كارلوفي فاري: علاج بالمياه الطبيعية وبمشاهدة أفلام مهرجانها

29 يونيو 2017
أوما ثورمان (فيسبوك)
+ الخط -
لن تبقى الشهرة الدولية للمدينة التشيكية كارلوفي فاري معقودةً، فقط، على مياهها الطبيعية الساخنة ومنتجعاتها الصحية، التي يزورها كثيرون من مختلف أنحاء العالم، لتلقّي ما يُعرف باسم "العلاج بالمياه المعدنية". ولن تبقى المدينة انعكاساً لجمال الطبيعة التي تحيط بها، ولصناعة الـ "بورسلين" (الخزف)، الذي يُقال إنه أحد أجود الأنواع المعروفة في العالم، فقط.
فإلى هاتين الصفتين، يُضاف حضورها السينمائي الدولي، المتمثّل بمهرجان مُصنّف "فئة أولى"، على غرار مهرجانات "كان" وبرلين والبندقية، خصوصاً أن احتفالها السنوي بالفن السابع، منذ منتصف أربعينيات القرن الـ 20، يستمرّ في إتاحة مجالٍ كبير أمام السينمائيين والنقاد والمهتمّين، للاطّلاع على إنتاجات حديثة لسينما مصنوعة في أوروبا الوسطى والشرقية، كما في دول منظومة الاتحاد السوفييتي السابق.

فالمدينة والمهرجان ـ الذي تُقام دورته الـ 52 بين 30 يونيو/ حزيران و8 يوليو/ تموز 2017 ـ متوافقان على تحويل المساحة الزمنية السنوية (9 أيام) إلى احتفاء حقيقي بصناعات سينمائية يزداد نتاجها، وترتفع قيمها الجمالية والدرامية، وتحتل مساحات أوسع من السابق في المشهد السينمائي الدولي، لما فيها من حيوية إبداعية مفتوحة على وقائع العيش اليومي، في دولٍ تجتهد، دائماً، للخروج من وطأة تاريخها الثقيل، وحروبها المدمِّرة، وأنماط ديكتاتورياتها.

ورغم انجذابها إلى السينما منذ سنين طويلة، إلاّ أن الموارد الطبيعية للمدينة لن تحتجب في الأيام الـ 9 للمهرجان، بقدر ما تحاول التماهي بحراك سينمائيّ، كتفعيل للغنى الجمالي الذي تتمتع به المدينة، عمارة وشوارع وأنهاراً وغاباتٍ وأشجاراً وطبيعة خلابة، تريح الجسد والعين والروح، وتغذّيها في آن واحد. فمنابع المياه الطبيعية الساخنة (12 منبعاً أساسياً، ونحو 300 منبع ثانوي) تُشكِّل ركيزة اقتصادية فاعلة ومهمّة، إذْ تحيط بها فنادق كثيرة لاستقبال سيّاحٍ يأتونها على مدار أيام السنة، بالإضافة إلى المطاعم والمقاهي وأمكنة السهر والتسلية؛ والمهرجان السينمائيّ، الذي يحضره نحو 130 ألف زائر في كلّ دورة، يستكمل حيوية المدينة، التي تقع في الجانب الغربي لجمهورية تشيكيا، والتي تبعد 114 كلم غرب عاصمتها براغ.

تقول الحكاية إن إمبراطور الرومان وملك بوهيميا شارل الرابع (1316 ـ 1378) أنشأ المدينة، التي اكتشف جغرافيتها صدفةً، أثناء مطاردته الأيل في الغابات الممتدة في تلك البقعة الجغرافية. رحلة الصيد تلك جعلته يعثر على نبع مياه حرارية، فشيّد المدينة، التي منحها ـ في 14 أغسطس/ آب 1370 ـ ميثاق اعتراف بوجودها. منذ ذلك الحين، استخدمت منابعها الجوفية للاستحمام في "حمامات عامة"، قبل أن يتحوّل الاهتمام بها إلى صناعة مياه معدنية، بدءاً من القرن الـ 16 (في وقتٍ لاحق، عُثر على أول وثيقة مكتوبة، تفيد بحقوق تملّك المنابع تلك، موقّعة عام 1522).

هذا لن يُحيِّد المدينة عن تحوّلات التاريخ ومسارات الأزمنة. حروبٌ وممالك وثقافات تمرّ بها، ونزاعات تقوم حولها، وتبقى المدينة محصّنة بجمالها الطبيعي ومياهها الجوفية. فمن 134 عائلة زارتها عام 1756، ارتفع عدد زائريها إلى 26 ألفاً، نهاية القرن الـ 19، وأولئك جميعهم يأتونها للخضوع لـ "العلاج بالمياه المعدنية". وهو رقم سيرتفع إلى 71 ألف زائر للغرض نفسه، عام 1911، علماً أن عدد سكانها ـ في تلك الفترة ـ بلغ 53 ألف مواطن. وهو عدد سينخفض إلى 49 ألفاً و326 مواطناً، بحسب الأرقام الرسمية الخاصّة بعام 2016.

في تقرير لـ "وكالة السياحة التشيكية"، منشور في 31 ديسمبر/ كانون الأول 2016، ذُكِر أن عدد زائري كارلوفي فاري خلال عام 2016 بلغ 9 ملايين سائح، أي بنسبة 7 بالمئة زيادةً عن العام السابق عليه. هذا يعني أن القطاع السياحي، الذي يُشكِّل إحدى الركائز الأساسية للاقتصاد التشيكي، تمكّن من تحقيق أرباح تساوي نحو 4 مليارات يورو، متأتية من زيارات السيّاح هؤلاء، ما أدّى إلى ارتفاع النمو بنسبة 5 بالمئة. وبفضل تلك المنابع الجوفية والمياه المعدنية والمنتجعات الصحية، سجَّلت "أونيسكو" مدينة كارلوفي فاري، في 17 يونيو/ حزيران 2014، في لائحة "التراث الدولي"، في سلسلة "أكبر مدن المياه في أوروبا".

أما "مهرجان كارلوفي فاري السينمائي الدولي"، فيزداد حضوراً وتأثيراً في المشهد الأوروبي تحديداً. تقول أرقامٌ غير مؤكّدة رسمياً أن ميزانيته تبلغ 10 ملايين يورو، بعضها مموَّل من "الاتحاد الأوروبي"، وبعضها الآخر من شركات كبيرة، كشركة صناعة السيارات الألمانية "بي. أم. دبليو" و"مجموعة تشيك للإعلام" وغيرهما. بالإضافة إلى وزارة الثقافة التشيكية، وبلدية المدينة، ومؤسّسات رسمية مختلفة.

متابعون للمهرجان في دورات عديدة سابقة يرون أن الرقم غير صحيح تماماً، مع أنهم منتبهون إلى أن المهرجان، بسبب انضمامه إلى مهرجانات "الفئة الأولى"، محتاج إلى ميزانية أكبر، علماً أن برامجه موزّعة على عناوين عديدة، إلى جانب المسابقة الرسمية: نظرة أخرى، شرق الغرب، الأفلام الوثائقية، أفلام تشيكية حديثة، آفاق، اختيارات نقّاد "فارايتي"، براغ للأفلام القصيرة، إلخ.

من بين السينمائيين المدعوين في هذه الدورة الجديدة، هناك الممثلان الأميركيان أوما ثورمون (1970) وجيريمي رينّر (1971)، اللذان ستُكرّمهما إدارة المهرجان، محتفلةً بنتاجهما السينمائي، وبحضورهما الفني والإنساني معاً.



دلالات
المساهمون