في مهن شاقة عدّة، من قبيل حمل الطوب والبضائع، إلى جانب بيع المياه المعدنية في الشوارع. ومنذ عام ونصف عام، استقرّت بي الحال كبائع فواكه على عربة متجوّلة". يضيف صالح أنّ "تنقلي من شارع إلى آخر وأنا أجرّ عربة مملوءة بالفواكه تحت أشعة الشمس الحارقة أمر مُضنٍ، لكن ما باليد حيلة. هذا مصدر رزقي الوحيد في الوقت الحالي، ولا أملك خياراً آخر". وعلى الرغم من التعب الواضح على وجه صالح، فإنّه يؤكّد مبتسماً أنّ "وضعي المعيشي الحالي أفضل بكثير من الذين يعملون في القطاع الحكومي، فهؤلاء يعانون بشدّة بسبب استمرار عدم صرف الرواتب". ولا يخفي صالح أنّ الأوضاع الاقتصادية الصعبة انعكست سلباً على ابنه الأكبر الذي كان يساعده في توفير احتياجاته حتى وقت قريب، لذا "لم أعد أنتظر منه أيّ شيء، لا بل أرفض أحياناً ما يقدّمه لي من مال، فأولاده أولى منّي به".

ولا يقتصر العمل في المهن الشاقة على كبار السنّ من الرجال فقط، فثمّة نساء كثيرات اضطررنَ إلى العمل منذ بدء الحرب في البلاد في مارس/ آذار 2015، بهدف توفير متطلبات الحياة لأسرهنّ. فاطمة من بين هؤلاء النسوة، وتخبر "العربي الجديد"، قائلةً: "نزحت إلى صنعاء بسبب اشتداد المعارك في محافظة الحديدة (غرب) في ديسمبر/ كانون الأول 2018 برفقة زوجي المقعد واثنتَين من بناتي، وقد وفّرت لنا إحدى المنظمات حينها الغذاء والمبيت في إحدى المدارس الحكومية"، مشيرة إلى أنّ "تلك المدرسة التي سكنّا فيها مؤقتاً لم تكن ملائمة للعيش. لذلك اضطررت إلى أن أستأجر منزلاً من غرفتَين مقابل 25 ألف ريال (نحو 100 دولار) شهرياً. ولأنّ زوجي مُقعد ولا يستطيع العمل، حاولتُ كثيراً البحث عن عمل من دون جدوى، فاضطررتُ في النهاية إلى العمل في جمع المخلّفات البلاستيكية من الشوارع وبيعها". تضيف فاطمة أنّ "هذا العمل يتعبني كثيراً منذ أكثر من عام، فأنا أدور طوال ساعات النهار في الشوارع أفتّش عن البلاستيك بين النفايات، في مقابل 2000 ريال يمني تقريباً (نحو ثمانية دولارات)"، من دون أن تخفي أنّ "ثمّة جمعيات وفاعلي خير يقدّمون لنا المساعدة، ما أدّى إلى تحسّن أوضاعنا".




في السياق، تقول المتخصصة الاجتماعية والنفسية هند ناصر لـ"العربي الجديد" إنّ "كثيرين من كبار السنّ في اليمن فقدوا مَن يساعدهم خلال أعوام الحرب الأخيرة، وهم اليوم يعانون ظروفاً إنسانية بالغة السوء". تضيف أنّ "كبار السنّ يعملون في مهن شاقة لا تناسبهم، في مختلف مناطق البلاد"، مشيرة إلى أنّ "ثمّة أشخاصاً من بينهم غير قادرين على العمل من جرّاء أوضاعهم الصحية، لجأوا مضطرين إلى التسوّل في الشوارع وأمام المساجد والمؤسسات الحكومية لتوفير أبسط متطلبات الحياة لهم ولأسرهم. وهذا أمر محزن جداً". وتوضح ناصر أنّ "السبب الرئيسي وراء عمل اليمنيين من كبار السنّ في مهن شاقة لا تناسبهم، يعود إلى أنّ الغالبية العظمى منهم غير متعلّمين". وتؤكّد أنّ "الحكومة اليمنية معنية بدرجة أساسية بدعم كبار السنّ، وكذلك بالتزام تسليم معاشات المتقاعدين والضمان الاجتماعي ورفعها بما يتناسب مع ارتفاع الأسعار في البلاد".