كامل الوزير لحقيبة النقل المصرية: عسكرة القطاع ومصادرة الانتقادات

11 مارس 2019
أهداف عدة للسيسي من وراء تعيين كامل الوزير(العربي الجديد)
+ الخط -
أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رسمياً اختيار رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، اللواء كامل الوزير، لتولي مهام وزارة النقل، بعد أيام من الكارثة الإنسانية التي وقعت يوم الأربعاء 27 فبراير/شباط الماضي بمحطة القطارات الرئيسية بميدان رمسيس بالقاهرة وأسفرت عن سقوط عدد غير معروف من الضحايا والمصابين، واستقال على إثرها وزير النقل هشام عرفات.
وكلّف السيسي خلال حضوره الندوة التثقيفية للقوات المسلحة أمس الأحد، الوزير بتطوير مرفق النقل والسكك الحديدية بالكامل بحلول منتصف عام 2020، قائلاً: "هنشوف شكل تاني للقطاع ده". وأشار إلى أنه "لا صحة للشائعات التي انتشرت عن الإلحاح على الوزير لتولي المنصب"، مستطرداً: "احنا في القوات المسلحة مش بنتحايل على حد، ولما طلبته قال أنا تحت رجل مصر". من جهته قال الوزير: "سأسعى لتحقيق نهضة شاملة في وزارة النقل، لا في قطاع السكك الحديد فقط، وسأسعى لإثبات أن القيادة السياسية تولي اهتماماً بهذا الشأن".

وليس جديداً أن يطرح اسم الوزير لحقيبة النقل تحديداً، ففي سبتمبر/أيلول 2015 كان مرشحاً بقوة للحقيبة ذاتها، لكن السيسي ارتأى أن يبقى رئيساً للهيئة الهندسية للقوات المسلحة، واختار بدلاً منه للوزارة اللواء سعد الجيوشي الذي كان يعمل بالهيئة الهندسية مساعداً لرئيسها بين عامي 2008 و2010، ثم نُقل إلى وزارة النقل ليصبح رئيساً لهيئة الطرق والجسور. لم يستمر الجيوشي في منصبه أكثر من 6 أشهر، فغادره في مارس/آذار 2016 وخلفه جلال السعيد الذي أقيل في فبراير/شباط 2017، فخلفه هشام عرفات الذي كان السيسي ينسب له دائماً النجاح في إدارة قسم كبير من التخطيط لما يصفه بـ"المشروع القومي للطرق"، الذي يعتبر أحد أبرز عناصر خطة التنمية التي يعد بها السيسي المصريين.

وما رجح اختيار الوزير لهذه الحقيبة منذ أيام عدة، هو اعتماد تعيين اللواء إيهاب الفار رئيساً للهيئة الهندسية خلفاً للوزير، الذي يعتبر العقل المدبر والذراع التنفيذية الأولى لجميع المشاريع التي شرع السيسي في إنشائها منذ 2015 وحتى الآن، بما فيها ما يدخل في اختصاص وزارات الإسكان والنقل والزراعة وحتى الكهرباء. وأدى الوزير دوراً كبيراً في التنسيق بين الجهات الإدارية ومقاولي الباطن، وإدارة موارد وجهود الجيش وتوزيعها على المشاريع المختلفة.

كما أسند السيسي ومدير مكتبه السابق، رئيس جهاز المخابرات الحالي عباس كامل إلى الوزير مهام ذات طابع سياسي أيضاً، فهو المختص حالياً بالتعامل مع أهالي عدد من المناطق بالجيزة ومطروح كالوراق والعلمين، والذين تريد الدولة تهجيرهم من أراضيهم لإقامة مشاريع استثمارية وسياحية. وإلى جانب ذلك فهو المفوض من قبل وزير الدفاع بالتعامل مع أصحاب الشركات المتعاملة مع الهيئة الهندسية ومقاولي الباطن من الناحيتين المالية والإدارية، ما يجعله عملياً المسؤول الأول عن مشاريع السيسي.

ولهذه الأسباب، يعتبر كثيرون أن تولي الوزير حقيبة النقل تحديداً نقمة لا مكافأة، وبمثابة "حرق" إعلامي لشخصيته التي دائماً تقترن دعائياً بالإنجازات والمشاريع، لا سيما أن الملفات العالقة، التي لا تجد الحكومة حلاً لها في قطاع النقل عديدة وعميقة ومكلفة، بالنظر للحالة المتهرئة لسكة الحديد والمواصلات، مع اهتمام النظام بالدرجة الأولى بتوجيه الأموال المتاحة لمشاريع جديدة ومكلفة، مثل العاصمة الإدارية الجديدة، وهضبة الجلالة وشق الطرق المؤدية لها.

في المقابل، يرى آخرون أن "تولي الوزير هذه الحقيبة قد يحقق للسيسي أهدافا عدة، تدعوه لعدم اختيار شخص آخر يختلف عن الوزير على مستوى الثقة والكفاءة والشهرة الإعلامية. فبعد ساعات معدودة من وقوع كارثة محطة رمسيس، بدأت مخابرات السيسي توجيه وسائل الإعلام المؤتمرة بتعليماتها إلى عدم معالجة الواقعة بصورة عامة وشمولية تبرز مشاكل هذا القطاع وتقصير السيسي وحكوماته على مدار 5 سنوات في علاج مشاكله". ويعود السبب إلى أنه تمّ توجيه المليارات من المساعدات والقروض والاستثمارات إلى مشاريع بعيدة عن قطاع النقل، خصوصاً بعد انتشار الشريط التليفزيوني الذي تحدث فيه السيسي عن توجيه 10 مليارات جنيه (574 مليون دولار) إلى المصارف لحصد فائدتها، بدلاً من توجيهها للسكك الحديدية التي لا تزيد حصيلتها السنوية عن ربع ما تنفقه الدولة عليها سنوياً.



وتركز وسائل الإعلام الموالية للسيسي منذ مساء يوم الحادث على أنه نتيجة إهمال أو تصرف عمدي من السائق، محاولة للتشويش على الغضب الشعبي والمطالبات بإصلاح هذا المرفق بنشر مواضيع عن انتماءات السائق السياسية، والادّعاء بأنه ينتمي لجماعة الإخوان، ثم الحديث عن كونه متهماً سابقاً في قضايا مخدرات ودعارة. الأمر الذي ثبت كذبه لاحقاً بصدور بيان النائب العام الذي أعلن أن "السائق لم يكن مدمناً للمخدرات"، في انعكاس لضيق صدر النظام بالخرق غير المقصود، الذي حدث على مستوى الإعلام لقطاع النقل، والانتقادات العنيفة التي وجهت عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتعامل الدولة مع أرواح المواطنين، نظراً لسرعة انتشار الصور ومقاطع الفيديو عن الحادث.

وهنا تكمن حاجة السيسي لشخصية بحجم وتأثير الوزير في هذا القطاع، لأن انتقاله، إذا حدث، فسيتم بقواعد تعامله مع وسائل الإعلام والهيئات الحكومية الأخرى كرئيس للهيئة الهندسية، وسيضفي صبغة عسكرية على الوزارة وقراراتها وتعاملاتها مع الغير، أسوة بضباط الجيش الآخرين الذين تولوا مناصب مدنية أو استخباراتية أو رقابية في عهد السيسي. بالتالي سيفتح هذا الانتقال الباب لإجراء تغييرات واسعة في صفوف قيادات الوزارة، وعسكرة المكاتب المتحكمة في القطاعات الرئيسية بالكامل، ومنع وسائل الإعلام من التعامل مع شؤون الوزارة بالوتيرة التي كانت تتعامل بها سلفاً مع الوزراء السابقين، بإبراز السلبيات، باعتبار النقل من القطاعات الخدمية المدنية التي لا تنأى أبداً عن أسهم النقد.

أما الهدف الثاني المحتمل لانتقال الوزير فهو تحقيق سيطرة السيسي المباشرة على أوجه الإنفاق في هذا القطاع، والعمل على تنفيذ خطط كان وزير النقل السابق هشام عرفات يتخوف من البدء في تطبيقها، أبرزها إحالة المئات من الموظفين غير التقنيين إلى التقاعد لتوجيه جزء أكبر من ميزانية الوزارة لجهود التطوير.

في هذا الإطار، قال مصدر بهيئة السكك الحديدية لـ"العربي الجديد"، إنها "خطة لا يمكن تنفيذها إلا بواسطة وزير من خلفية عسكرية ومدعوم بالكامل من السيسي". واعتبرت بعض المصادر التنفيذية بمجلس الوزراء المصري أن "نقل الوزير لهذه الوزارة ونجاحه المحتمل فيها، قد يكون مقدمة لتوليه منصباً أكبر هو رئاسة الوزراء". لكن هذه الأقاويل لا تعدو كونها تكهنات يصعب الوثوق بها، أخذاً في الاعتبار أن السيسي شخصياً هو الوحيد الذي بيده اختيار الأشخاص لمناصب بهذا الحجم، من دون أي تدخلات من أي شخص، خصوصاً أنه سبق أن أطاح باثنين من أبرز المتنافسين على رئاسة الحكومة العام الماضي من دون أي مقدمات، وهما رئيس الرقابة الإدارية السابق محمد عرفان ووزير الشباب السابق خالد عبدالعزيز.



المساهمون