كاسترو، نتنياهو، وحيدر دعدوعة

03 ديسمبر 2016
(يوكيم دي ويجناندس)
+ الخط -

بعد خمسين عامًا على مقتل غيفارا، مات كاسترو، وقبل موت كاسترو بأربع سنوات مات أحمد فؤاد نجم، وقبل خمسين عامًا غنى نجم "غيفارا مات".

غيفارا وكاسترو كانا في معسكر فكري واحد، وكان هناك الكثير من البواكي، في عصر فتوّة الثورة والثوريين. لكن في عصر السوشيال ميديا والليبرالية الجديدة والهجرة و"داعش"، كاسترو لن يغنّيه نجم ولن يبكيه اليوم أحد، بل سيلعنه كثيرون بقسوة مفرطة ولن يعرف اللاعنون الآن أو غدًا، سبب لعنهم إياه.

قبل عدّة أعوام أخبرني نجم الدليمي، أستاذ الاقتصاد في كلية العلوم السياسية/ جامعة بغداد، بأن الولايات المتّحدة حولت غيفارا إلى سلعة، بعد أن طبعت صوره على القمصان والقبعات والإكسسوارات، وصار وجهه واسمه محمولين على أجساد الكثيرين ممن يجهلونه. يومها قلت له: هذا صحيح، قبل مدّة رأيت شابا يلبس صورته، وبعد أن سألته من في الصورة، قال هذا المطرب غيفارا، أحبه جدًا لأنه وسيم، ويجذب الفتيات. كان ذلك نهاية الصرعة الثورية وبداية التيه.

قبل أيّام من موت كاسترو، ساهمت الرياح الشرقية القويّة في إشعال حرائق كبيرة في عدد من مناطق إسرائيل، انفجرت مواقع التواصل الاجتماعي بهاشتاغ "إسرائيل_تحترق"، وانقسم الشباب في مواقع التواصل إلى قسمين: كان القسم الأول هو الإسلامي الكلاسيكي؛ الذي يعتقد أن الله ينتقم من إسرائيل بإشعال الحرائق فيها. والثاني هو الليبرالي المتحرّر، كان يستجمع كامل طاقاته الإنسانية الموجودة وغير الموجودة في التهجّم على الإسلاميين والتأسف على الكيان الصهيوني حكومة وشعبًا. حينها قرأت الكثير ممن تمنوا التوفيق لنتنياهو بإخماد الحرائق والسير بإسرائيل نحو القمّة.

قبل الحرائق بأشهر، اشتهرت شخصية حيدر دعدوعة في وسائل التواصل بين العراقيين، ودعدوعة هو شاب مصاب بتخلف عقلي، صوّره أحد الحلاقين وهو يقلّد الشعراء الشعبيين بنظم الأبيات. دخل دعدوعة في الفيديو كليبات، وشارك في حفلات تخرج جامعية، ودُعي إلى أماكن عدة. وظهر العديد من الشباب الذين دافعوا عن دعدوعة، الذي يُساء إليه باستقدامه إلى هذه الكرنفالات كمهرج، أو دمية مضحكة.

ثمة خيط سميك يربط الثلاثة: كاسترو، نتنياهو، ودعدوعة. يمكن تعريف هذا الخيط بـ"دوار الآيديولوجيا"، إن هذا الخيط هو حالة تيه هائلة يعيشها الشاب العربي، الذي يحاول القيام بثورة مضادة على الثوريين، وثورة إنسانية على غير الإنسانين، وثورة متحرّرة على الإسلاميين، لكن الفرق الستة، أو لنقل الفريقين على ضفتي التيه، يتداخلون بطريقة تبدو مضحكة لي بشدة، كيف؟

قبل شيوع وسائل التواصل الاجتماعي، كان الشباب يتناقلون تسجيلات ومقاطع فيديو عبر الهواتف بخاصتي البلوتوث والإنفراريد، لأحد المقاطع الصوتية الشهيرة، كانت لشاعر عراقي ثمل للغاية، يقرأ قصيدة لا يخلو بيت فيها من كلمة بذيئة، ويفتتحها بـ"** أخت العراق إلي تربينا"، كان من المفترض أن يكون التسجيل مضحكًا، لكنني عندما سمعته أوّل مرة، وكنت مراهقًا يومها، بكيت. قال صديقي الذي نقل لي القصيدة: ما بك؟ أخبرته: لم أرَ في حياتي شخصا يحب بلاده كما يحب هذا الشاعر العراق.

الفريق الأول من الثائرين على الثورية وما هو متعلّق بها، يفعلون تمامًا كما فعل الشاعر المذكور أعلاه، هم يشتمون ما يحبون، تألّموا من هذه المحبة والآن يحاولون الانسلاخ عن كل ذلك، عن عفويتهم، وفطرتهم، ووطنيتهم، وعاداتهم، هم نفس الأشخاص الذي يحلمون بالهجرة على أنها الخلاص من المزابل التي تشكّلها أوطانهم، لكنهم جميعا، يبكون بحرقة على أعتاب المطارات.

هم لا يكرهون غيفارا ولا كاسترو، لكنهم يخافون من السقوط في محبّة الشيوعية الميّتة، وهم يعرفون أن المشاركين بفيديوات دعدوعة لا يسيئون إليه، لكنهم يحاولون التخلّص من العفوية الساذجة في المجتمع، وهم يتمنّون الخير لإسرائيل لكنهم يكرهونها أكثر من أيّ شيء آخر، هم تائهون بين هؤلاء الثلاثة وآخرين غيرهم، وأنا أراهم على حق.

المساهمون